تراجع الليرة أمام النقد الأجنبي بشكل مهول وتدريجي على مدار السنوات الماضية، ترافق معه تراجعا في قيمة الرواتب والأجور، حتى بات راتب الموظف السوري يساوي الـ 25 دولارا شهريا، بجانب التضخم الكبير الحاصل، وهو ما أدى معه إلى تلاشى أحلام المواطن السوري الاقتصادية يوما بعد يوم، لدرجة أنه نسي أحلامه وتخلى عنها واحدا تلو الآخر.

أسعار كل شيء تقريبا ارتفعت، وبات يُحتسب بالعملة الأجنبية، بما في ذلك أسعار العقارات، التي قفزت بشكل كبير خلال الفترة الماضية، بالتزامن مع الزلزال الذي ضرب شمال سوريا. إذاً الحلم الكبير الذي كان يراود كلّ شاب سوري بامتلاك منزل وبناء أسرة أصبح حُلما بعيد المنال، إن لم يكن مستحيلا، تماما كما تلاشت أحلام الأسرة بالخروج وتغيير الأجواء والجلوس على طاولة سريعة لتناول وجبات الشاورما بعد هذا الغلاء، وأصبح شراء أقراص الفلافل هو الأنسب لهم.

أحلام تلاشت!

في خضم ارتفاع الأسعار بشكل شبه يومي دون رقيب أو حسيب، ووسط تهاوي سعر الصرف من جهة ومستوى الرواتب والأجور من جهة أخرى، بات واضحا تراجع مستوى المعيشة في سوريا، إذ تلاشت الطبقة الوسطى في البلاد، وتحول المجتمع السوري إما إلى الطبقة الغنية أو المخملية إذا جاز التعبير، والطبقة الفقيرة التي باتت من نصيب نسبة كبيرة من السوريين اليوم، والتي تُشكل قرابة الـ 90  بالمئة، وهي نسبة مُخيفة في الحقيقية.

أسواق دمشق- “سانا”

تقرير لموقع “بزنس 2 بزنس” نُشر اليوم الأربعاء، ذكر فيه أن الحلم الكبير الذي كان يحلم به كل شاب سوري في امتلاك منزل وبناء أسرة، أصبح حُلما بعيد المنال، إن لم يكن مستحيلا، كغيره من الأحلام التي بناها السوريين أملا بغد أفضل، ومن كان يحلم بامتلاك سيارة صار همّه الأكبر توفير المال لشراء جهاز الكومبيوتر المحمول “لابتوب” حتى يستطيع العمل عليه وتمرير حياته المعيشية، حيث لا يقل سعر “اللابتوب” بمواصفات جيدة عن 15 مليون ليرة، أي قرابة 1400 دولار ومن كان يحلم بشراء موبايل أو تحديث جهازه الخليوي، أصبح جلّ تفكيره يتمركز حول قدرته على شراء بنطال ذات جودة متوسطة أو شراء حذاء جديد.

كذلك ومن كان يحلم بأبسط الأمور إن كان شراء فروج أو إقامة حفلة مشاوي في المنزل مع ظرف عصير، يضع على الوجبة التي يجب أن تتضمن الفروج، بات يضع قطعا منه بدلا من وضعه بأكمله، ويتمم باقي الوجبة بالمأكولات النباتية المعلبة، أو يسلق “جلد أو عظام الفروج” كبديل عنه في الطبخ، ويتابع يومه بمراقبة نشرة الأسعار متأملا أسعار الفرج وانخفاضه بعد أن وصل سعره إلى نصف قيمة الراتب الشهري للموظف.

قد يهمك: العقارات بسوريا أرخص من سعر التكلفة.. ما القصة؟

أحلام الأسرة بالخروج وتغيير جو والسير في الأسواق والجلوس على طاولة سريعة لتناول السندويش أو وجبات الشاورما أيضا طار بعد أن حلق سعر الوجبة إلى 18 ألف ليرة، وسندويشة البطاطا إلى 6 آلاف ليرة، وتكلفة هذه المغامرة لعائلة مؤلفة من 5 أشخاص يساوي راتب موظف لشهر كامل، لذا تحول إلى عزيمة على أقراص للفلافل فقط.

التضخم الجامح “السبب”؟

يبدو أن التضخم الجامع من ارتفاع الأسعار بشكل مهول خلال السنوات الماضية والذي بات الهاجس الأكبر للسوريين، حيث لا يمر يوم دون أن ترتفع أسعار السلع الأساسية وغير الأساسية في الأسواق السورية، دون أن يكون هناك أي ضوابط أو إجراءات حكومية للحد من ذلك، يقف وراء تلاشي أحلام السوريين اليوم، إن لم يكن هو من قضى على تلك الأحلام.

المواطن السوري اليوم تخلى عن جميع أحلامه الاقتصادية وأحلامه بالعيش وسط هذه الظروف الصعبة، وصار همّه الأكبر أن يستيقظ من دون مطالب ملحّة لمرض أو لشراء الأدوية والذهاب للطبيب أو أن يضطر إلى استئجار تاكسي خصوصي، إذا ما حدثت أزمة مواصلات جديدة نتيجة شحّ الوقود في البلاد من فترة لأخرى وغيرها من الأزمات التي تلاحق السوريين في الداخل بشكل يومي.

بالعودة إلى التقرير المحلي، فإنه يشير إلى أنه حتى الحلم بالشفاء من الألم أصبح ممنوعا على هذا الشعب كون معاينة الطبيب وصلت اليوم إلى 20 ألف ليرة، والأدوية أسعارها نار وبدأت تُفقد من الأسواق بعد الارتفاع التدريجي لسعر الصرف، علما أنه تم تعديل سعر الأدوية خلال العام الجاري ووصل سعر ظرف حبوب “السيتامول” الجيد إلى 3000 ليرة، وظرف الالتهاب 18 ألف ليرة وقطرة دمعة العين على هذا الواقع والبكاء على هذه الأحلام 6000 ليرة.

بالتالي لا بدّ للجهات الحكومية المعنية والخبراء الاقتصاديين في البلد، على الرغم من تكرارهم تحذيرات عدة من تفشي الفقر وتدني مستوى الرواتب، أن يدركوا مخاطر ترك الأحلام وتحويل الشباب الطامح إلى تعساء وبؤساء، وضرورة العمل الجاد للحفاظ على حلم تناول قرص الفلافل.

العمل بوظيفتين

في المقابل، يرى الخبراء أنه لولا عمل السوريين في وظيفتين أو الاعتماد على الحوالات المالية الخارجية، وبعض الأعمال الأخرى التي أنتجتها الحرب على مدار السنوات الماضية، لما تمكّن المواطن الذي يعيش في سوريا اليوم من إعالة نفسه وأسرته.

فبعد الارتفاع المهول في تكاليف المعيشة، وسط تدني المداخيل، لجأت نسبة كبيرة من العائلات السورية إلى مِهن تبدو غريبة على المجتمع السوري، مثل “تعقيب المعاملات”، وانتشار ظاهرة “المطابخ المنزلية” بالإضافة إلى التسويق الإلكتروني والعمل من داخل المنزل، من أجل تأمين سُبل عيشهم وتغيير واقعهم الاقتصادي الهش إلى مستويات تتناسب مع الواقع المعيشي الصعب الحالي.

من الأعمال الجديدة التي برزت مؤخرا، هي مهنة بيع النباتات الطبية والعطرية والأعشاب المعروفة التي تنمو في هذا الوقت من كل عام، خاصة في المناطق الجبلية مثل ريف دمشق ومحافظة القنيطرة الغنية بهذا النوع من النباتات، بجانب جمع فطر “الكمأة” في البادية السورية، رغم خطورتها، نظرا لوجود مخلفات الحرب والألغام فضلا عن تواجد خلال نائمة لتنظيم “داعش” الإرهابي هناك. ويبدو أن ثمة مِهن أخرى ما زالت الأزمة السورية ستكشف عنها في الفترات المقبلة مع تدهور الوضع الاقتصادي أكثر فأكثر دون وجود ما يؤشر عن أيّ تحسّن أو انفراجة فيه.

في العموم، طالما أن رواتب ومداخيل السوريين ثابتة وعلى حالها، لا سيما رواتب العاملين في القطاع العام، فإن معدل التضخم في البلاد سيرتفع إلى مستويات أعلى. وبالتالي ستتصاعد نسب البطالة والذين يرغبون بالهجرة وترك أعمالهم ووظائفهم، لا سيما بعد موجة الاستقالات الجماعية في القطاع الحكومي مؤخرا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات