خلال الفترة الماضية، وفي ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعيشها السوريون منذ عدة سنوات، ارتفعت أسعار الجلسات الامتحانية إلى أرقام فلكية تتجاوز نصف الراتب الشهري لموظف حكومي، وترتفع مع اقتراب موعد الامتحانات النهائية لكل من طلبة الصف الثالث الثانوي “البكالوريا” والصف التاسع.

يبدو أن المعلمين والأساتذة يستغلون حاجة الطلاب في هذا التوقيت الحساس، باعتبار أن مرحلة الامتحانات النهائية لهاتين الشهادتين من أهم المراحل التي يمرّ بها الطلبة في سوريا. كما في العام الماضي وبالتزامن مع اقتراب موعد الامتحانات النهائية، زادت أسعار الدروس الخصوصية بشكل كبير، إذ وصل سعر التدريس للساعة الواحدة لنحو 50 ألف ليرة سورية، وارتفع اليوم للضعف، أي نحو 100 ألف ليرة والرقم مرجّح للارتفاع مع قرب الامتحانات أكثر فأكثر.

أسعار الجلسات الامتحانية

تقرير لموقع “أثر برس” المحلي، نُشر يوم الإثنين الفائت،يشير إلى أن المعلمين بدأوا بالإعلان عن افتتاح جلسات امتحانية خاصة، حيث يتم من خلالها مراجعة المنهاج بشكل كامل والتركيز على المعلومات الهامة أو كما يدعوها البعض بـ”التوقعات”.

ارتفاع أسعار الجلسات كان موجّهً بشكل خاص للمواد الأكثر أهمية، مثل الرياضيات والفيزياء والكيمياء، للفرع العلمي إذ وصل سعر الجلسة إلى 80 ألف ليرة، ما جعل الكثير من الطلاب يشكّلون مجموعات ليتمكنوا من تسديد ثمن الجلسة الواحدة. أما مواد اللغات، كالإنكليزية والفرنسية والعربية، فبلغ سعر جلستها 100 ألف ليرة للساعة الواحدة وتعد هذه المبالغ مرتفعة بالنسبة لدخل نسبة كبيرة من الأهالي.

قاعة الامتحانات لطلبة البكلوريا والصف التاسع في سوريا- وكالة “سانا”

في سياق آراء الطلبة، اشتكى عدد من طلبة “البكالوريا” للموقع المحلي من أسعار الجلسات الامتحانية، ووصفوها بأنها مرتفعة وتفوق قدرة أهاليهم المادية، مشيرين إلى أن أُسرهم تنفق كل دخلها الشهري لتسديد أقساط هذه الجلسات. ونتيجة لارتفاع أسعار الجلسات الامتحانية المكثفة، يضطر الطلاب للانضمام إلى مجموعات للحصول على الاستفادة المطلوبة، ذلك لأن الطالب على حدّ تعبيرهم، لا يستطيع تحمّل تكلفة الجلسة لوحده، بسبب غلائها.

من جانب آخر، تُعتبر المعاهد الخاصة من عوامل التوفير على الطالب، حيث تقدم جلسات مكثفة لكل مادة على حدى لمراجعة المنهاج بشكل كامل في غضون أيام وساعات معدودة، ووصل سعر الدورة المكثفة لمادة اللغة الإنكليزية لـ 100 ألف ليرة على الطالب الواحد، وأكدت إحدى طالبات “البكالوريا” في الفرع الأدبي، بأنها مبالغ كبيرة للتسجيل في الجلسات الامتحانية لكافة المواد.

التعلم فوق كل شيء

في سياق متّصل، أثار ارتفاع أسعار الجلسات الامتحانية حماس الأهالي والطلبة، حيث بدأ الكثير منهم ببيع أغراض منزله لتسديد أقساط الجلسات. فيما اعتبر عدد من المعلمين أن واقع المعيشة يفرض عليهم رفع أسعار هذه الدروس المُقامة في منازلهم، وأنهم ينتظرون شهري أيار/مايو وحزيران/يونيو من كل سنة بفارغ الصبر، حيث تُعتبر هذه الفترة موسم جني ثمار تعبهم طوال العام، وفق قولهم.

هذا ووفق آراء الأساتذة، تباينت أسعار الجلسات بين معلم وآخر، حيث بيّنت معلمة اللغة الفرنسية، أنها تأخذ من الطالب 10 آلاف ليرة ضمن مجموعة، وإذا كان الطالب لوحده تتقاضى 30 ألف ليرة، معتبرة أنه مبلغ ضمن المعقول، وسط الغلاء الجامح الذي يلفّ حول جميع المواطنين في البلاد.

معلم آخر أردف في حديثه حول أسعار الدروس المكثفة هذه، أنه من الطبيعي أن تختلف أسعار جلسة مادة الرياضيات عن جلسة مادة الاجتماعيات، نظرا لصعوبة المادة وتعقيدها وثقلها على الطالب والمعلم أيضا، أما المواد الأدبية، والتي ترتكز على الحفظ من قبل الطالب، يكتفي المعلم بتقديم المعلومة بسلاسة ووضوح، ويقع عاتقها بالمجمل على مدى حفظ الطالب نفسه.

لماذا يتوجهون للدروس الخصوصية؟

في وقت سابق، أكدت تقارير صحفية محلية، أن صعوبة المناهج وكثافتها تُجبر الأهل إلى اللجوء للدروس الخصوصية وخاصة الشهادات، بجانب أن بعض المدرسين في المدارس الحكومية يحجبون المعلومة ليضّطر الطالب إلى أخذ دروس خصوصية وبأسعار خرافية ولكنه مضّطر لذلك، في سبيل تخطي هذه المرحلة الأساسية فهي بداية انطلاقة كل طالب.

كما أن سبب لجوء الطلاب إلى الدروس الخصوصية يعود لترهل الكادر التعليمي في المدارس الحكومية، في حين ما يتقاضاه المدرس من راتب شهري لا يعادل أجر ثلاث ساعات يومية يتقاضاه من الدروس الخصوصية.

مرشد اجتماعي، خلال تصريح صحفي سابق، عزا من جانبه أسباب انتشار ظاهرة الدروس الخصوصية، إلى انخفاض أجور المدرسين، فضلا عن جشع بعض المعلمين والمدرسين ورغبتهم في تحسين دخلهم المالي، وسط هذا الغلاء والتضخم الهائل في البلاد.

أمّا فيما يخص شروط إعطاء الدروس الخصوصية ومراقبتها من قبل “وزارة التربية السورية”، قالت مديرة الإشراف التربوي في الوزارة، إيناس ميّه، عبر تصريح صحفي سابق، إن الدروس الخصوصية مخالفة للأنظمة والقوانين المعمول بها في “وزارة التربية”، ولكن الوزارة لا تضع ضوابط مالية لهذه العملية، معتبرة أن ذلك يُعتبر شرعنة لهذه الدروس، لا سيما أن “وزارة التربية” سمحت للمعلم بالعمل 8 ساعات خارج أوقات الدوام في المدارس أو المعاهد الخاصة.

في وقت سابق، وبظل تفاقم هذه الظاهرة بشكل كبير، حمّلت مديرة الإشراف التربوي، الأهل والطلاب وبعض المدرسين مسؤولية تفاقم ظاهرة الدروس الخصوصية، لكنها لم تتطرق إلى تقصير المنظومة التعليمية والتي بدورها أدت إلى انتشار هذه الظاهرة واعتماد نسبة كبيرة من السوريين على الدروس الخصوصية، ولم تتطرق إلى غياب الإشراف الرقابي الحكومي في كيفية سير العملية التعليمية في المدارس الحكومية، التي تُعدّ من أحد الأسباب الرئيسية في انتشار هذه الظاهرة وفق آراء الأهالي والطلاب بشكل عام.

البعض الآخر يرون أن توجه معظم الطلاب إلى الدروس الخاصة والجلسات الامتحانية لعدة أسباب، منها التعليم الضعيف في المدارس أو عدم قدرة الطالب على الاستجابة داخل الصف نظرا للأعداد الكبيرة المتواجدة فيه، إضافة إلى رغبة بعض أولياء الأهالي في حصول أبنائهم على درجات عالية بصرف النظر عن اكتسابهم للمهارات والقدرات، لذلك تنتشر ظاهرة الدروس الخصوصية حتى أصبحت مظهرا من مظاهر التفاخر الاجتماعي.

بحسب الصحف والمواقع المحلية، فقد وصلت أسعار الدروس الخصوصية مؤخرا في دمشق إلى أرقام كبيرة جدا، فمدرّس الرياضيات القدير الذي يحضر إلى منزل طالب الثانوية العامة يبلغ ثمن ساعته نحو 40 ألف ليرة سورية، أي بمعدل 700 ليرة عن كل دقيقة، فيما يطلب بعض المدرسين أكثر من ذلك عند قدومهم للمنازل، كما يتم احتساب أجرة التاكسي للذهاب والإياب بنحو 30 ألف ليرة، كما أن ثمة أجورا متنوعة للمدرسين ترتبط بالطالب والمنطقة التي يعيش فيها وقدرة أهله على الدفع.

أعباء إضافية

وسط كل هذه المعاناة التي يعاني منها الطلاب، هناك مشاكل أخرى يواجهونها، مثل انقطاع الكهرباء لساعات طويلة في اليوم، وكذلك شحّ الكهرباء في قاعات الامتحانات خلال أوقات الامتحانات نفسها، مما يؤثر على العملية التعليمية ونفسية الطالب أيضا.

على الرغم من الوعود الحكومية في توفير الكهرباء قدر الإمكان أثناء فترة الامتحانات، إلا أن ذلك لم يتحقق، ولم يتحسن واقع تقنين الكهرباء.

حيث يبقى برنامج الكهرباء في إطار ساعتين تغذية مقابل 4 انقطاع، ونظرا لأن الطقس حار أثناء الامتحانات التي تُقام في شهر السادس من كل عام، فإن الأمر يشكل ضغطا إضافيا على الطالب.

في العموم، انخفض مستوى التعليم وجودته في سوريا بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، لعدة أسباب، لعل أبرزها هجرة عدد كبير من المدرسين ممن يمتلكون الخبرات والمهارات، إضافة لتدهور الوضع الاقتصادي الذي أثّر على الطرفين، المدرس الذي لم يعد مدخوله الشهري كافيا لمعيشته وأسرته، والطالب الذي لم يعد التعليم الحكومي قادرا على إيصال المواد العلمية بالشكل اللازم، لتكون الدروس الخصوصية هي الحل الأمثل للطرفين، وإن كانت مرهقة من الناحية المادية للأهالي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات