ليست بجديدة، لكن ظاهرة النزاعات العشائرية استفحلت بشكل غير مسبوق في جنوب العراق ما بعد 2003، حيث تفاقمت بشكل كبير وسط غياب تام للقانون، حيث تحولت لمناطق بأكملها إلى جبهات قتالية، وهو ما يعكس وجود رغبة كبيرة لدى المسؤولين عنها على الاستمرار بهذا المشهد المأساوي بدلا من السعي نحو تحقيق الاستقرار.

على الرغم من أنه في الوقت الحالي تشهد مناطق الصراع استقرارا نسبي حيث لا توجد خلافات أو صدامات، يقول مهدي الزيادي، وهو اسم مستعار لمواطن من محافظة ذي قار جنوبي، فضل عدم الكشف عن هويته لدواع أمنية، ويردف في حديث لموقع “الحل نت“: لكن جميع عوامل الاقتتال ما تزال حاضرة، وربما تندلع في أي لحظة.

غالبا ما تتحول الخلافات العشائرية في المناطق الريفية في محافظات مثل ميسان والبصرة وذي قار تحديدا، وغيرها أخرى مثل العاصمة بغداد التي تشهد هي الأخرى تفاقم لحالات النزاع العشائري، من أسباب ليست ذات أهمية إلى صدامات مسلحة تستمر لمدة أيام وأسابيع، وربما تخمد لتعود لتشتعل بعد أشهر وسنوات، حول قضايا مثل الزواج أو بيع وشراء السيارات وغيرها من خلافات اجتماعية واقتصادية أو جرائم جنائية.

إضافة لتلك الأسباب، باتت الحوادث العَرضية سببا آخر غير مفهومة دوافعه، سوى انتشار السلاح بين المواطنين، وغياب القانون، لسرعان ما تتحول إلى مواجهات بين عشيرتين، حسبما يشير الزيادي، بيد هذه الخلافات طالما تسببت بمقتل العشرات من مدنين وعناصر أمن، ولعل أخرها مقتل ضابط برتبة عميد في محافظة ذي قار أثناء محاولته فض نزاع بين قبيلتين، وهو ما تطور إلى عملية أمنية واسعة انتهت بمقتل الجاني.

اقرأ/ي أيضا: تكاليف زيت الزيتون ترهق المزارع بسوريا.. مع التصدير وبدونه هو الخسران

المدنيين يدفعون ثمن النزاعات العشائرية

خلال شهر حزيران/يونيو المنصرم وحده، أفادت السلطات الأمنية في عدد من مدن ومحافظات جنوب العراق ووسطها، بحصيلة النزاعات العشائرية خلال أسبوع واحد، لقي 9 أشخاص مصرعهم فيها وجرح عدد آخر، فيما كان سبب النزاع الأول بسب خلاف على ملكية أرض زراعية، والثاني في قضية زواج وطلاق.

الزيادي حول ذلك يقول، إن الأسباب في الغالب لا تمثّل دافعا حقيقيا للنزاعات التي نشهدها، وهذا ما تؤكده الأسباب ذاتها، متسائلا، هل الاختلاف على بيع وشراء المواشي يستحق أن يكون سببا لنزاع يستمر أسبوعا من المواجهات المسلحة المتفرقة. لذلك أن هذه النزاعات لها أسباب أبعد من ذلك، وعلى رأسها غياب القانون.

كما أشار إلى أن غياب القانون فاقم من مشكلة انتشار السلاح، بالتالي أن وجود السلاح بيد عناصر تفتقد للوعي الكافي، والشعور بالمسؤولية وسط فوضى عامة تسببت بفقدان القيم الأخلاقية، لا شك سيخلق صداما مسلحا على أبسط الأسباب، على حد قوله.

هذا وكل تلك الأسباب إلى جانب قضايا اقتصادية وأخرى تتعلق بمحاولة فرض النفوذ لغايات سياسية ومجتمعية تتعلق برغبة فرض سطوة عشيرة معينة على مكان معين، وفق الزيادي، الذي بيّن أن بعض الخلافات مدعومة سياسيا تقف خلفها جهات تحاول تمكين جهة على أخرى مقابل ولاءات من شيوخ العشائر تخدمها فيما بعد في الحملات الانتخابية، والمشاريع الاقتصادية.

وسط ذلك، يقع المواطنون العُزّل ضحية لتلك النزاعات، حيث تسببت بنزوح الكثيرين من مناطقهم، كما ساعدت في تردي الوضع الاقتصادي في تلك المناطق، فضلا عنما تتسبب به من ترويع وإرهاب.

اقرأ/ي أيضا: “تسعيرة التموين سبب الفوضى”.. المواطن السوري ضحية غلاء الأسعار

مواقف رسمية من النزاعات العشائرية

تتصدر محافظة ذي قار والبصرة وميسان وواسط ثم بغداد، المحافظات الأكثر تسجيلا للنزاعات العشائرية، وتسبب في كثير من الأحيان فرض حظر تجول وإغلاق للطرق والمناطق من قبل قوات الأمن، فضلا عن خسائر مادية بالممتلكات العامة والخاصة، إثر الاشتباكات التي تستخدم فيها أسلحة متوسطة وخفيفة وقنابل، وصولا إلى عبوات ناسفة محلية الصنع وطائرات مسيّرة، كما حصل مؤخرا في محافظتي ذي قار والبصرة.

وفي وقت سابق، قال رئيس مجلس القضاء الأعلى، فائق زيدان، إن “الأعراف العشائرية في العراق تحولت من الجانب الإيجابي إلى الجانب السلبي، إذ كانت سابقا أحد أساليب فضّ النزاعات والخلافات قبل عرضها على المحاكم، أو أحياناً في أثناء نظر الدعاوى يحصل صلح عشائري يؤدي إلى انتهاء الدعوى بالتنازل عنها، مؤكداً أنه لا يوجد مصطلح (قانون عشائري) بل (أعراف عشائرية)“.

زيدان أضاف: “بعض الممارسات العشائرية تحولت إلى ظاهرة سلبية تسبب إرباكا في الوضع الأمني وخللا في التماسك الاجتماعي بين أبناء العشيرة الواحدة، خصوصا بعد أن امتهن البعض فكرة المشيخة وكأنها منصب مكتسب يستغل لأغراض الارتزاق، في حين أن أبناء العشائر الأصلاء وشيوخ العشائر المعروفين لدى الجميع يرفضون هذه الممارسات التي أصبحت عبئاً عليهم أيضا“.

وكان رئيس الوزراء العراقي السابق، مصطفى الكاظمي، قد أصدر أوامر عسكرية بمصادرة الأسلحة في مناطق النزاعات العشائرية، ومن القرارات التي اتخذت، إجراء تفتيش واسع في كل المناطق التي تحصل فيها نزاعات عشائرية، وضبط الأسلحة ومصادرتها، سواء كانت خفيفة أو متوسطة، غير أن تلك العمليات لم تساعد بشكل كبير في الحد من النزاعات.

اقرأ/ي أيضا: بين الحكومة وسائقي المواصلات..“المواطن رايح يمشي”

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.