في الوقت الذي تسعى فيه روسيا تغطية فشلها في غزوها لأوكرانيا، من خلال بسط نفوذها في دول القارة الإفريقية، ذكرت صحيفة الـ “تايمز“البريطانية، في تقرير لها نُشر أمس الاثنين، أن النيجر ستكون الدولة التالية التي تخسرها فرنسا لصالح روسيا في غرب إفريقيا.

تقرير الصحيفة يأتي بعد أن تدخلت روسيا مؤخرا في دولتي مالي وبوركينا فاسو، من خلال دعم الانقلابات العسكرية التي دفعت بكلتا الدولتين إلى أوضاع أمنية واقتصادية غير مستقرة.

الصحيفة قالت إن سلسلة من الأصوات المؤيدة لبوتين أعلنت في تطبيق “تليغرام“، أن النيجر الغنية باليورانيوم هي الهدف التالي لموسكو في غرب إفريقيا حيث تساعد البيئة الأمنية المتدهورة في بسط موسكو سيطرتها على المستعمرات الفرنسية السابقة، لافتة إلى أن نفس الأصوات كانت “تثرثر” قبل الانقلاب الذي أطاح بحكومة بوركينا فاسو، الشهر الماضي.

كما أشارت إلى أن النيجر المستعمرة الفرنسية السابقة الوحيدة في المنطقة، التي لا تزال باريس تسيطر عليها، ضرورية لمحطات الطاقة النووية التي توفر 70 بالمئة من الكهرباء في فرنسا.

وبيّنت أنه في عام 2020، كان 34.7 بالمئة من اليورانيوم المستخدم في المفاعلات الفرنسية يأتي من الدولة الواقعة في غرب أفريقيا، وإذا فقدت باريس هذا المورد، فإن أزمة الطاقة ستزداد سوءا بشكل ملحوظ.

وسط ذلك، يُخشى على نطاق واسع من أن روسيا وعلى الرغم من أن الشكوك تدور حول إمكانية إدارتها للمنطقة كما فعلت فرنسا من قبل، من أن تترك قوات مرتزقة “فاغنر” الروس مساحات شاسعة من الأراضي في منطقة الساحل لـ “الجهاديين“.

اقرأ/ي أيضا: أزمة داخلية في فرنسا بسبب الغلاء ونقص الطاقة؟

روسيا ومحاولة استغلال غرب إفريقيا

بهذا الخصوص، نقل التقرير عن إيلي تينينباوم، مدير مركز الدراسات الأمنية في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية في باريس قوله، إن “فرنسا تمر بنقطة تحول رئيسية وطويلة الأمد في علاقاتها مع غرب إفريقيا، وإن روسيا تستغل حالة عدم اليقين لمتابعة إستراتيجية تم إطلاقها قبل عقد من الزمن في إفريقيا للعمل مع الفصائل المحلية.

يأتي ذلك في الوقت الذي غادرت فيه فرنسا مالي، ونشرت “فاغنر” حوالي ألفي مرتزق وفي جمهورية إفريقيا الوسطى منذ عام 2018، على خلفية الصراعات الدينية والتحول الدبلوماسي بعيدا عن فرنسا، وفي بوركينا فاسو، قال الكابتن إبراهيم تراوري، الضابط البالغ من العمر 34 عاما والذي تولى السلطة الشهر الماضي، إن بلاده تريد “شركاء آخرين“، وهو ما تم تفسيره إنها إشارة إلى الروس.

بعد ذلك، سارع ويفغيني بريغوجين، مؤسس “فاغنر” المقرب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلى تقديم الدعم لإبراهيم تراوري قائد الانقلاب في بوركينا فاسو، ووفق ما ورد فإن “فاغنر” تعمل في 9 دول إفريقية، ومن المرجّح أن تكون بوركينا فاسو هي العاشرة، والنيجر هي الـ11.

وكانت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد، قد ربطت الوتيرة السريعة لتأثير “فاغنر” في إفريقيا بحرب موسكو في أوكرانيا، قائلة “بدلا من أن تكون فاغنر شريكا شفافا وتعمل على تحسين الأمن، فإنها تستغل الدول العميلة التي تدفع مقابل خدماتها الأمنية الثقيلة من الذهب والألماس والأخشاب والموارد الطبيعية الأخرى، وهذا جزء من نموذج أعمال مجموعة فاغنر“.

 وقالت في إفادة مؤخرا لمجلس الأمن الدولي، “نحن نعلم أن هذه المكاسب غير المشروعة تستخدم في تمويل آلة الحرب الروسية في إفريقيا والشرق الأوسط وأوكرانيا“.

لكن بالمقابل، لفتت “التايمز” إلى أنه ومع تورط روسيا في الحرب في أوكرانيا وركود اقتصادها، يشك كثيرون في إمكانية أن تصبح القوة المهيمنة بغرب إفريقيا.

اقرأ/ي أيضا: “الحرس الثوري” يهاجم السعودية.. حرب من نوع جديدة؟

السلاح وعلاقته بالنفوذ الروسي في إفريقيا

الصحيفة نقلت، عن عيادات حسن من “المركز النيجيري للديمقراطية والتنمية“، في هذا الشأن قولها، إن “جمهورية إفريقيا الوسطى تُظهر كيف يمكن أن تتغير المشاعر، إد تم الترحيب بالروس، لكنهم مكروهون الآن بسبب نهبهم للموارد الطبيعية وانتهاكات حقوق الإنسان التي جعلت حياة مواطنيها أسوأ “.

وبحسب موقع “سكاي نيوز عربية“، تشكل صفقات السلاح جزءا من سياسة التغلغل الروسي في النيجر، حيث وقّعت موسكو ونيامي في أكتوبر 2019، اتفاقا يقضي بتزويد روسيا للنيجر بـ12 طائرة هليكوبتر هجومية من طراز Mi-35.

وفي أغسطس 2017، وقّعت روسيا اتفاق تعاون عسكري مع النيجر، وبموجب مسودة الاتفاقية، سيتعاون الجانبان في الحرب على الإرهاب، ويتبادلان المعلومات حول القضايا العسكرية والسياسية وقضايا تعزيز الأمن الدولي.

ولما تتمتع به النيجر، تُعد محطة هامة بالنسبة لمساعي موسكو في ترسيخ وجودها بإفريقيا، وذلك بسبب موقعها الجغرافي بين شمال ووسط القارة، حيت تتاخم حددوها مع الجزائر وليبيا، من الشمال، بينما تحدها نيجيريا وبنين من الجنوب، وبوركينا فاسو ومالي من الغرب، وتشاد من جهة الشرق.

النيجر دولة غنية باليورانيوم، وتشير التقديرات إلى أن نيامي تمدّ فرنسا بـ 35 في المئة من احتياجاتها من الطاقة النووية والتي تسهم بدورها في 75 بالمئة من الطاقة الكهربائية الفرنسية، كما تقدر احتياطيات النفط في النيجر بـ 320 مليون برميل، والإنتاج بنحو 20 ألف برميل يوميا، وتشتهر أيضا بتعدين الذهب، إذ تمتلك حاليا 69 منجما للذهب في البلاد، و24 موقعا لمعالجة.

وقبل أيام قليلة شهدت المستعمرة الفرنسية السابقة بوركينافاسو، انقلابا أطاح برئيس المجلس العسكري الحاكم كولونيل داميبا، الذي كان قد وصل إلى السلطة بعد الإطاحة بالرئيس السابق روش مارك كريستيان كابوري، في كانون الثاني/يناير الماضي، وهو ما رحّبت به روسيا، كما تم اعتباره تكرارا لما حدث في مالي.

مالي وبوركينا فاسو والنفود الروسي

ذلك بعد ما أعلنت مجموعة من ضباط الجيش في الدولة الواقعة في غرب القارة الإفريقية، الجمعة 30 سبتمبر/أيلول الماضي، عبر التلفزيون الرسمي، إقالة اللفتنانت كولونيل داميبا، رئيس المجلس العسكري الحاكم، وحل الحكومة والمجلس التشريعي ووقف العمل بالدستور، وحظر التجول وغلق الحدود.

وبعد ما كان داميبا، قد قام بانقلاب سابق، أطاح خلاله بالرئيس الأسبق كابوري، على خلفية فشله في احتواء عنف المتطرفين في البلاد، ليفقد الجيش البوركيني السيطرة على نحو 40 بالمئة من أراضي الدولة، وهو تقريبا نفس سيناريو ما حدث في مالي، المستعمرة الفرنسية السابقة أيضا، أو ما يُعرف بأنه “انقلاب على الانقلاب“، بحسب وصف الرئيس إيمانويل ماكرون نفسه، وفقا لموقع “عربي بوست“.

تلك المقاربة جاءت بعد ما كانت مالي، قد شهدت في أغسطس/آب 2020، انقلابا أطاح خلاله العسكريون بالرئيس إبراهيم أبوبكر كيتا، ليتم تنصيب مجلس انتقالي يدير البلاد وصولا إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية كانت مقررة في 2022، لكن في مايو/أيار 2021، قام الكولونيل آسيمي غويتا، الذي كان يشغل منصب نائب الرئيس الانتقالي، باعتقال الرئيس باه نداو، ورئيس الوزراء مختار وان، وتم احتجازهما في قاعدة عسكرية، ليمسك بعد ذلك بمقاليد الأمور في البلاد.

وكان متظاهرون مؤيدون للانقلاب الجديد تجمعوا الأحد الماضي، أمام السفارة الفرنسية في واغادوغو، حيث أضرموا النار في حواجز حماية وألقوا حجارة على داخل المبنى حيث كان جنود فرنسيون يتمركزون على سطحه، في حين تحدث القائد العسكري الجديد الذي يعتبر فرنسا حليفا للرجل الذي أطاح به، علنا عن استعداده للعمل مع شركاء جدد لمحاربة “الإرهابيين“، وهو ما فسّره محللون بأنه تمهيد لتوظيف مرتزقة “فاغنر” الروس، على غرار ما حدث في مالي.

أحداث اعتُبرت مؤشرات على أن السيناريو المالي يتكرر في بوركينا فاسو، من انقلاب على الانقلاب، إلى ملامح تحول من الحضن الفرنسي إلى الروسي، بعد تصاعد هجمات العنف الأخيرة في البلاد، وفقا لتحليل لوكالة “الأناضول“، بيد أن الوضع الحالي يهدد بتخلي الانقلابينَ الجُدد عن تسليم السلطة للمدنيين في مهلة أقصاها 1 يوليو/تموز 2024، كما التزم بذلك زعيم الانقلاب الأول المخلوع داميبا، أمام الاتحاد الإفريقي والمجموعة الاقتصادية لغرب إفريقيا “إيكواس“.

وحتى الآن، تُعد مالي آخر دولة بغرب إفريقيا جذبت قوات “فاغنر” الروسية للعمل على أراضيها ضمن مهمة تدريب الجيش ومحاربة التنظيمات المسلحة، ففي نهاية العام الماضي وقعت باماكو ومجموعة شركة “فاغنر” الروسية للخدمات الأمنية الخصوصية، اتفاقا لإرسال نحو 1200 جندي لتدريب الجيش المالي مقابل حصول الشركة على مبالغ تصل إلى 10 ملايين دولار شهريا.

اقرأ/ي أيضا: قمع الاحتجاجات الإيرانية.. ما علاقة “حزب الله” و“الحشد الشعبي“؟

نفوذ روسي عبر “فاغنر”

تزامن وصول جنود “فاغنر”، إلى مالي مع بدء الحرب الروسية على أوكرانيا، مما أثّر بشكل كبير في استراتيجية عمل الشركة وأضعف انتشار جنودها في الدولة الإفريقية، بحسب عدد من الخبراء، لكن في المقابل، استغلت الجماعات المسلحة هذا الوضع لتعيد ترتيب صفوفها والسيطرة على أراض في المنطقة الحدودية بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو.

كما أثارت شركة “فاغنر” جدلا جديدا حين جلبت خبراء للتنقيب عن المعادن النفيسة جنوب مالي، وقامت بمساعدة السلطات المحلية بتهجير السكان المحليين لإخلاء المنطقة من أجل بدء عمليات التنقيب عن الذهب.

وتأسست شركة “فاغنر” عام 2014 على يد العميد السابق في الاستخبارات العسكرية الروسية ديمتري أوتكين، وظهرت للمرة الأولى شرق أوكرانيا وتعمل حالياً كشركة مستقلة في التعاقد على توريد مقاتليها لسوريا وليبيا ومالي وإفريقيا الوسطى وأوكرانيا، لكن أجهزة غربية تتحدث عن علاقتها بأجهزة الاستخبارات الروسية إذ تستهدف مناطق النفوذ الأوروبي والأميركي.

ويبلغ إنتاج مالي من الذهب الصناعي 63.4 طن فيما يبلغ الاحتياطي منه 800 طن وتُعد البلاد ثالث أكبر منتج للذهب في إفريقيا بعد غانا وجنوب أفريقيا، كما تمتلك مخزونا من اليورانيوم والمنغنيز والليثيوم والحديد، وتعد ولاية ميناكا في الوسط من أغنى المناطق بالمواد الخام.

وبدأ النفوذ الروسي في إفريقيا عندما لجأ رئيس إفريقيا الوسطى فوستان آرشانج تواديرا، في العام 2017، إلى موسكو من أجل تأمين الأسلحة والمدربين العسكريين لتعزيز جيش جمهورية إفريقيا الوسطى، وهو ما مهّد إلى نجاح مجموعة “فاغنر“، في العام 2020 في دعم بقاء تواديرا، في الحكم بعد محاولة تحالف متمرد الإطاحة بنظامه مما عزز فرصة النفوذ الروسي في إفريقيا الوسطى.

نجاح الاستراتيجية الروسية في إفريقيا الوسطى، فتح شهية موسكو على توسيع دائرة نفوذها، فتكررت التجربة في مالي، عقب انقلاب الكولونيل أسيمي غويتا، في 2020، من خلال دعم روسيا المجلس العسكري الحاكم في بماكو بالأسلحة، ووجود مرتزقة “فاغنر“، لتصبح بوركينا فاسو بانقلاب تراوري أقرب للخضوع للنفوذ الروسي.

اقرأ/ي أيضا: أردوغان يهدد باستمرار بـ “غزو” اليونان.. ما الأسباب؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.