طبقا لأوسع مقياس اقتصادي استخداما وهو إجمالي الناتج المحلي، فإن الصين لديها ثاني أكبر اقتصاد في العالم. يشكل الاقتصاد الصيني حوالي 18 بالمئة من الاقتصاد العالمي، وذلك وفقا لإحصاءات عام 2021، وبحسب المؤشر القيمة السوقية لجميع القيمة المضافة في السلع والخدمات التي يتم الاتجار بها أو التي يتم تقييم أسعارها خلال فترة 12 شهرا.

يعتبر بعض الخبراء أن تقديرات الناتج المحلي الإجمالي الصيني مبالغ فيها ولا تمثل حالة الاقتصاد بدقة، وأكثر هؤلاء شهرة هو الاقتصادي الأميركي، مايكل بيتيس، الأستاذ بجامعة “بكين” الصينية الذي يتمتع بخبرة في القضايا المالية والاقتصادية الصينية.

قضية أن الأرقام الاقتصادية الصينية مبالغ فيها وغير دقيقة تثير جدلا واسعا غير مفهوم للعامة، خصوصا وأن الفقاعة العامة هي أن الصين من تهيمن على المرتبة الثانية في الاقتصاد العالمي، ولكن هل يعني هذا ضمنا أن توسع الصين لم يكن مثمرا، وبالتالي سيكون لدول “الآسيان” محطة ثابتة في المستقبل، وستلعب دورا محوريا جديدا بعد تعنت القيادة الصينية في غلق أبوابها من أجل قضية “صفر كوفيد”. قراءة هذا الموقف يندرج ضمن أربعة بنود، تتمثل في الناتج المحلي الصيني، وحقيقة الترويج الصيني للنمو عالي الجودة، والأزمة الاقتصادية للصين، ونهضة دول “الآسيان” وتتضمن (بروناي، وكمبوديا، وإندونيسيا، ولاوس، وماليزيا، وميانمار، والفلبين، وسنغافورة، وتايلاند، وفيتنام).

كيف هو الناتج المحلي الإجمالي في الصين؟

تم تطوير إحصاء الناتج المحلي الإجمالي في محاولة لإظهار الاقتصاد الحقيقي، ويهدف هذا المؤشر إلى تقدير الثروة التي يقوم عليها الاقتصاد، على افتراض أن هذه الثروة تتمثل في منتجات أو سلع يمكن بيعها من أجل الربح، ويتم شراؤها وبيعها من أجل المال.

في أوائل الثمانينات من القرن الماضي لم تكن التجارة الدولية الصينية موجودة بالفعل بحسب مركز “الجزيرة” للدراسات؛ حيث كانت تمثّل أقل من 15 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، إلا أنها ازدادت لتصل في سنة 2006 إلى 65 بالمئة، ولكن عند التدبر في الأحداث الماضية فإن ذلك يُعد ذروة التجارة الدولية الصينية؛ حيث بدأت هذه التجارة في التراجع منذ ذلك الوقت لتصل اليوم إلى حوالي 40 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، كما أنها تراجعت من حيث الأرقام المطلقة حسب مستويات التجارة الدولية الصينية.

وفي السياق ذاته، تكشف الاستثمارات الأجنبية المباشرة في الصين عن قصة مشابهة، فبعد وصولها إلى ذروة بلغت حوالي 5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في سنة 2006، فإنها تراجعت اليوم إلى أقل من 3 بالمئة.

يتشكك المحللون بشكل متزايد في أن معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي المرتفع للغاية في الصين يقدم صورة ذات مغزى لصحة الاقتصاد. ومع ذلك، هناك ثلاث طرق مختلفة جدا على الأقل يمكن أن يفشل فيها الناتج المحلي الإجمالي المبلغ عنه في عكس الاقتصاد الأساسي.

وفقا لآخر إحصاءات “البنك الدولي”، الاقتصاد الصيني لا ينمو بنسبة 6.5 بالمئة. ومن المحتمل أنه ينمو بأقل من نصف ذلك. ولا يتفق الجميع على أن المعدل منخفض إلى هذا الحد، ومع ذلك هناك نقاش مستمر حول ما يحدث بالفعل في الاقتصاد الصيني وما إذا كان نمو الناتج المحلي الإجمالي المبلغ عنه دقيقا أم لا.

سبب الشكوك الكبيرة هو الانفصال بين البيانات الرسمية والتصورات على أرض الواقع. فوفقا للمكتب الوطني للإحصاء، تجاوز النمو الاقتصادي الصيني في ربع العام الماضي 6.5 بالمئة. في حين أن هذا أقل بكثير من معدلات النمو المرتفعة التي شهدتها الصين خلال معظم الأربعين عاما الماضية.

ومع ذلك، فمن الصعب وجود قطاع اقتصادي صيني يتمتع بنمو ثابت وكبير. يشتكي الجميع تقريبا بمرارة من الظروف الصعبة الرهيبة، وزيادة حالات الإفلاس، وانهيار سوق الأوراق المالية، والتوقعات المحطمة. مستوى القلق المالي داخل الصين في الوقت الراهن لم يحدث منذ الثمانية عشر عاما الماضية.

في الصين، الأمور مختلفة لأن الناتج المحلي الإجمالي يخدم كمدخلات للاقتصاد، والحكومة الصينية تحدد هدف ناتجها المحلي الإجمالي في بداية كل عام. وتحسب الصيغة التالية الناتج المحلي الإجمالي، في بداية كل عام، من خلال حساب النفقات الاستهلاكية العامة بالإضافة إلى النفقات الاستثمارية، بالإضافة إلى الميزان التجاري.

وبسبب حجم الحكومة الصينية ومركزيتها، وحتى عندما لا يتمكن اقتصاد البلاد من تحقيق معدل النمو المطلوب، فإن الحكومة تزيد من الإنفاق الاستثماري للوصول إلى نسبة النمو المستهدفة، حتى لو لم يكن اقتصادها قادرا على تحقيقها، عبر إنشاء مشاريع استثمارية محلية لتشغيل اليد العاملة وإنعاش السوق المحلية.

المشكلة تبدأ من نسبة النمو المستهدفة، والتي تُنقل بدورها إلى الحكومات المحلية (المقاطعات) في الصين، المسؤولة عن تحقيقها. وبطبيعة الحال ليس مقبولا فشل الحكومات المحلية، أو ترك الأمور تجري بالطريقة الطبيعية التي كان سيصل إليها الاقتصاد دون تدخلات خارجية، على سبيل أخذ قرض من “البنك الدولي”.

وعلى الرغم من نجاحها الاستثنائي المؤقت، فإن الناتج المحلي الإجمالي للفرد في الصين ما زال أقل بنسبة 44 بالمئة مقارنة بنظيره في روسيا وفق معيار تكافؤ القوة الشرائية حيث كانت الأخيرة وبكين تتنافسان على مدى سنوات للوصول إلى ثاني اقتصاد على مستوى العالم في حين حققت بكين هذا الهدف في فترة من الفترات إلا أنها خسرت هذا الرهان. وإذا ما أرادت الصين أن توفر مقياسا لائقا من المعيشة لشعبها، فينبغي للوضع الراهن للاقتصاد الصيني أن يكون في حالة تقدم مستمر بدلا من أن يكون في نهايته.

لماذا تتحدث الصين عن نمو “عالي الجودة” الآن؟

الخطة الخمسية الرابعة عشرة للصين، التي صدرت العام الماضي، أوضحت الأولويات الاقتصادية والسياسية الرئيسية للبلاد حتى عام 2025، وأن النمو “عالي الجودة” في ظل “نمط التنمية الجديد” كان أولوية رئيسية.

منذ فترة طويلة أرقام الناتج المحلي الإجمالي للصين لا تعطي صورة دقيقة للاقتصاد الأساسي ولا يمكن مقارنتها بأرقام الاقتصادات الكبرى الأخرى، مثل الولايات المتحدة. وهذا اعتقاد كثير من الاقتصاديين الذين يدرسون مشاركة الصين في الاقتصاد العالمي.

هذا يرجع إلى أن جزءا كبيرا من الاقتصاد الصيني يعمل في ظل قيود الميزانية المرنة. تعني قيود الميزانية الصارمة “يجب أن يكون لديك المال لإنفاقه”، في حين أن قيود الميزانية المرنة تعني عدم وجود حد لإنفاق الفرد ويمكن من حيث المبدأ أن تتفاقم الخسائر إلى أجل غير مسمى.

تعمل الحكومات المحلية (المقاطعات) في الصين في ظل قيود ميسرة على الميزانية، على عكس قيود الميزانية الصارمة للاقتصادات الغربية الرئيسية الأخرى، ولأنها تشكل حصة كبيرة من النشاط الاقتصادي، فإن أرقام الناتج المحلي الإجمالي للصين تختلف اختلافا جوهريا في طبيعتها وبالتالي لا يمكن مقارنتها.

إذ إن الاقتصادات بالعموم تعمل ضمن قيود ميزانية صعبة، وأخرى تعمل ضمن قيود ميزانية سهلة، أما الأولى تضع قيودا كبيرة على الإنفاق، بحيث تستطيع الوحدات الاقتصادية إنفاق المال الذي تملكه وفقط، أو من الديون التي تستطيع إنفاقها على مشروعات تدر دخلا مستقبليا، وفي الحالة الثانية لا توجد هذه القيود.

الأنشطة التي عززت تاريخيا معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي للصين تشمل الإنفاق الاستثماري المرتفع، ولا سيما في البنية التحتية والعقارات. يشكل هذان القطاعان حوالي 25 إلى 30 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي للصين. لكن لا يوجد سوى عدد كبير من المباني السكنية والجسور التي تحتاج إلى البناء قبل أن تصبح تلك الاستثمارات غير منتجة. في السنوات الأخيرة، مع تكاثر “مدن الأشباح” وتراكم الديون على مطوري العقارات، أدركت بكين أن السرعة الفائقة لنمو الناتج المحلي الإجمالي في العقود الماضية لم تعد ممكنة أو مستدامة. “إيفرجراند” الصينية، المطور الأكثر مديونية في العالم، هو المثال الحي لاعتبار النمو الصيني نموا متضخما أو خياليا، على عكس النمو الحقيقي، وفقا لوكالة “فرانس برس” الفرنسية.

بالنسبة لحكومة استبدادية تعتمد شرعيتها بشكل كبير على تحقيق النمو الاقتصادي المستدام وتحسين سبل عيش شعبها، فإن التحول في التركيز نحو جودة النمو هو أيضا وسيلة لإدارة التوقعات وكذلك تحويل الانتباه بعيدا عن العديد من الرياح الهيكلية المعاكسة التي يعاني منها الاقتصاد الصيني. تواجه بما في ذلك شيخوخة السكان والإنتاجية المتأخرة، ولذلك فإن الصياغة الرسمية للصين فهي في خضم تباطؤ هيكلي وأيضا تباطؤ دوري، وبات من الصعب على بكين إخبار العالم “نحن نتباطأ”.

محركات الأزمة الاقتصادية للصين

في أي نظام اقتصادي، يُفترض أن يكون الناتج المحلي الإجمالي مقياسا للإنتاج، وفي معظم البلدان يكون هذا هو بالضبط ما يقيسه، مهما كانت الأرقام فوضوية. بمعنى آخر يقوم الاقتصاد بما يفعله وفي نهاية فترة زمنية معينة، يقيس الإحصائيون الأشياء التي يتفق الاقتصاديون على تضمينها في الحسابات، ويعبرون عن التغيير بمرور الوقت كمقياس لنمو الناتج المحلي الإجمالي لتلك الفترة، لكن في الصين هذا النظام كشف عن ثغرتين، الأولى: تعترف القيادة الصينية نفسها بوجود هذه المشكلة، وتتكلم عن ضرورة الانتقال من “نمو مضخم للناتج المحلي الإجمالي”، والوصول إلى نمو حقيقي عالي القيمة، وهذا ما قاله الرئيس الصيني تشي جين بينغ عام 2021، وفقا لإعلام الحزب “الشيوعي” الصيني.

لا يعني الاعتراف الصيني بالضرورة أنّ المشكلة بالحجم نفسه الذي يقول عنه أصحاب رأي أن الاقتصاد الصيني مضخم. فمايكل بيتيس، يقول إن النمو الصيني الحقيقي عام 2019، كان نصف النسبة المعلن عنها من الحكومة. ولكنه يعترف بعدم اتفاق الجميع على هذه النسبة شديدة الانخفاض؛ وإن اتفقوا على أن النسبة مضخمة عن حجمها الحقيقي.

ثانيا: تتعلق المجموعة الثانية من المشكلات بمدى دقة وأمانة الإحصائيين الصينيين في المكتب الوطني للإحصاء في حساب العناصر المتفق عليها التي تدخل في قياس الناتج المحلي الإجمالي. هل يميلون إلى جمع البيانات بالطريقة التي تقدم أخطاء منحازة بشكل منهجي لتظهر أعلى من الناتج المحلي الإجمالي الفعلي، أم أنهم يكذبون فعلا لإرضاء رؤسائهم السياسيين.

تظهر جمع البيانات الاقتصادية في الصين أنها مشوه بطرق تعمل على تخفيف التقلبات، وعلاوة على ذلك، وخاصة في السنوات الأخيرة، كان من الصعب التوفيق بين وكلاء اقتصاديين آخرين وأرقام الناتج المحلي الإجمالي. كما لا يخبر المراقبين عن أداء الاقتصاد؛ بدلا من ذلك، هم يخبرون الناس بمدى سرعة تفكير بكين في أنها تستطيع فرض التعديلات اللازمة على الاقتصاد الصيني بحسب ما ذكرته مجموعة “الأكونومست”. وذلك لأن الناتج المحلي الإجمالي يعني شيئا مختلفا في الصين عما هو عليه في معظم الاقتصادات الكبرى الأخرى. 

نهضة دول “الآسيان”

من المحتمل ألا تكون هناك نهاية هذا العام مناقشات حول معدل النمو الاقتصادي للصين وعلاقته بالناتج المحلي الإجمالي. في الوقت الحالي، يتفق المراقبون إجمالا على أن اقتصاد الصين ليس قويا كما تشير بيانات الناتج المحلي الإجمالي. إن المشكلات التي تواجه الاقتصاد الصيني، والمخاوف التي عبر عنها القادة الصينيون، عميقة جدا لدرجة أنها لم تعد تتطلب الكثير من التخمينات لمعرفة أن الناتج المحلي الإجمالي المبلغ عنه في الصين لا يمثل ببساطة ما تشير إليه التوقعات.

ومع ذلك، لم يفهم بعض الاقتصاديين دائما الآثار المترتبة على ذلك، ويبدو أنهم غالبا ما يرفضون تعديل منهجياتهم لمراعاة المشكلات المذكورة أعلاه مع بيانات إجمالي الناتج المحلي في الصين.

في المقابل، تعزز سياسات الاقتصاد الكلي التي تتبعها رابطة دول جنوب شرق آسيا المعروف اختصارا باسم “آسيان” وتتضمن (بروناي، وكمبوديا، وإندونيسيا، ولاوس، وماليزيا، وميانمار، والفلبين، وسنغافورة، وتايلاند، وفيتنام)، ومبادرات التعاون على المستوى الإقليمي المؤهلات الاقتصادية القوية للمنطقة، بأن هذه الدول قادرة على الحفاظ على نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5.3 بالمئة منذ عام 2006. حيث ارتفع ناتجها المحلي الإجمالي من 1.8 تريليون دولار أميركي في عام 2010 إلى 2.2 تريليون دولار أميركي في عام 2011، و30 بالمئة من الصين ونحو 15 بالمئة من الولايات المتحدة الأميركية.

في قراءة سريعة، نما مخزون الاستثمارات الأجنبية المباشرة أربع مرات تقريبا في العقد الماضي من 266 مليار دولار أميركي في عام 2000 إلى 1.1 تريليون دولار أميركي في عام 2011. وفي نفس العام، بلغ إجمالي التجارة 2.4 تريليون دولار أميركي، ونمو بمعدل 16.8 بالمئة، كما تم تخفيف التضخم عند 4.3 بالمئة.

إلى جانب الاتجاهات الإيجابية في الاستثمار الأجنبي المباشر، تحسن تصور الشركات متعددة الجنسيات لبلدان “الآسيان”، صنف أحدث تقرير عن الاستثمار صادر عن “الأونكتاد”، إندونيسيا وتايلاند وفيتنام وماليزيا ضمن أفضل 20 اقتصادا وجهة مرغوبة منذ عام 2014، حيث صعدت إندونيسيا في المراكز الأربعة الأولى، أعلى بدرجتين من ترتيبها السابق.

توقع بنك “إتش إس بي سي”، أحد أكبر البنوك في العالم، أن تكون الفلبين وإندونيسيا في المركزين السادس عشر والسابع عشر من بين أكبر الاقتصادات في العالم بحلول عام 2050، استنادا إلى أساسيات مثل الدخل الحالي للفرد، وسيادة القانون، والتعليم، والتغير الديموغرافي. وتم إدراج ماليزيا وتايلاند وفيتنام وسنغافورة ضمن أفضل 50 اقتصادا يُتوقع أن تهيمن على العالم.

وفقا للبيانات الصينية، ارتفعت وارداتها من الآسيان من 1997 إلى 2006، من 12.4 مليار دولار إلى 89.5 مليار دولار، في حين نمت واردات الولايات المتحدة من “الآسيان” وفقا لبيانات التجارة الأميركية من 71.0 مليار دولار إلى 111.2 مليار دولار. كما ارتفعت صادرات الصين من 12.7 مليار دولار إلى 71.2 مليار دولار، في حين زادت الصادرات الأميركية من 48.3 مليار دولار إلى 57.3 مليار دولار.

بشكل عام، احتلت “الآسيان” المرتبة الثالثة كوجهة للصادرات الأميركية، كما شهدت البلدان الستة (إندونيسيا، وماليزيا، والفلبين، وسنغافورة، وتايلاند، وفيتنام) نموا في الطلب النقدي بين عامي 2004 و2015. وباستثناء إندونيسيا، شهدت كل دولة زيادة في نسبة النقد المتداول إلى الناتج المحلي الإجمالي، على سبيل المثال، تمتلك كل من هونغ كونغ وسنغافورة (تابعة للآسيان) وكوريا الجنوبية من بين أسواق المدفوعات الأكثر تقدما في العالم، انتشارا واسعا للحسابات المصرفية وبطاقات الخصم والتكنولوجيا الجديدة.

خلاصة واستنتاجات

على الرغم من الصعوبات الداخلية التي تواجهها الصين، فإنها عالقة في معضلتين استراتيجيتين. الأولى هي معضلة القوى الصاعدة، أي كيفية الحفاظ على زخمها المتزايد مع تشكيل بيئة خارجية مواتية نسبيا. والمثال النموذجي هو الحشد البحري الناشئ للصين. معضلة الصين الأخرى تتعلق بهويتها: كيف يمكنها الموازنة بين المسؤولية المتأصلة في وضعها الجديد كدولة متقدمة والحقوق الموروثة في دورها المعتاد كدولة نامية. المعضلة التي تواجهها في الحملة الدولية ضد تغير المناخ خير مثال على ذلك.

بفضل النمو السريع في حجم الناتج المحلي الإجمالي على مدى العقود الثلاثة الماضية، تبرز “الآسيان” الآن كقوة اقتصادية عظمى في العالم. والأهم من ذلك، يجب على هذه الدول الصاعدة معالجة الصعوبات والتحديات الداخلية الهائلة. إلى جانب قضية التوحيد الوطني التي لم تحل بعد، فإن المشاكل الاجتماعية الأكثر بروزا وإلحاحا تشمل التنمية غير المتكافئة بشكل متزايد والتدهور البيئي المتزايد.

من منظور “الآسيان”، أصبحت الولايات المتحدة شريكا تجاريا رئيسيا. باستخدام بيانات “الآسيان”، احتلت الصين المرتبة الخامسة كأكبر شريك تجاري واحتلت الولايات المتحدة المرتبة الثانية، وكخامس أكبر سوق للصادرات احتلت الولايات المتحدة المرتبة الثانية، وكثالث أكبر مصدر لوارداتها احتلت الولايات المتحدة المرتبة الرابعة.

تحول دول الشرق الأوسط والهند والاتحاد الأوروبي نحو دول “الآسيان” بعد أن شهدت البلدان الستة نموا في الطلب النقدي بين عامي 2004 و2015، ومع استمرار القوة الشرائية في الزيادة، وفي ظل انهيار النظام الاقتصادي للصين وحجبها الأرقام الحقيقة له، ستشكل دول “الآسيان” الستارة التي ستحجب شمس اقتصاد بكين عن بقية العالم، وستبقى مبادرة “الحزام والطريق” طريقا ضمن صحراء خاوية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.