“أنا حقيقة يئست وصرت آخدها من أولها وأمشي” يقول ماهر الخطيب، وهو طالب جامعي يدرس في كلية الإعلام بجامعة دمشق، متحدثا عن معاناته يوميا في الوصول إلى الجامعة، بسبب أزمة المواصلات وقلة وسائل النقل العامة.

أزمة متفاقمة

معظم المناطق السورية تعاني من أزمة مواصلات، ترتفع وتيرتها بين الفينة الأخرى، وتتركز الأزمة في العاصمة دمشق، حيث فشلت كل إجراءات الحكومة في حل أزمة المواصلات، وامتناع شريحة واسعة من سائقي وسائط النقل العامة عن العمل وفق خطوطهم المقررة.

الخطيب قال في حديث لموقع “الحل نت“، “أعيش في منطقة ركن الدين، وهي ليست بعيدة كثيرا عن جامعة دمشق، أحيانا لا أجد وسيلة مواصلات للجامعة، فأضطر للمشي، والصعوبة الأكبر تأتي في رحلة العودة، إذ من المستحيل في بعض الأيام أن تجد مقعدا في وسيلة مواصلات عامة“.

الخطيب يؤكد أن طلاب الجامعة ينتظرون لساعات طويلة في بعض الأحيان، للحصول على مقعد في المواصلات العامة، فالبعض يسكن في مكان بعيد، ولا يُعد المشي خيارا متاحا أمامه، فيضطر للانتظار، إلى أن يستسلم أخيرا ويضطر لطلب سيارة أجرة بتكاليف باهظة.

الخطيب أضاف، “دائما السائقون لديهم حجة المحروقات، والأسعار دائما ترتفع، ولا أحد يلتزم بالتسعيرة الرسمية، وصلنا إلى حدّ عدم الشكوى من الأسعار الباهظة، فقط نريد توفير وسائل النقل بشكل دائم“.

آلية مراقبة فاشلة

آلية مراقبة السائقين عبر تقنية تحديد الموقع، هي آخر قرارات الحكومة لضمان الالتزام وتواجد وسائل النقل العامة على خطوطها، إلا أنها فشلت هي الأخرى في إحداث فرق في أزمة المواصلات، حيث أكد العديد من الأهالي ممن تحدث إليهم “الحل نت” في دمشق، أنهم لم يلحظوا أي فرق سوى في بعض الأيام الأولى من إقرار هذه الآلية.

صحيفة “تشرين” المحلية، أكدت بدورها أن دوريات حماية المستهلك في دمشق، ضبطت خلال جولاتها في العاصمة، مخالفات تتعلق بالتلاعب في أجهزة تحديد الموقع المخصصة لوسائل النقل العامة.

قد يهمك: صيانة السيارات في سوريا.. قطع الغيار تلهب الأسعار!

كما أكدت الصحيفة نقلا عن مصادر في الحكومة، أن بعض “السرافيس“، عمدت إلى تركيب أكثر من جهاز “جي بي إس“، وذلك بغية ركن “سرفيس آخر“، وبهذه العملية يظهر عن المراقبين كأنه يعمل على نفس الخط، وذلك بغية التصرف بالمخصصات المدعومة من المحروقات.

في جولة على الشوارع في العاصمة دمشق، ستجد الازدحام الشديد على وسائل النقل القليلة، في ظل امتناع شريحة واسعة من السائقين عن العمل، بدعوى عدم تلقيهم مخصصاتهم الكافية من المحروقات، ومحاولة الحكومة ملاحقتهم وفرض العقوبات، لتصبح المواصلات عبئا جديدا يضاف إلى أعباء المواطن المعيشية والاقتصادية.

“الشهر الماضي راتبي نصه راح مواصلات” باستياء شديد يقولها فادي العبد الله (موظف حكومي يعيش في مدينة حلب)، مؤكدا أنه اضطر لطلب تكسي في العديد من الأيام خلال الأسابيع الماضية، بسبب عدم توفر المواصلات العامة.

العبد الله أضاف في حديث لـ“الحل نت“، “لا نسمع غير الوعود بالحل، على أرض الواقع الأزمة تتفاقم، الجهات المعنية والسائقون يتراشقون الاتهامات، وأنا عم انتظر شي مكرو أو باص ليأخذني إلى العمل، إذا أردت الذهاب كل يوم بتكسي، أحتاج لثلاث رواتب لتغطية أجور المواصلات“.

رفع تسعيرة المواصلات؟

في سياق متّصل، طالب محافظ دمشق محمد طارق كريشاتي قبل أيام، المديرينَ المعنيين بالعمل على إعادة وسائط النقل للعمل يومي الجمعة والسبت في أقرب وقتٍ ممكن، وتزويد الآليات التي تعمل ضمن المدينة حصرا كمرحلة أولى بكمية المحروقات حسب المسافة التي تقطعها ضمن المسار المحدد لها على خط عملها.

بحسب تقرير آخر لصحيفة “الوطن” المحلية، دعا كريشاتي إلى تشكيل لجنة بالتنسيق بين المحافظة ووزارتي التجارة الداخلية وحماية المستهلك والنفط والثروة المعدنية، لدراسة تعديل التعرفة التي يطالب بها أصحاب وسائل النقل نظرا لارتفاع أسعار قطع الغيار وتكاليف الإصلاح، على أن تكون مُنصِفة لأصحاب هذه الوسائل والمواطنين، ومعالجة الشكاوى الواردة بالسرعة القصوى في حال التأكد من أنها محقة.

من جانبه، عضو المكتب التنفيذي لقطاع النقل في دمشق مازن دباس، قال للصحيفة المحلية، “من المقرر عودة توزيع مادة المازوت يومي الجمعة والسبت، وبالتالي عودة عمل السرافيس بالشكل المطلوب بعد توقّف دام شهرين، على أن يتم العمل بالآلية نفسها المحددة لتزود السرافيس، التي تلتزم بتخديم الخطوط بالشكل المطلوب“.

هذا وزعم عضو المكتب التنفيذي في تصريح صحفي سابق، أن تركيب أجهزة التتبع الـ“جي بي إس” من شأنه توفير كميات كبيرة من المازوت تصل إلى نحو 40 بالمئة، واعدا بانتهاء أزمة النقل في العاصمة دمشق. لكن حتى اليوم الأزمة هي نفسها، ولا يوجد أي تغير إيجابي ملموس على أرض الواقع.

ارتفاع الأسعار بـ“دبل ونصف”

قبل نحو شهرين، رفعت الحكومة السورية سعر البنزين المدعوم بنسبة 130 بالمئة، وهذا ما خلق تخبطا وفوضى واضحة على تسعيرة التكاسي، إذ قال سائقو سيارات الأجرة في العاصمة دمشق، إن ارتفاع سعر البنزين المدعوم، مؤخرا قد بلغ “دبل ونصف” عن سعره السابق البالغ 1100 ليرة سورية، موضحين أن وصول سعر البنزين المدعوم إلى 2500 ليرة، يعني زيادة في تسعيرته في السوق السوداء أيضا فحاليا يباع اللتر بسعر 7000 ليرة سورية، وهذا يعني أن سعره سيرتفع إلى 8500 ليرة وقد يصل إلى 10 آلاف ليرة، بحسب ما أوردته صحيفة “الوطن” المحلية، آنذاك.

إزاء هذا الارتفاع، فقد أصبح الشد والجذب بين السائقين والركاب، واضحا في بازار للوصول إلى اتفاق على أجرة الانتقال من مكان إلى آخر، وأصبح الانتقال مثلا من ساحة الأمويين إلى مشفى الهلال الأحمر يصل لعشرة آلاف ليرة، ومن المرجة إلى ساحة السبع بحرات 5 آلاف ليرة، ومنها إلى باب توما 12 ألفا وإلى جرمانا 20 ألفا، في حين طلب سائقو أجرة من أحد الركاب للوصول من العاصمة إلى صحنايا 50 ألفا وإلى جديدة عرطوز 40 ألفا، ومن كراجات العدوي إلى ساحة المرجة بـ 20 ألف وأحيانا 25 ألف.

قد يهمك: بين ارتفاع تكاليف الإنتاج وغياب الدعم الحكومي.. ماذا حلّ بالمزارع السوري؟

بالتوازي، رفعت سيارات التاكسي أسعارها لتبلغ 4 آلاف ليرة، للراكب من جرمانا إلى البرامكة وبعضهم يطلب 5 آلاف على حين يطالب بعض السائقين بسبعة آلاف ليرة إلى قدسيا، ويكتفي البعض بستة آلاف للراكب، وفق تقرير الصحيفة المحلية، في وقت سابق.

مؤخرا انتشرت الدراجات الهوائية في شوارع العاصمة دمشق، حيث أكد موقع “سيريا نيوز” في تقرير نشره مؤخرا، أن الأهالي اتجهوا بشكل جماعي خلال الأسابيع الماضية لشراء “البسكليت” بهدف استخدامها كوسيل عن وسائل النقل المحلية.

التقرير أشار، إلى رواج مهنة بيع وصيانة الدراجات الهوائية، بسبب ندرة وغلاء خدمات المواصلات في سوريا.

“تكسي الركاب”

في الآونة الأخيرة، ونتيجة لأزمة النقل الخانقة في البلاد، انتشرت كذلك ظاهرة “تكسي الركاب“، أي يركب أربعة أشخاص التكسي ويتقاسمون الأجرة كاملة فيما بينهم، وأصبح الطلب على 100 ألف ليرة، حديث عادي بين أصحاب السرافيس والتكاسي، وهذا مبلغ الأجرة التي يحصل عليها صاحب التكسي على طلب توصيلة “مطار دمشق“، وبعض السائقين يتصيدون التسعيرة بطرق مختلفة.

أضاف تقرير سابق لموقع “الساعة 25″ المحلي، بأن أصحاب السيارات الذين يعملون عبر التطبيقات سمعوا بهذه الأرقام الفلكية، وأصبحوا يهجرون الطلبات بذريعة عدم توفر البنزين، ومنهم من أصبح يتصيد زبائن التطبيقات خارج الطلبات المعتمدة من أجل التحكم بالأجرة على مزاجه، وعند مناقشة صاحب أي تكسي أجرة، يرد بكل بساطة “أدفع الأجرة وروح اشتكي” وهو يعلم جيدا أن الرقابة الحكومية غير مجدية.

هذا ويبدو أن وجود الأزمات لن تختفي من الحياة اليومية للسوريين، وستبقى شبحا يطاردهم، خاصة ممن يعيشون تحت خط الفقر، والذين تشكّل نسبتهم الآن، أكثر من 90 بالمئة، من السكان وفق ما أفادت به تقارير أممية.

تكاليف باهظة

حكومة دمشق، تحاول ضبط آلية عمل السائقين، حيث أكد عضو المكتب التنفيذي لقطاع النقل والمواصلات في دمشق، مازن دباس، أن مالكي أربعة آلاف وسيلة نقل عامة في المحافظة، سدّدوا رسوم تركيب جهاز تحديد الموقع البالغ 350 ألف ليرة سورية، في المصرف التجاري، وذلك بإجمالي وصل إلى 1.4 مليار ليرة.

دباس هدد، بإيقاف تزويد المركبات التي ستخالف آليات العمل، بالمحروقات المدعومة حكوميا، مشيرا إلى أن المهلة التي منحتها المحافظة لدفع رسم الجهاز تنتهي أواخر الشهر الجاري، وبعده من المقرر أن تصدر إجراءات عن المحافظة، بخصوص الآليات غير الملتزمة، وخاصة أن عدد السرافيس، والباصات، والبولمانات يصل إلى 8500 آلية.

دباس أوضح، أن المحافظة تسعى لإلزام سيارات الأجرة في نظام تحديد المواقع خلال المرحلة القادمة، حيث سيتم إلزام جميع سائقي وسائط النقل العامة، الذين يحصلون على المحروقات المدعومة بتركيب الجهاز.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.