مع تفاقم أزمة الطاقة العالمية، نتيجة ارتفاع أسعار النفط والغاز، واستمرار توقف إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا، ضمن تبعات الغزو الروسي لأوكرانيا، ازدادت معاناة المغرب في قطاع الطاقة، وذلك رغم وجود فرص للبلاد في البحث والتنقيب عن مصادر الطاقة.

أزمة طاقة

المغرب يمر بأزمة طاقة متعددة الأسباب، ففضلا عن تأثره سلبا من الوضع العالمي الذي رفع أسعار الغاز، جاء توقف نصيبه من إمدادات الغاز الجزائري الذي يعبر أراضيه باتجاه أوروبا في نهاية تشرين الأول/أكتوبر الماضي، ليزيد من ازمة المغرب، حيث جاء ذلك في خضم أزمة دبلوماسية بين البلدين بشأن قضية الصحراء، فضلا عن أن البلاد تستورد 90 بالمئة من الغاز الذي تستهلكه.

المغرب يسعى لتحقيق خطوات مهمة، بهدف الوصول لحلم “الاستقلال الطاقي“، مدفوعا بأزمة الطاقة العالمية، وأزمة الطاقة التي تعيشها أوروبا، لا سيما بعد أن بدأت الأخيرة بالتوجه لدول إفريقيا بهدف الحصول على الغاز، ذلك ما قد يحفّز المغرب لاكتشاف حقول الغاز، للوصول إلى الاكتفاء الذاتي وربما التصدير في سنوات قادمة.

وزيرة الطاقة المغربية ليلى بن علي، كشفت مؤخرا عن ارتفاع مستوى التنقيب عن الغاز الطبيعي، وأكدت أن تلك الجهود، تكللت بمنح رخص لمجموعة من الشركات الأجنبية للبحث عن النفط والغاز.

بن علي قالت في تصريحات نقلتها منصة “الطاقة“، “السبب هو نتائج الدراسات والأبحاث الجيولوجية والجيوفيزيائية التي أظهرت وجود نتائج مشجّعة لوجود موارد محتملة من الغاز الطبيعي في عدد من المناطق في المغرب“.

جهود التنقيب

بحسب تقرير لموقع “عربي بوست“، فإن العديد من الشركات الأجنبية كشركة “ساوند إنرجي” البريطانية، بدأت التنقيب على الغاز في المغرب وتطوير عدد من الحقول، حيث تسعى الشركة البريطانية إلى تسليم أول إنتاج من الغاز من حقل “تندرارة” شرقي المغرب نهاية 2023، فيما تعد شركة “شاريوت” ببدء إنتاج الغاز المكتشف في حقل “إنشوا 2” بالمنطقة البحرية ليكسوس قبالة العرائش (غرب) بحلول عام 2024.

بالتوازي مع اكتشافات حقول الغاز في المغرب، تعمل الحكومة على مشروع تطوير أنبوب الغاز النيجيري، والذي يمكن له أن يمد أوروبا بالغاز، بما يصل إلى 31 مليار متر مكعب من الغاز سنويا، في الوقت الذي تسعى فيه القارة العجوز لإيجاد بدائل للإمدادات الروسية.

لكن هذا الخط يواجه بالتأكيد تنافسا شديدا، مع خط أنبوب الغاز العابر للصحراء بين نيجيريا والجزائر والنيجر، الذي يهدف أيضا إلى إمداد أوروبا بالغاز عبر منطقة الساحل، لا سيما بعد أن بدأت الجزائر توقيع العديد من الاتفاقيات مع الدول الأوروبية لمدها بالغاز.

الطاقة البديلة

في إطار مشاريع الطاقة كذلك، إذ يتم العمل على مشروع الربط الكهربائي بين المغرب وبريطانيا، وهو واحد من المشاريع الضخمة والعملاقة، التي يعوّل عليها لتزويد المملكة المتحدة بطاقة نظيفة عبر كابلات بحرية هي الأطول في العالم، وتمتد من محطات لإنتاج الطاقات الشمسية والريحية بالمغرب من منطقة كلميم واد نون -التي تلقب بـ“بوابة الصحراء“، نحو السواحل البريطانية.

بحسب تقرير لـ“الجزيرة نت“، فإن خطة بريطانيا للتخلص من كل مصادر الطاقة التي تعتمد على الكربون لإنتاج الكهرباء بنسبة مئة بالمئة، منح حقل كلميم واد نون، للطاقات الريحية والشمسية في صحراء المغرب، أهمية قصوى بالنسبة للحكومة البريطانية، لما سيوفره من مصدر طاقة مهم للملايين من البيوت البريطانية، إلى جانب فرص عمل طوال مدة تشييده.

ومن المتوقع أن يتم ربط أطول خط كهرباء في العالم بطول 3800 كيلومتر من السواحل الجنوبية للمملكة المتحدة، وصولا إلى السواحل الجنوبية للمغرب.

المملكة المغربية أصبحت من أبرز محطات الاستثمارات الأجنبية والمحلية في مجال الطاقات المتجددة خاصة الشمسية والريحية، ومكّنت القوانين والإصلاحات التي باشرتها من تحفيز الاستثمار على مستوى مختلف المناطق، خاصة الجنوبية المتميزة بجاذبيتها للاستثمار الوطني والدولي في مجال تطوير مشاريع الطاقات المتجددة، نظرا للإمكانات الهائلة التي تتوفر بها في هذا المجال.

وبالعودة إلى الغاز فإن استهلاك المغرب من الغاز الطبيعي يبلغ نحو مليار متر مكعب سنويا، بينما يبلغ الإنتاج المحلي نحو 110 ملايين متر مكعب سنويا فقط، وهو ما يجعل الغاز المحلي يلبي 11 بالمئة فقط من إجمالي الاستهلاك، كما يتوقع أن تتضاعف احتياجات المملكة من الغاز الطبيعي إلى 3 مرات بحلول عام 2024، إذ ستصل إلى نحو 3 مليارات متر مكعب.

قد يهمك: ما تأثير الشتاء على عمليات الغزو الروسية لأوكرانيا؟

الحكومة المغربية تعوّل على نجاح مشاريع الطاقة المتجددة، ومشاريع إنتاج الغاز في الحقول المكتشفة، ذلك ما قد يؤمن احتياجات المغرب من الغاز الطبيعي، ويجعلها تتجه إلى تصدير الغاز، لكن بالتأكيد أن تلك المشاريع تحتاج إلى مزيد من الوقت لتتكلل بالنجاح، فضلا عن تخطيطها وإدارتها بشكل يسمح للمغرب الاستفادة منها بأقصى حد.

المغرب يعاني من أوضاع اقتصادية ومعيشية متدنية، إذ يرزح ما يزيد عن 12.1 بالمئة من المغاربة، تحت أزمة البطالة، وما يقارب 20 بالمئة تحت خط الفقر، ونحو 2 بالمئة، تحت خط الفقر المدقع، وكلها مؤشرات تزيد الأعباء على كاهل الحكومة المغربية، التي من الواجب أن تزيد من جهودها لمواجهة الأزمة الحالية، مع تغليب مصالح المواطنين وإن لبعض الوقت على حساب بعض المؤشرات الاقتصادية وفي مقدمتها عجز الموازنة العامة.

ازمة الطاقة في أوروبا دفعت العديد من دول إفريقيا إلى البحث عن فرصها للحصول على صحة، أو زيادة الكميات المصدرة إلى الدول الأوروبية، وأبرز هذه الدول هي الجزائر التي لها شراكة قديمة مع دول أوروبا.

يُشار إلى أن الجزائر تصدر 24 بالمئة من إنتاج البلاد من الغاز الطبيعي البالغ نحو مليون ونصف قدم مكعب في 2015.

ويبلغ الاستهلاك الداخلي 1،4 مليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي سنويا اعتبارا من عام 2017. لتكون في المرتبة 26 في العالم من حيث استهلاكه بنسبة 1.1 بالمئة من إجمالي الاستهلاك العالمي البالغ نحو 132 مليون قدم مكعب.

زيارات متتالية للجزائر

العديد من المسؤولين الأوروبيين أجروا زيارات متتالية إلى الجزائر، خلال الأسابيع الماضية، في ظل زيادة الطلب على الغاز الجزائري بسبب أزمة الطاقة في القارة العجوز، والتي وصل صداها إلى كافة دول العالم، فضلا عن قرار مجموعة “أوبك بلس” بتخفيض إنتاج النفط ما عمّق من الأزمة العالمية.

الدول الأوروبية تسعى لزيادة إمداد الغاز الجزائري، وهي التي تربطها مع الجزائر شراكة تجارية منذ عام 2002، كما تزوّد الجزائر أوروبا بالغاز عبر خطي أنابيب، الأول يصل إيطاليا مرورا بتونس، بطاقة تصل نقل تقدر بـ 32 مليار متر مكعب سنويا، والثاني “ميدغاز” يمر من الساحل الغربي للبلاد إلى جنوب إسبانيا وينقل 10 مليارات متر مكعب سنويا.

الجزائر أعلنت كذلك قبل أسبوع، بدء إنتاج الغاز في حقلين جديدين، وذلك في إطار مشواره لتعزيز صادرات الغاز إلى أوروبا في المرحلة المقبلة، حيث أشارت شركة “سوناطراك” الجزائرية، إلى أن تعزيز إنتاج الغاز يأتي في إطار العقد الموقّع مع شركة الغاز الإيطالية “إيني“.

بحسب ما أعلنت الشركة الجزائرية، فإن توسيع الإنتاج، سمح بتوسيع كمية الإنتاج إلى مليون متر مكعب من الغاز.

قبل أيام أيضا، استقبلت الجزائر مسؤولين أوروبيين، ضمن اجتماعات النسخة الثانية من منتدى أعمال الطاقة لتطوير الشراكة مع أوروبا الذي امتد ليومين، إذ يسعى المسؤولون في أوروبا استغلال هذا الاجتماع، لتعزيز التعاون في مجال الطاقة، لمواجهة الأزمة الناتجة بالدرجة الأولى عن الغزو الروسي لأوكرانيا، لا سيما مع دخول فصل الشتاء.

ناقش الجانب الجزائري خلال الاجتماع خطة استكشاف حقول النفط والغاز في البلاد، حيث أكد رئيس الحكومة الجزائرية أيمن عبد الرحمن، وفق تصريحات تابعها “الحل نت“، أن قدرات الجزائر في النفط والغاز “كبيرة لكنها غير مستكشفة بالكامل، لا سيما في جنوبي وغربي وشمالي البلاد والمنطقة البحرية“.

في إطار سعي الحكومة لإطلاق مشاريع الاستثمار في مجال الطاقة، أوضح عبد الرحمن، أن “فرص الاستثمار مفتوحة لشركاء الجزائر، وخاصة الأوروبيين“، في إشارة على ما يبدو إلى مصلحة الجانبين من هذا التعاون في مجال الطاقة.

من جانبه يرى الخبير الاقتصادي عبد القادر سليمان، أن الكرة في ملعب الأوروبيين فيما إذا أرادوا الحصول على المزيد من الغاز خلال الفترة المقبلة، لا سيما في ظل تأكيد الجزائر على فتح الأبواب أمام الشركاء الأوروبيين للمساعدة في اكتشاف حقول الغاز وإنتاج الطاقة.

سليمان قال في حديث لقناة “سكاي نيوز” الفضائية وتابعه “الحل نت“، “الجزائر هي شريك مضمون وحقيقي للأوروبيين، وإذا أرادت أوروبا المزيد من الغاز، فيجب عليها الدخول في استثمارات والدخول في التنقيب والاستكشاف“.

تنتج الجزائر نحو مئة وعشرة مليارات متر مكعب من الغاز، تذهب نصفها إلى الاستخدام الداخلي وإنتاج الكهرباء، وبالتالي فإن الجزائر بحاجة إلى “تحول طاقوي بمساعدة أوروبا، لتوفير الغاز الذي يتم استخدامه في إنتاج الكهرباء، ليتم تحويله للتصدير نحو أوروبا“، بحسب حديث سليمان.

قد يهمك: التهديدات النووية في العالم.. ما احتمالات التصعيد؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.