التزايد الكبير في شركات جمع الأموال في سوريا، بات دلالة واضحة  ومؤشر لحالة الفوضى التي يعيشها السوريون في ظل بحثهم عن أي وسيلة تشكل مصدر دخل لهم. المئات  في سوريا يقعون ضحية لشركات وهمية تكون غير مرخصة بالعادة، وليس لها نظام داخلي، تبدأ كتجارة صغيرة وتتوسع مع إغراء الضحايا بأرباح كبيرة، ثم سرعان ما يفقد الشركاء رؤوس أموالهم ويتحولون إلى ضحايا، جراء هروب مؤسسي هذه الشركات.

شركات الاحتيال وجمع الأموال أصبحت موضة اليوم في ظل الوضع الاقتصادي السيئ لمعظم الأسر السورية، والذي يدفعهم للتعلق بقشة الأرباح السريعة. الحالات التي يسمع عنها كثيرة جدا عن شخص جمع مبالغ باهظة ليسافر فجأة، أو شركة عملت لعدة أشهر وأغلقت دون سابق إنذار، كما أن المحاكم اعتادت على هذا النوع من القضايا، وأصبح التعامل معها بشكل دائم بعد أن كانت بمعدل قضيتين فقط في كل عام، وذلك في سنوات ما قبل الحرب، بحسب تقرير لجريدة “البعث” السورية.

الشركات الوهمية هذه ليست جديدة لا في سوريا ولا في أي دولة أخرى، فهي نمط احتيال قديم، ويعرف بأسلوب “بونزي”، وذلك نسبة لتشارلز بونزي، الذي يعد أشهر من قام بعملية احتيال في العصر الحديث. بحسب حديث الباحث الاقتصادي يحيى السيد عمر لـ”الحل نت”.

رئيس محكمة بداية الجزاء السابعة بدمشق، القاضي محمد خربوطلي، كشف في تصريح صحفي عن تزايد كبير في قضايا جمع الأموال، حيث يرد للمحكمة قضية أو اثنتان بشكل شهري، وتكون غالبا عبر شركات تعتبر وهمية، أي غير ظاهرة وغير مرخصة نظاميا وليس لها نظام داخلي، وهي أشبه بالشركات العائلية مثلا التي تبدأ كتجارة صغيرة بين الأقارب مع إغراء الضحايا بأرباح بنسب كبيرة.

أعلى قيمة جمع أموال سجلت هذا العام هي 4 مليار ليرة تقريبا، فيما كانت أعلى قيمة بالمطلق لشركة “شجرتي” التي ضبطت من عدة أعوام وتجاوز المبلغ المجموع فيها 32 مليار ليرة، بحسب خربوطلي. القانون يحمي ضحايا هذا النوع من الاحتيال ويضمن إعادة حقوقهم “إن ضبطت”، ففي معظم الأحيان تكون الأموال المصادرة غير كافية لإعادة ما دفعه الجميع، إذ يعمد جامعوا الأموال لعدم ترك أي أملاك باسمهم، وتهريب معظم أموالهم لخارج القطر، فيصبح من الصعب استرجاعها، علما أنه وبمجرد إلقاء القبض على المجرم يحجز على أمواله ويمنع من السفر، كما يمكن حجز أي من أملاك أسرته إذا تبين أنه باعها لهم قبيل إلقاء القبض عليه بوقت قصير.

شركات الاحتيال في الشمال السوري

في مناطق المعارضة في الشمال السوري، قادت حالتا تفشي البطالة والفوضى إلى انتعاش هذا النوع من الشركات. مصادر أهلية أكدت لـ”الحل نت” أن أكبر عملية احتيال باستخدام شركة وهمية تم تنفيذها في السنوات الماضية تمت بواسطة أبو صالح الديري المعروف بـ”الختيار” وهو شخصية مقربة من “هيئة تحرير الشام” واستهدفت شركته مئات الأشخاص ممن أغرتهم العروض المغرية لشركته التي أطلق عليها شركة “آفاق” الاستثمارية، فقد كان يمنح المشارك نسبة 20 بالمئة من رأس المال كأرباح شهرية، لكن سرعان ما تم اكتشاف عملية الاحتيال هذه دون الكشف عن مصير “الختيار” كون هذه القضية تعد من الملفات غير المعلنة لـ”هيئة تحرير الشام”.

الشركات الوهمية في مناطق المعارضة لا تقتصر على شركة “الختيار” بل هي شركات متزايدة يعمل أصحابها غالبا في قطاعات مثل المحروقات والعقارات وتصريف الأموال ويغرون ضحاياهم بالمبالغ الكبيرة التي يمنحونها لهم والتي لا تقل عادة عن 20 بالمئة.

مبدأ هذه الشركات، وفق السيد عمر، يقوم على إعطاء عوائد كبيرة للمشتركين الأوائل في الشركات، وقد يستمر منح العوائد لسنوات، بهدف كسب ثقة المجتمع المحلي، ومع مرور الوقت واستمرار تدفق العوائد تزداد ثقة الأفراد، ويقومون بزيادة قيمة المبالغ التي يودعونها في الشركة، ويزداد عدد الأفراد المتعاملين معها، ويستمر هذا الأمر حتى وصول المبالغ المودعة لحد يرى أصحاب الشركة أنه أصبح كبيرا بما يكفي للاستيلاء عليه، وهنا تختفي الشركة أو الأشخاص القائمين عليها، وغالبا ما يغادروا خارج البلاد هربا من الضحايا ومن الملاحقة القانونية.

كما أن ظروف الفقر تعد بيئة خصبة لانتشار هكذا حالات احتيال، فعدم وجود فرص عمل تجعل الأفراد يتعلقون بأي أمل لتوفير مصدر دخل مستمر، فالمحتالون يحاولون التركيز دائما على هذه العوامل.

فيما يتعلق بإجراءات السلطات لضبط حالات الاحتيال المرتبطة بجمع الأموال، فإن منع هذه الشركات من التأسيس النظامي والقانوني قد يكون الوسيلة الوحيدة. يشير يحيى السيد عمر إلى التفاف مؤسسي الشركات على هذا الحل من خلال عدم إشهار الشركة وبقاء العمل سرا، وهنا تقع المسؤولية على الضحايا في عدم الإنجرار وراء مصادر دخل غير واضحة، ولذلك غالبا ما تضيع حقوق الضحايا كون المحتالين يسارعوا للهرب من الدولة حتى لا تتم ملاحقتهم.

جريمة بحسب القانون

كثافة شركات جمع الأموال التي تستغل الأوضاع المعيشية المتردية للسوريين لا تعفي الضحايا من المسؤولية،، كونهم بحاجة قبل الانخراط في هذا النوع من النشاطات الاقتصادية إلى دراسة المسألة بتريث أكبر، في حين يقف القانون السوري مع الضحايا بشرط وصول عدد المدعين إلى 10 أشخاص، لكن أغلب الشركات تتمكن من مغادرة البلاد قبل حدوث مثل هذه الدعاوي وهو ما يجعل المسؤولية الأكبر لضبط هذه النشاطات الفوضوية على عاتق المواطنين.

محمد الحسن اسم مستعار لأحد ضحايا شركات الاحتيال، كشف لـ”الحل نت” أن معظم الأشخاص الذين تغريهم طريقة الربح السهلة يسارعون إلى وضع ما يمتلكونه من مدخرات بين أيدي أصحاب شركات لا يعلمون عنها شيئا، سوى أنها تمنح الأرباح الفورية وبشكل شهري دون أي تأخر أو نقص في نسبة الأرباح. المعلومات عادة تستقى من أشخاص إما أقارب أو معارف حصلوا على أرباح من الشركة ما يحفز الآخرين نحو المشاركة واستثمار المدخرات لاسيما وأن نسبة الأرباح مغرية جدا.

ظهور الشركات الوهمية و شركات الاحتيال وجمع الأموال، بحسب حديث المحامي عمار عز الدين، لـ “الحل نت” يعود إلى الظروف الاقتصادية السيئة التي يعيش فيها السوريين، وتحفزهم نحو الحصول على الأرباح السريعة بغية تحسين وضعهم الاقتصادي، خاصة وأن الشركات تقدم مغريات بأرباح ضخمة، وتعمل ضمن نشاطات تجارية مثل سوق العقارات أو شركات الصرافة أو الربح عن طريق تقلب سعر الصرف أو تحويل الأموال بطرق مشروعة أو غير مشروعة، ما يجعل هذه المشاريع تجلب أرباحا ضخمة و يكون لها واجهة تجارية تبعث الطمأنينة في نفوس العملاء ما يجعله يضع مدخراته و نقوده لدى هذه الشركات بهدف الربح السريع و السهل لتحسين وضعه الاقتصادي.

هذه الأفعال من قبل الشركات الوهمية والتي تستهدف جمع أموال المواطنين تشكل وفق  عز الدين، جريمة وفق القانون رقم 8 لعام 1994 من القانون السوري. فقد نصت المادة 1 من القانون السوري على التالي، باستثناء الأشكال القانونية التي نص عليها قانون التجارة بشأن الشركات المساهمة المغفلة وشركات التضامن وشركات المخاصمة وشركات التوصية والشركات المحدودة المسؤولية وما أجازته القوانين والأنظمة النافذة الأخرى في الجمهورية العربية السورية، يمتنع على أي شخص طبيعي أو اعتباري جمع الأموال من الجمهور بغية توظيفها أو استثمارها أو الإتجار بها لأي غرض من أغراض توظيف الأموال، وبأية وسيلة كانت وتحت أي مسمى سواء أكان هذا الغرض صريحا أم مستترا.

وفق القانون المذكور يعاقب المسؤول عن شركات جمع الأموال في حال تجاوز عدد المدعين ضد المدعى عليه 10 أشخاص حسب اجتهاد محكمة النقض، فيعاقب القانون حسب نص المادة 5 بالاعتقال المؤقت أي 7 سنوات وبغرامة تعادل مثلي ما تقاضاه من الجمهور فضلا عن رد الأموال التي جمعها بكاملها لأصحابها.

كما يجوز للمحكمة حرمانه أيضا من مزاولة النشاط الاقتصادي مدة لا تزيد على ثلاث سنوات، ونشر منطوق الحكم بالوسيلة المناسبة التي تراها المحكمة وعلى نفقة المحكوم عليه. في حال كان العدد لا يتجاوز 10 مدعين فإن الجرم هو احتيال وفق نص المادة “641” من قانون العقوبات المعدل للمرسوم التشريعي رقم 1 لعام 2011 بالحبس من ثلاث سنوات إلى خمس سنوات.

 المحامي عز الدين يشير إلى عدم تمكن الضحايا غالبا من الاستفادة من هذه القوانين بسبب سرعة إغلاق الشركات، و هرب أصحابها خارج سوريا مع تهريب مسبق للأموال التي جمعوها من المواطنين، أو بسبب لجوء بعض الشركان لإعلان إفلاسها احتيالا وهو إجراء يعاقب عليه القانون أيضا وفق أحكام المادة  “675” من قانون العقوبات التي تنص على معاقبة المفلس المحتال بالأشغال الشاقة المؤقتة حتى سبع سنوات.

 انتشار شركات “بونزي” في سوريا مع أنه ليس وليد الحرب؛ إلا أن الظروف القاسية التي تطاول معيشة السوريين أسهمت في تزايده دون أن تتمكن السلطات من ضبطه أو استعادة حقوق الأشخاص الذين يقعون في فخ الاحتيال. ظروف الحرب خلقت مروحة من الفوضى وغياب القانون وتفشي البطالة، ما يجعل مئات السوريين يقعون ضحية ألاعيب رجال الأعمال المجهولين، بينما لا يساند القانون هؤلاء الضحايا إلا في حال كان عدد المدعين كبيرا، هذا في حال لم يسارع المحتالون إلى مغادرة البلاد رفقة حقائب مليئة بأموال ضحاياهم.

اقرأ أيضا: شركات الوهم والاحتيال في سوريا.. زيادة المواجع بدون تخدير!

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.