“مالنا مكان بگاعنا بعد”. هكذا يردّد المواطن العراقي الذي ينحدر من الجنوب، وهو ينظر إلى أرضه وبيته ومدينته وأهله من مخيّلته فقط، ويبدو أن القادم أسوأ بكثير.

“عايف روحي هناك، بس جسمي هنا”. يقول ليث حسين، مواطن عراقي من محافظة البصرة في أقصى الجنوب العراقي، انتقل للعيش في أربيل بإقليم كردستان مؤخرا.

وصل حسين الذي يبلغ من العمر 44 عاما، مع عائلته إلى عاصمة إقليم كردستان العراق قبل شهرين ونصف فقط، ويجزم بأن عودته إلى جذره من “سابع المستحيلات”، بحسب تعبيره.

5 مليون نحو الهجرة

مراسل “الحل نت” لاحظ، هجرة غير اعتيادية لسكان الجنوب العراقي إلى إقليم كردستان العراق في آخر 3 أشهر، وخاصة من سكنة مثلث الجنوب، ذي قار وميسان والبصرة.

شط العرب في البصرة

بحسب تقرير أممي نُشر منذ عام تقريبا، هناك 5 مليون إنسان عراقي سيهاجر من الجنوب إلى إقليم كردستان بغضون 8 أعوام، أي مع حلول عام 2030.

حسين باع بيته في الزبير بالبصرة وكل ما يملكه هناك، واشترى عقارا له مع عائلته الصغيرة في أربيل، إضافة إلى سوبر ماركت، وظّف فيه عدد من الشباب الكرد، وحياته المالية مستقرة جدا.

“كلشي بخير. فلوس وحياة آمنة وشوارع حلوة. بس الگلب يحن للنفس الأول، وهاي المشكلة اللي ما جاي ألاگيلها حل”، يقول ليث حسين في حديث مع “الحل نت”.

أغلب من يهاجر الجنوب العراقي، هم من ميسوري الحال، ولا معاناة مادية لهم في إقامتهم الجديدة، لكن معاناتهم نفسية تتمثّل بالحنين إلى أهلهم وإلى مدنهم التي عاشوا فيها منذ نعومة أظافرهم.

وفق مراسل “الحل نت”، هناك إقبال غير اعتيادي من قبل سكان البصرة على شراء العقارات في كردستان العراق، وهذا سرّع بحركة بناء العمارات السكنية المتوقفة في الإقليم.

بحسب المراسل، هناك مجمع سكني في السليمانية متوقف منذ 3 سنوات لقلة المقبلين على العقارات، لكنه فجأة اكتمل إنجازه في هذا العام بعد الطلبات الكبيرة لشراء الشقق السكنية فيه من أهل الجنوب.

تغيير ديموغرافي وتماسك اجتماعي

تغير المناخ هو السبب الأهم في الهجرة من الجنوب العراقي إلى كردستان العراق، لا سيما الجفاف الذي حلّ بالأهوار، ناهيك عن ملوحة مياه شط العرب، ودرجات الحرارة التي تكاد تصل إلى الانصهار في الصيف.

عدد سكان إقليم كردستان العراق، كان يبلغ نحو 5 مليون نسمة حتى عام 2014، لكنه يبلغ اليوم 7 مليون ونصف مليون نسمة، وتلك الزيادة نتيجة سيطرة “داعش” على ثلث مساحة العراق في صيف 2014.

سيطرة “داعش” على محافظات صلاح الدين ونينوى والأنبار، أسفرت عن هجرة سكان تلك المحافظات إلى إقليم كردستان العراق، وبقي الناس هناك رغم تحرير مدنهم وهزيمة “داعش” في 2017.

أحد أسواق أربيل

ما يحدث في إقليم كردستان فيه نزعة إيجابية وأخرى سلبية. الأخيرة تتمثل بتغيير ديموغرافي عبر ازدياد العرب في إقليم كردستان، بحسب عدد من المواطنين الكرد تحدّثوا مع مراسل “الحل نت”.

النقطة الإيجابية بحسب الخبير في مجال التنوع والأقليات خضر الدوملي، تتمثل بالتماسك المجتمعي بين الشيعة والكرد، إذ يقول لـ “الحل نت”، إن الطرفين يتعاملان مع بعضهما بود وسلام اليوم.

الكثير من الكرد كانوا ينظرون إلى الشيعة على أنهم “حشد شعبي”، وكثير من الشيعة ينظرون إلى الكرد بأنهم “انفصاليين”، لكن إقامة عدد كبير من أهل الجنوب في الإقليم، غيّر تلك الصورة النمطية التي رسمها كل طرف تجاه الآخر، وفق الدوملي.

إيران المستفيدة

أهوار العراق تعاني من جفاف كبير، ما أدى إلى هجرة سكانها إلى المدن، لكن اللافت هو “تسييج” المناطق المحاذية للأهوار عند مثلث البصرة والعمارة والناصرية بسياجات حديدية، بعد أن أمست مناطق خالية من الحياة.

مسؤول من البصرة رفض الكشف عن هويته، يقول لـ “الحل نت”، إن جهات مرتبطة بإيران هي وراء ذلك الأمر، ويُضيف أن طهران هي المستفيدة الأكبر من هجرة سكان الجنوب إلى إقليم كردستان العراق.

المناطق المحاطة بسياج حديدي يتم استغلالها لزراعة الحشيش الإيراني فيها، وكلما ازدادت الهجرة من الجنوب كلما أصبحت تلك المناطق أماكن لصناعة الحشيش والمخدرات الإيرانية فيها، بحسب المسؤول.

“لا مي حلو، لا كهرباء، لا أمن، لا هوا زين، شعندي باقي بعد. سووا كلشي حتى يبعدونا عن أهلنا ونجحوا. كملت كل الإجراءات والشهر الجاي رايح لدهوك أعيش. بس روحي راح تبقى ساكنة البصرة”، يقول سيف كاظم مواطن بصري لـ “الحل نت”.

لا يبدو أن الهجرة من الجنوب العراقي ستتوقف، بل العكس هي في بدايتها، ومع مرور الوقت ستزداد أكثر، ولن تنتهِ ما لم تفكر الأحزاب الموالية لإيران وهي معظمها من الجنوب، بتغيير سياستها لاحتواء السكان بتحسين واقع مدنهم.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.