“أحس نفسي مجرم”. تتردّد هذه العبارة بشكل كبير في العراق مؤخرا، نتيجة المعاناة الحقيقية للعديد من الناس مع “البطاقة الوطنية الموحدة”، التي أمست كابوسا على المواطنين.

“سووها بلا ملح. شوكت تفض ما ندري”، بحسرة ممزوجة مع نبرة صوت حادة يعبّر المواطن العراقي مسلم لفتة، عن استيائه مما يجري من روتين ممل للغاية في مشروع “البطاقة الوطنية الموحدة”.

قبل أكثر من 7 أعوام، أعلن رئيس الحكومة العراقية آنذاك حيدر العبادي، عن مشروع جديد يخص الهوية الثبوتية للمواطنين العراقيين، أُطلق عليه “البطاقة الوطنية الموحدة”، يجمع كل الهويات الثبوتية في بطاقة واحدة، ورحّب به الشارع كثيرا.

في العراق، يملك كل شخص 4 مستمسكات ثبوتية، وهي “الهوية الثبوتية وشهادة الجنسية وبطاقة السكن وبطاقة التموينية”، لكن تعدد تلك الهويات يتسبب بكثير من المعرقلات لمن يراجعون مؤسسات الدولة.

تنفيذ المشروع جاء بالتعاون مع شركة ألمانية متخصصة بصناعة البطاقة الإلكترونية البايومترية، ونجح المشروع ووُزّعت البطاقة على مئات الآلاف من العراقيين، لكن منذ جائحة “كورونا” يواجه المشروع تحديات كثيرة.

ما هي المشكلة؟

التحديات تلك يدفع ثمنها المواطن، لا سيما من هو بحاحة إلى تجديد هويته الثبوتية، لانتهاء مدتها الزمنية ولتغير ملامحه عن شكله في الصورة الموضوعة داخل الهوية الثبوتية الخاصة بكل شخص.

“آخر مرة حبسوني بالسجن يومين. چنت رايح من الكوت لبغداد، وگفتني سيطرة أمنية وما صدگت إنو جنسيتي نفسها مالتي. ولو ما أهلي تدخلوا واتصلوا بضباط كبار چان لحد هسه آنه بالسجن”، يقول مسلم لفتة لـ “الحل نت”.

شكل لفتة، ليس كما هو في هويته الثبوتية الحالية التي أُصدرت له قبل 10 سنوات، عندما كان عمره 14 عاما وقتذاك، وطلبت منه القوات الأمنية تجديدها؛ كي لا يتعرض للحبس مرة أخرى بدعوى التزوير.

“صارلي 6 أشهر من قدّمت على تجديد الهوية حتى أحصّل البطاقة الوطنية، ولحد الآن ما نطونياها. حددولي موعد 3 أسابيع ورا يوم مراجعتي، ومن رحت گالولي حيل مستعجل عليها. من تطلع هويتك عود نخابرك!”، يقول لفتة.

لفتة، ليس وحده من يعاني من صعوبة الحصول على “البطاقة الوطنية الموحدة”، فغيره عشرات الآلاف ممن يواجهون ذات المصير، بل منهم من تعرضوا لحالات أسوأ منه، في وقت لا تتحرك الجهات المعنية لمعالجة الخلل الحاصل.

المشكلة الحالية تتمثّل في شح الورق الإلكتروني الخام الخاص بإصدار “البطاقة الوطنية الموحدة” للمواطنين، وهذا الورق لا تملكه سوى الشركة الألمانية التي تعاقدت معها الحكومة العراقية لتنفيذ المشروع.

منع من السفر!

علي ساجد مواطن يبلغ من العمر 53 عاما، مُنع من السفر للعلاج في الهند، عندما رفضت القوات الأمنية داخل مطار بغداد الدولي ركوبه الطائرة؛ رغم حصوله على الفيزا وحجزه لتذكرة الطيران.

“گالولي أكو تشابه بالأسماء بجواز السفر مالتي. طلبوا مني جنسيتي حتى يتأكدون ماكو تشابه، بس گالولي هاي مو صورتك اللي بالجنسية، ومنعوني ورجعوني لبيتي. فوگ خسارتي فلوس الفيزا والتذكرة، تدهورت صحتي أكثر؛ لأن علاجي متوفر بس بالخارج”، يقول ساجد لـ “الحل نت”.

في 11 أيلول/سبتمبر الماضي، أعلنت وزارة الداخلية عن تجهيز 10 ملايين بطاقة خام بعد موافقة الحكومة العراقية على توفير مبلغ مالي لشراء ذلك العدد من البطاقات من الشركة الألمانية، للإسراع بإنجاز معاملات المواطنين.

رغم ذلك الإعلان، إلا أن التباطؤ في إنجاز المعاملات لا يزال سيد الموقف، ولا أحد يعرف ما إذا كان السبب في عدم وصول البطاقات بعد، أم نتيجة أسباب أخرى، والمواطن وحده من يدفع الثمن حتى اللحظة.

في السابق، كان من يقدّم على “البطاقة الوطنية الموحدة”، يتم إصدارها له بعد أسبوع واحد من تاريخ تقديمه فقط، واليوم لا يحصل المواطن على “البطاقة الوطنية الموحدة” إلا بعد مرور 5 إلى 8 أشهر من تاريخ تقديمه عليها.

مع استمرار التباطؤ غير الطبيعي في إصدار “البطاقة الوطنية الموحدة” للمواطنين، تتزايد معاناة الناس يوما بعد آخر، لا سيما المرضى ممن هم بحاجة إلى السفر الخارجي والتنقل الداخلي، ولا يبدو أن المشكلة ستُحل ما لم تضعها الحكومة المقبلة على رأس أولوياتها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.