بعد أزمة سياسية استمرت لأكثر من عام بين القوى السياسية العراقية أدت إلى تعطيل تشكيل الحكومة، وانتهت بتكليف محمد شياع السوداني بتشكيل حكومة جديدة يوم الخميس الماضي، وخلال مدة أقصاها ثلاثون يوما.

جاء تكليف السوداني بعد صراع محتد بين تحالف “الإطار التنسيقي” الذي يضم قوى شيعية مقربة من إيران، و“التيار الصدري” بزعامة مقتدى الصدر، وسط تطلعات العراقيين إلى مرحلة جديدة يمكنها تجاوز التحديات والملفات، التي بقيت عالقة على إثر التدافع ما بين القوى السياسية، وغضب المواطنين من تردي الأوضاع.

حيث ما تزال كثير من الملفات العالقة التي تركتها الأزمة السياسية دون حلول ناجعة يمكن أن تؤمن أجواء مستقرة لحقبة جديدة، يمكنها معالجة قضايا تنخر بالمجتمع العراقي، مثل الفقر والبطالة وتداعي الاقتصاد، وتردي قطاعي الصحة والتعليم، فضلا عن المشكلة الأكبر المتمثلة بالسلاح المنفلت، وهي التي أدت إلى انفجار الشارع العراقي في العام 2019، وتفاقم الأزمة السياسية ما بين الفواعل السياسية والاجتماعية.

وعن تلك التحديات، يقول الخبير السياسي غالب الدعمي لموقع “الحل نت“، إن حكومة محمد شياع السوداني ستكون بمواجهة تحديات كبيرة جدا، على اعتبار أن الترِكة كبيرة، ومن بين هذه التحديات داخلية وإقليمية ودولية.

التحديات الداخلية بحسب الدعمي، تتمثل بالمواطنين ومطالبهم فضلا عنما يتعلق بالاحتجاجات، والخدمات التي يطالب بها الشارع العراقي، والتي قد يعجز عن توفيرها، مبيّنا أيضا أن من بين تلك التحديات قضية “التيار الصدري“، إضافة إلى تحديات “الإطار التنسيقي” ذاته، لاسيما في ظل الخلافات على المناصب وتوزيعها.

الدعمي زاد بالقول، إنه إلى جانب تلك الملفات تبرز التحديات الإقليمية والدولية، فضلا عن ملف الموازنة العامة التي من المرجح أن تصل قيمتها إلى 200 مليار دينار، وهو ما يشكل تحديا كبيرا بانتظار رئيس الحكومة العراقية الجديدة فيما إذ سيتمكن من صرفها إلى خدمة المواطنين أم انفاقها في مجالات أخرى، لافتا إلى أن المواطنين قد ينتظرون أشهر لينظروا إلى ماذا ستفعل الحكومة تجاه كل هذه الملفات وبعدها ينتفضون.

اقرأ/ي أيضا: رئيس العراق الجديد يتسلم مهامه.. ماذا عن تشكيل الحكومة؟

الحكومة العراقية ومجمل التحديات التي تنتظرها

في السياق، يتفق مدير المركز الفرنسي لأبحاث العراق “سفراي” عادل باخوان، مع الدعمي في الرأي، ويقول إن هناك ثماني تحديات أمام الحكومة العراقية الجديدة بقيادة شياع السوداني، من بينها إدامة الدعم الخارجي الحذر، وتشكيل الحكومة، مبينا أنه في الماضي تمت ملاحظة أنه لم ينجح الجميع في تشكيل الحكومة وتراجع البعض.

علاوة على تلك التحديات، يضيف باخوان، أن هناك تحدي إدارة العلاقة مع الصدر لإقناعه واحتمال غضبه، مؤكدا أن الرهانات صعبة على كلا الجانبين، إضافة لتحدي إدارة الحركة الاحتجاجية، وإلى أي مدى تجنب تكرار استراتيجية القمع في زمن رئيس الوزراء الأسبق عادل عبد المهدي وكيفية التعامل مع الاحتجاجات، وهي موجة واسعة جدا وكبيرة وشبابية.

 مدير المركز الفرنسي لأبحاث العراق أشار كذلك إلى بانتظار شياع السوداني ضمان الحفاظ على تحالف إدارة الدولة، الذي يتألف من تحالف “الإطار” والكُرد والسنة، من خلال تنفيذ الاتفاقات الموقّعة بين الحلفاء، فضلا عن الحفاظ على التوازن بين الميليشيات ومؤسسات الدولة.

ومحاربة الفساد وتضييق مجالاته، وكيف وبأية طرق يمكن أن تمنع ظهور الفساد الذي سيقود الدولة العراقية كلها والمجتمع العراقي إلى مأساة كبيرة، إلى جانب التعهد الذي قدمته قوى “الإطار” للعراقيين منذ عام، وهو تشكيل حكومة خدمية، وإلى أي مدى وكيف يمكن أن تغيير شكل الحكومة من الزبائنية إلى حكومة تخدم المواطنين، كلها ملفات بانتظار الحكومة الجديدة، بحسب باخوان، الذي أشار إلى أن السوداني يتمتع بدعم نسبي حذر للمجتمع الدولي، فإلى أي مدى سينجح في دفع الدول إلى عدم الخيبة.

ويوم أمس تسلّم الرئيس العراقي الجديد، عبد اللطيف رشيد، مهام عمله رسميا خلال مراسم أقيمت في قصر السلام الرئاسي وسط المدينة الخضراء بالعاصمة بغداد، بحضور شخصيات سياسية وحكومية وبرلمانية مختلفة، وكان الرئيس الجديد قد كلف فور انتخابه لمنصب رئاسة العراق، مرشح تحالف “الإطار التنسيقي” محمد شياع السوداني، لتشكيل حكومة جديدة، وذلك بعد ساعة واحدة من انتخابه.

وفق الدستور العراقي، فإنه يجب على المكلف بتشكيل حكومة جديدة، أن يختار كابينته الوزارية وينال ثقة البرلمان خلال 30 يوما من تاريخ تكليفه، وإن لم ينجح بذلك، يتم استبداله بتكليف شخصية أخرى لتشكيل حكومة جديدة، فهل سيتمكن السوداني من تشكيل حكومته وكيف سيكون شكلها في المرحلة المقبلة.

اقرأ/ي أيضا: ماذا يعني سيطرة قوى إيران على القرار السياسي العراقي؟

تشكيل حكومة عراقية بوقت سريع

 المحلل السياسي والأكاديمي علاء مصطفى، أستاذ العلاقات العامة الدولية في جامعة بغداد، كان قد توقع خلال حديثه في وقت سابق لموقع “الحل نت“، أن السوداني سينجح في تشكيل الحكومة المقبلة، إذ سيتمكن السوداني من نيل ثقة البرلمان بغضون مدة تنحصر ما بين 10 أيام و17 يوما، أي قبل نهاية تشرين الأول/أكتوبر الجاري.

تفاؤل مصطفى جاء نتيجة المعطيات الراهنة؛ التي نتجت عن جلسة انتخاب الرئيس وتكليف السوداني بشكل سلِس دون مضايقات أو تظاهرات أو اعتراض من قبل خصم “الإطار التنسيقي“، وهو “التيار الصدري” بزعامة مقتدى الصدر، الذي اتخذ الصمت دون أي تعليق منه على كل ما جرى ويجري في المشهد السياسي العراقي مؤخرا.

مصطفى من خلال حديثه لـ “الحل نت“، قال إن السوداني سيسارع لطي صفحة رئيس حكومة تصريف الأعمال الحالية مصطفى الكاظمي، وذلك عبر ذهابه للبرلمان بكابينة حكومية ناقصة، أي بنحو 12 وزيرا لنيل ثقة البرلمان وتسلم رئاسة الحكومة المقبلة بشكل رسمي، على أن يكمل الكابينة الوزارية في دفعة ثانية بعد نيله الثقة في الدفعة الأولى.

السرعة في تسلّم رئاسة الحكومة التي يسعى لها السوداني، هي لطي صفحة الكاظمي؛ لأن “الإطار” الموالي لطهران، ينظر بريبة لحقبة الكاظمي، ويريدها أن تنتهي بأقرب فرصة، ليترك تلك الفترة خلفه بكل ما حققته وما لم تحققه، على أن يتحمل السوداني على عاتقه المرحلة المقبلة، بحسب علاء مصطفى.

تأتي هذه التطورات بعد أن اشتدّت وتيرة الأزمة السياسية العراقية، في 30 تموز/ يوليو الماضي، عندما اقتحم جمهور “التيار الصدري“، المنطقة الخضراء حينها، وأقاموا اعتصاما مفتوحا من داخلها وأمام مبنى البرلمان العراقي، بعد 72 ساعة من الاقتحام الأول لهم للخضراء، الذي لم يتجاوز 5 ساعات قبل أن ينسحبوا بتوجيه من زعيم “التيار“، مقتدى الصدر وقتئذ.

العاصمة العراقية بغداد، شهدت في 29 آب/ أغسطس الماضي، تصعيدا صدريا على إثر إعلان زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر، اعتزاله الحياة السياسية نهائيا، من خلال اقتحام أنصاره لكل بقعة في المنطقة الخضراء، وأهمها القصر الجمهوري، قبل أن يتطور المشهد لصراع مسلح.

الصراع سببه مهاجمة القوات الأمنية المكلفة بحماية الخضراء والتي من ضمنها فصائل موالية لـ“لإطار“، ومنضوية تحت راية “الحشد الشعبي“، لأنصار الصدر لتفريقهم وإخراجهم من الخضراء، فتدخل فصيل “سرايا السلام” الجناح المسلح التابع للصدر للدفاع عن أنصاره من المتظاهرين، لتندلع مواجهة مسلحة داخل الخضراء منذ ليل 29 آب/ أغسطس، وحتى ظهر 30 آب/ أغسطس، عندما دعا الصدر في مؤتمر صحفي، أتباعه للانسحاب وإنهاء اعتصاماتهم.

نتيجة الأزمة حول الحكومة العراقية

جراء العنف المسلح، سقط 40 قتيلا و700 جريح، وانتهت اعتصامات الجمهور الصدري بعد شهر من خروجها أمام البرلمان للمطالبة بحله وإجراء انتخابات مبكرة جديدة.

الأزمة السياسية العراقية، تأتي نتيجة لصراع سياسي دام لأكثر من 10 أشهر منذ انتهاء الانتخابات المبكرة الأخيرة، وفوز الصدر فيها وخسارة “الإطار” الموالي لإيران، الذي وقف بوجه مشروع “التيار الصدري“، عندما سعى إلى تشكيل حكومة “أغلبية“.

بعد الانتخابات المبكرة، ذهب “التيار الصدري” بقيادة الصدر، إلى تشكيل تحالف ثلاثي مع الحزب “الديمقراطي الكردستاني” وتحالف “السيادة” الجامع لأغلب القوى السنية، وسمي بتحالف “إنقاذ وطن“.

 “إنقاذ وطن“، أصر بـ 180 مقعدا نيابيا على الذهاب نحو تشكيل حكومة “أغلبية” تستثني مشاركة كل “الإطار التنسيقي” أو بعض أطرافه، في وقت استمر الأخير بالدعوة إلى حكومة “توافقية” يشترك فيها الجميع، وذلك ما لم يقتنع به الصدر، ولم ينجح في ذات الوقت بتمرير مشروعه.

الفشل في تمرير مشروع حكومة الأغلبية، جاء بسبب عدم تمكن التحالف الثلاثي من حشد النصب القانوني لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية في 3 مناسبات، والذي تكمن أهمية انتخابه في تكليف مرشح الكتلة الأكبر بتشكيل الحكومة، ودونه لا يمكن المضي بحكومة جديدة.

سبب الفشل كان إلزام “المحكمة الاتحادية العليا” -التي لجأ إليها “الإطار” صاحب 83 مقعدا نيابيا بالتصدي لمشروع الأغلبية- البرلمان العراقي بعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بحضور ثلثي أعضاء المجلس، أي 220 نائبا من أصل 329، وفقا للدستور.

بعد ذلك، شهد العراق انسدادا سياسيا أضطر الصدر للانسحاب من العملية السياسية، وتوجيه أعضاء كتلته بالاستقالة من البرلمان في 12 حزيران/ يونيو الماضي، لتستبشر قوى “الإطار“، بعدها بسهولة تشكيل الحكومة، وهذا ما لم يحدث إلى الآن.

اقرأ/ي أيضا: رئيس جديد للعراق.. ما شكل المرحلة المقبلة؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.