ضربات عديدة تلقاها سوق العقارات في سوريا خلال السنوات الماضية، ليس آخرها زلزال السادس من شباط/فبراير الماضي، تزامنا مع ركود كبير في سوق العقارات، الأمر الذي يطرح التساؤلات حول أسباب هذا الركود الذي وصل إلى حد عرض بعض العقارات بسعر أقل من تكلفة بنائها، فما هي الأسباب.

في وقت يحتاج فيه سوق العقار إلى دفعة لإخراجه من حالة الركود التي يعيشها منذ سنوات، ساهمت القرارات الحكومية الخاصة بتنظيم عمليات بيع وشراء العقارات بزيادة معاناة التجار، فضلا عن الانهيار المتواصل لقيمة الليرة السورية، الأمر الذي تسبب بخوف لدى البائعين والمشترينَ على حدّ سواء من إتمام عمليات البيع.

ركود كبير

تزامنا مع الركود الحاصل، فإن سوق العقارات يشهد فرقا كبيرا بين العرض والطلب، حيث أن المعروض من العقارات يتجاوز بأضعاف ما هو مطلوب، وهو أحد الأسباب الرئيسية للركود، حيث امتنع معظم البائعين عن البيع بأسعار السوق، خاصة وأن بعض العقارات تم عرضها بسعر أقل من تكلفتها الحقيقية.

تقرير لصحيفة “الوطن” المحلية، أشار إلى أن العديد من مُلّاك العقارات، يعمدون إلى رفع أسعار ممتلكاتهم، في محاولة للتغلب على ضغط الركود الحاصل في الأسواق، خاصة وأن بعض المناطق في العاصمة دمشق، كانت أسعار العقارات فيها أقل من تكلفتها الحقيقية.

تقرير الصحيفة أشار إلى انتشار ظاهرة تعبّر عن “خلل حقيقي في الاقتصاد”، وهي ظاهرة الادخار في العقارات من أشخاص لديهم فائض من المال أو أشخاص كانوا يعملون خارج البلاد، لافتا إلى مشكلة واضحة وهي أنه رغم وجود شكاوى من عدد من المواطنين بعدم امتلاكهم عقارا للسكن، ورغم كارثة الزلزال التي حصلت منذ أشهر، نجد أن هناك نسبة كبيرة من العقارات الفارغة.

العقارات الفارغة هي لأشخاص غالبا ما يكون لديهم مبلغ من المال ويريدون استثماره في سوق العقارات بسوريا، مستغلين الانخفاض في الأسعار التي تشهده الأسواق منذ سنوات، في وقت يؤكد فيه خبراء سوريين أن ظاهرة الادخار المبالغ فيها، غير صحية للاقتصاد، إذ إنها تؤدي إلى استهلاك بنية تحتية وموارد الطبيعة من دون الحاجة الفعلية لها.

المستثمرون في سوريا يلجأون غالبا إلى العقارات، وذلك في ظل انعدام فرص الاستثمار في أي قطاع آخر، حيث أن هناك خشية كبير من الاستثمار الزراعي والصناعي الذي لا يخلُ من المخاطر بسبب التذبذب الكبير في الأسعار، لذلك يتم اللجوء إلى شراء العقارات.

أسعار غير حقيقية

رغم الارتفاع الكبير في أسعار العقارات مؤخرا، إلا أن قلة الطلب عليها، تؤكد أن الأسعار الحالية أقل من الأسعار الحقيقية، خاصة مع ارتفاع تكاليف البناء والاكساء، إذ تؤكد المؤشرات أن تكلفة اكساء منزل بشكل متوسط يمكن أن تصل إلى أرقام أعلى من سعر العقار.

سعر طن الحديد في السوق على سبيل المثال بحدود 6.3 ملايين ليرة والمتر المكعب من البيتون المجبول بحدود 450 ألف ليرة، وتخضع أسعار هاتين المادتين للأسعار العالمية وتغيراتها وتتأثر بتغيرات سعر الصرف الحاصلة، في حين أن أسعار مواد الإكساء كذلك شهدت تغيرات لكن بنسبة أعلى من تغيرات سعر الصرف الحاصلة.

حكومة دمشق لم تتمكن من دعم قطاع العقارات، بل على العكس حاولت استغلال الحركة المالية في السوق لدعم “البنك المركزي” السوري بالنقد، عبر قرارات عديدة ساهمت بعرقلة عمليات إتمام الصفقات المتعلقة بالعقارات، فكيف ساهمت هذه القرارات بزيادة ركود الأسواق.

في سوريا يحتاج مَن أتمّ بيع منزل بقيمة نصف مليار ليرة سورية، إلى نحو 12 يوم عمل بدون احتساب أيام العطل الرسمية، لكي يستطيع تحصيل نصف سعر منزله، فضلا عن أنه مضطر للذهاب في كل يوم إلى “البنك” من أجل تحصيل دفعة من سعر منزله، الذي يفترض أن يكون تقاضاه من البائع، منذ اللحظة الأولى لإتمام الصفقة.

هذه الإجراءات ساهمت في زيادة الركود ضمن سوق العقارات، وتأتي ضمن قرار أصدرته حكومة دمشق قبل أشهر وقامت بتعديله قبل أسابيع، وينص على إيداع ما نسبته 50 بالمئة، من سعر العقار في البنوك، مع تجميد بعضها لمدة ثلاثة أشهر على الأقل دون أن يحق للبائع التصرف بها.

الحكومة السورية تهدف من خلال هذا القرار والتعديل الدوري عليه وزيادة النسبة من قيمة العقار الواجب إيداعها في البنك لفترة معينة، إلى زيادة الحركة والتحويلات المالية في البنوك السورية، التي بدورها تعاني من انعدام ثقة المودّعين وتراجع في الإيداعات.

ومع الارتفاع الكبير في أسعار العقارات، وانهيار قيمة العملة السورية، فقد سجّلت بعض العقارات النظامية في العاصمة دمشق أسعارا تجاوزت المليار ليرة، وبالتالي فقد تعقّدت عملية بيع مثل هذه العقارات، التي قد يطول أمد الحصول على كامل قيمتها بالنسبة للبائع أكثر من أربعة أشهر.

في سوريا هناك العديد من مؤشرات زيادة الركود في عمليات بيع وشراء الأصول، ففضلا عن القرارات الحكومية، جاءت كارثة الزلزال لتزيد من نسبة الركود بسبب الخوف من انهيار المباني، ما تسبب في زيادة عروض البيع مقابل انخفاض الطلب على شراء العقارات وتحديدا المنازل السكنية.

حتى الآن لا يوجد أي مؤشر إيجابي على تحريك المياه الراكدة في أسواق العقارات، وغالبا أصحاب العقارات الذين يلجأون للبيع في الوقت الراهن، يبيعون مضطرين، خاصة وأن أسعار عقاراتهم لا تقارب أبدا الأسعار الحقيقية بالنظر إلى تكلف البناء والاكساء.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات