مع دخول فصل الشتاء واشتداد وتيرة أزمة الطاقة في أوروبا، بدأت بعض الاحتجاجات والأزمات الداخلية في بعض الدول وبينها فرنسا، التي تستعد لمواجهة إضراب عام، احتجاجا على الغلاء ووسط استمرار أزمة التضخم وإضراب عمال شركة “توتال إينرجي”، ما تسبب بانخفاض إمدادات الوقود، وفق ما ذكرته وكالة الأنباء الفرنسية.

نقص إمداد المحروقات

أزمة المواد النفطية تفاقمت في فرنسا، خلال الأسابيع القليلة الماضية، حيث صادرت الحكومة العديد من مستودعات المحروقات بحسب ما نقل france24.com/ar/فرنسا/20221018-ريبورتاج-فرنسا-على-موعد-مع-إضراب-عام-الثلاثاء-يشل-حركة-النقل-في-البلاد “فرانس 24″، وذلك تزامنا مع الإضراب العام الذي دخل اليوم الثلاثاء حيّذ التنفيذ، بدعوة من النقابات العمالية وتشارك فيه قطاعات النقل والكهرباء والوظائف الحكومية والمدارس والجامعات والصحة، وبعض كبريات شركات القطاع الخاص.

قبل دخول الإضراب العام حيّذ التنفيذ، كانت قد شهدت العاصمة الفرنسية باريس الأحد، احتجاجات واسعة بمشاركة آلاف الفرنسيين، الذين احتجوا على ارتفاع الأسعار ونقص إمدادات المحروقات وارتفاع أسعارها الغير مسبوق.

تقرير لموقع “عربي بوست”، أشار إلى احتمالية تعطل حركة النقل العام في البلاد مع تنامي التوتر في ثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو وسط تضخم مرتفع وتواصل إضراب عمال شركة “توتال إينرجي”، ما تسبب بانخفاض إمدادات الوقود، وفق ما ذكرته وكالة الأنباء الفرنسية.

نقص إمدادات النفط في فرنسا، عززه استمرار إضراب عمال في شركة “توتال إينرجي” النفطية منذ أسابيع، إذ تعاني نسبة كبيرة من محطات الوقود في البلاد من نقص في إمدادات المواد النفطية ما أثار استياء الفرنسيين.

رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيث بورن، قالت في مقابلات مع وسائل إعلام فرنسية، إن نحو ثلاثين بالمئة من محطات الوقود الفرنسية، تعاني من مشكلة في الإمدادات على الأقل لنوع واحد من أنواع الوقود.

أظهرت من جانبها بيانات وزارة الطاقة السبت الماضي، أن 27.3 بالمئة، من محطات الوقود تواجه مشاكل في الإمدادات، انخفاضا من 28.5 بالمئة في اليوم السابق و30.85 بالمئة يوم الأربعاء، عندما بدأ استدعاء المزيد من العمال.

عمال مصافي النفط، أعلنوا إضرابهم عن العمل للمطالبة بزيادة أجورهم، لكي يستطيعوا مواجهة التضخم والغلاء في المواد الأساسية.

تداعيات الإضراب

بحسب تقارير فرنسية، فإن الإضراب الثلاثاء سيؤثر على وجه الخصوص على شركات السكك الحديدية، وشركات النقل العام في باريس. ومن المنتظر أن تشهد حركة السكك الحديدية اضطرابات كبيرة في منطقة باريس، حيث سيجري تسيير قطار واحد من كل قطارين. كما قد تشهد حركة المرور على الخط الرئيسي اضطراب أقل.

من جانبه اعتبر رئيس جمعية أصحاب العمل الفرنسية جوفروا رو دو بيزيو، أن استمرار نقص إمداد الوقود لأسبوع إضافي، “سيضر حقا الاقتصاد الفرنسي“.

مع اشتداد أزمة الطاقة، بسبب تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا، تسعى فرنسا وباقي دول أوروبا، إلى البحث عن بدائل مستقبلية عن الغاز الروسي، فبدأت بتعزيز العلاقات مع الجزائر بحثا عن شريك للحصول على الغاز الطبيعي.

وفي سعيها للبحث عن بدائل للغاز الروسي، توجهت رئيسة الوزراء الفرنسية إليزابيث بورن، إلى الجزائر الأسبوع الماضي، في زيارة ليومين رفقة 16 وزيرا نحو، تم خلالها عقد الدورة الخامسة للجنة الحكومية رفيعة المستوى بين البلدين التي لم تلتئم منذ 2017.

قد يهمك: “المجموعة السياسية الأوروبية”.. رسالة إلى بوتين؟

بدوره، حلّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالجزائر، نهاية أغسطس/آب الماضي، في زيارة رسمية استمرت ثلاثة أيام، جاءت بعد أزمة عاصفة وصِفت بغير المسبوقة بين البلدين.

وعقِب الزيارة قالت وسائل إعلام فرنسية، إن الجزائر تعتزم زيادة إمدادات الغاز نحو فرنسا دون الكشف عن تفاصيل الكميات الإضافية، وخلال الزيارة أشاد ماكرون، باتفاق الجزائر مع إيطاليا لإمدادها بكميات إضافية من الغاز.

وتوّجت الزيارة بـ“إعلان الجزائر من أجل شراكة متجددة“، نص على رغبة البلدين في “افتتاح حقبة جديدة“، وتبني “مقاربة ملموسة وبنّاءة تركز على المشاريع المستقبلية والشباب“.

الجزائر أعلنت كذلك الثلاثاء الماضي، بدء إنتاج الغاز في حقلين جديدين، وذلك في إطار مشواره لتعزيز صادرات الغاز إلى أوروبا في المرحلة المقبلة، حيث أشارت شركة “سوناطراك” الجزائرية، إلى أن تعزيز إنتاج الغاز يأتي في إطار العقد الموقّع مع شركة الغاز الإيطالية “إيني“.

بحسب ما أعلنت الشركة الجزائرية، فإن توسيع الإنتاج، سمح بتوسيع كمية الإنتاج إلى مليون متر مكعب من الغاز.

من جانبه يرى الخبير الاقتصادي عبد القادر سليمان، أن الكرة في ملعب الأوروبيين فيما إذا أرادوا الحصول على المزيد من الغاز خلال الفترة المقبلة، لا سيما في ظل تأكيد الجزائر على فتح الأبواب أمام الشركاء الأوروبيين للمساعدة في اكتشاف حقول الغاز وإنتاج الطاقة

سليمان قال في حديث لقناة “سكاي نيوز” الفضائية وتابعه “الحل نت“، “الجزائر هي شريك مضمون وحقيقي للأوروبيين، وإذا أرادت أوروبا المزيد من الغاز، فيجب عليها الدخول في استثمارات والدخول في التنقيب والاستكشاف“.

تنتج الجزائر نحو مئة وعشرة مليارات متر مكعب من الغاز، تذهب نصفها إلى الاستخدام الداخلي وإنتاج الكهرباء، وبالتالي فإن الجزائر بحاجة إلى “تحول طاقوي بمساعدة أوروبا، لتوفير الغاز الذي يتم استخدامه في إنتاج الكهرباء، ليتم تحويله للتصدير نحو أوروبا“، بحسب حديث سليمان.

الجزائر أصبحت اليوم ثاني مورّد لأوروبا في مجال الغاز بعد النرويج، إذ توضح التقارير أنها تزود أوروبا بنحو 12 بالمئة من احتياجاتها، وتعتبر أول منتج للغاز في إفريقيا وسابع منتج له على العالم.

تقليل الطلب

مركز “سترافور” الأميركي، أكد أن الدول الأوروبية متجهة لإقرار آليات، من شأنها تقليل الطلب على الغاز قبل الشتاء، إضافة إلى زيادة الدعم المالي للأسر والمرافق، وذلك في إطار خطة تهدف إلى الخروج من الأزمة بأقل الأضرار الممكنة.

مسؤولون في شركات الطاقة، أكدوا أن الاتحاد الأوروبي عازم على مواجهة الازمة، بدون الرضوخ للجانب الروسي، وقال رئيس أبحاث السلع في مجموعة “سيتي جروب“، إد مورس، في مقابلة مع الشبكة الأميركية، “في وقت ما بين عامي 2025 و2027 سنرى الأسعار في أوروبا تعود إلى ما كانت عليه في بداية عام 2021، ذلك لأن الأمر سيستغرق وقتا لاستبدال الغاز الطبيعي المفقود من روسيا“.

الأكاديمي والباحث في العلاقات الاقتصادية الدولية، الدكتور عبد المنعم الحلبي، رأى أن الدول الأوروبية يمكن أن تملأ خزاناتها بنسبة تصل إلى مئة بالمئة، مشيرا إلى أن نجاح أوروبا في تنفيذ سياسة تقشف مدروسة، سيساعدها إلى حدّ كبير بالخروج من الأزمة بأقل الأضرار.

الحلبي، قال في حديث سابق مع “الحل نت“: “مواجهة الأزمة تتعلق بالاستخدامات، إذا تمكنت المجتمعات الأوروبية من تنفيذ عملية تقنين وتقشّف، فيمكن لها العبور من الشتاء بدون إشكالات حقيقية، لكن من الواضح أن الشتاء سيكون قاسي في أوروبا“.

إجراءات لتخفيف الأزمة

الحلبي أضاف، “أوروبا تقوم بالعديد من الإجراءات لتخفيف الأزمة، أبرزها المتعلقة بالسياسة النقدية، التي تتصف بالواقعية، هناك رفع لأسعار الفائدة بطريقة نوعية وغير مسبوقة، لمواجهة تبعات التضخم والارتفاع الكبير في أسعار الطاقة“.

حول السيناريوهات المتوقعة للرد الروسي على الخطوات الأوروبية، يعتقد الحلبي، أن روسيا ستحاول الضغط من خلال المزيد من خطوات إيقاف خطوط الغاز إلى أوروبا، ويضيف،” كان واضحا أن الحجج التي ساقتها روسيا لقطع خطوط الغاز هي غير منطقية، لا سيما في بداية الشتاء“.

وفيما يخص نتائج المواجهة بين روسيا وأوروبا، يشير الحلبي إلى أن نتائج المعركة الدائرة في أوكرانيا سيكون لها أثر كبير، على المواجهة الاقتصادية بين روسيا والغرب، ويزيد بالقول، “أعتقد أن الوضع سيبقى على ما هو عليه حاليا، النتيجة الأساسية المنتظرة هي ما تتمخض عنه المعركة في أوكرانيا، وطبعا أقصد هنا الآثار السياسية التي يمكن أن تنتج عن تطورات عسكرية محتملة ربما تكون روسيا تدفع فيها أثمان كبيرة“.

يُذكر أن دول الاتحاد الأوروبي، كانت قد اتفقت على إجراءات طارئة لتقليل استخدامها للغاز في الشتاء المقبل بنسبة 15 بالمئة، بالتزامن مع استعداد أوروبا لمواجهة غموض يتعلق بإمدادات الغاز من روسيا، وتتطلب الخطة من الدول الأعضاء، خفض استهلاك الغاز طوعا بنسبة 15 بالمئة، بناء على معدّل خمس سنوات للأشهر المعنية، اعتبارا من شهر أيلول/سبتمبر الحالي، وخلال الشتاء التالي حتى آذار/ مارس المقبل.

إذا فالدول الأوروبية الآن في سباق مع الزمن، لا سيما وأن اشتداد وتيرة الأزمة في فصل الشتاء، سيعني ربما مزيد من الاحتجاجات والتوترات الداخلية، لكن مراقبون يرون أن خروج أوروبا بأقل الأضرار ونجاحها في إيجاد مصادر طاقة بديلة، سيعني بالتأكيد توجه أوروبا نحو اقتصادات أقوى مما كانت عليه سابقا.

قد يهمك: ما التداعيات الإقليمية والدولية لقرار “أوبك بلس” بخفض إنتاج النفط؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة