أزمة الانسداد السياسي التي يشهدها العراق منذ أكثر من عام، طوت صفحتها بعد موافقة مجلس النواب العراقي على تنصيب مرشح حزب “الاتحاد الوطني الكردستاني” لرئاسة الجمهورية. عبد اللطيف رشيد تسلم منصبه، وكلف مهمة تشكيل الحكومة لمرشح حليفه في “الإطار التنسيقي” محمد شياع السوداني، ولكن مخاض ولادة الحكومة لم ينه ملف الأزمة السياسية بالكامل، خاصة في ظل مخاوف من عودة الاضطراب السياسي للبلاد.

هذه المخاوف تدفع إلى تحجيم سقف التوقعات المتعلقة بالحكومة الجديدة، كما يلخصها، تقرير لصحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، المنشور في 13 تشرين الأول/أكتوبر الحالي، فهو رغم توافقه مع القيادات السياسية الشيعية والسنية والكردية، غير قادر على إدارة الملف بحيادية تامة، خاصة وأنه جزء من كيان سياسي يمتلك الكثير من الفصائل المسلحة، الراغبة بالسيطرة على المناصب الحكومية المهمة، إضافة إلى خصومته مع “التيار الصدري” الذي يعارض وجوده السياسي أساسا.

هل ترى كابينة السوداني الضوء

رغم تكيف السوداني بمهام رئاسة الوزراء، فإن دوره لا يبدأ بموافقة البرلمان على كابينته الوزارية، وفيما لا يزال السوداني يبحث مع الكيانات السياسية تسمية مرشحيهم، فقد ضجت وسائل التواصل الاجتماعي خلال الفترة الماضية، بشائعات حول تسمية بعض الوزارات. المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء الجديد سارع إلى نفي هذه الشائعات، فيما يصر مراقبون على اعتبارها، خطة مدروسة من قبله ضمن مخطط جس نبض ومقبولية مرشحيها بين السياسيين والمواطنين في آن واحد.

الغموض لا يزال محيطا بالكابينة الوزارية، ولكن الاعتقاد السائد أن القبول الذي لاقاه ترشيح السوداني سينتقل تاليا نحو الموافقة على كابينته، نظرا إلى يأس الكيانات السياسية من طول أمد الأزمة، ورغبتهم باستكمال استحقاقاتهم السياسية عبر تشكيل الحكومة، بغض النظر عن طبيعتها وشكلها، والتباحث لاحقا حول كيفية تعزيز وجودها أو التحضير لانتخابات برلمانية جديد.

من المتوقع وبدرجة عالية أن ينال مرشحي حكومة محمد شياع السوداني ثقة البرلمان، بحسب حديث الباحث السياسي محمد نعناع لـ “الحل نت”، ولكنه سيحاول الحفاظ على بعض الوزارات شاغرة، حتى وضوح موقف الصدر النهائي من حكومته، فالسوداني لا يزال يحاول استمالته للمشاركة في حكومته عبر الرسائل السرية والعلنية، ويرغب من خلال هذه المحاولة إلى تلافي خيارات حل البرلمان أو الانتخابات المبكرة، ومنح حكومته صلاحيات أوسع، تساهم في إطالة أمد عمرها الدستوري المحدد بأربعة سنوات.

هذا الأمر لا يندرج ضمن أولويات الصدر الحالية، وفق نعناع، وتاليا قد يستمر على موقفه الرافض للحكومة الجديدة، ويرجح وضوح معالم خطوة الصدر التالية بعد تشكيل الحكومة، والعمل على تعطيلها أو إسقاطها، إذا لم تستجب لمطالب التيار بحل البرلمان، والبدء بانتخابات مبكرة خلال مدة عام ونصف.

احتمالية الاحتجاجات

مصير العملية السياسية لا يتوقف عند تشكيل الحكومة، فالأحداث التي شهدتها المنطقة الخضراء في 30 آب/أغسطس الماضي، تعزز احتماليات تكرار سيناريو الاحتجاجات، خاصة و”التيار الصدري” لن يسمح بتهميشه، وتلعب قدرته على التحشيد السريع أبرز العوائق أمام الحكومة الجديدة.

صالح محمد العراقي المعروف بقربه من الصدر، كان قد أكد في تغريدة نشرها في 15 تشرين الأول/أكتوبر الحالي، رفضه بشكل قاطع، لهذه الحكومة أو المشاركة فيها، واعتبارها حكومة ميليشيات لن تلبي طموح الشعب، كما دعا إلى عدم جر البلد إلى توترات مسلحة جديدة، وبذلك يكون الصدر قد أغلق الأبواب أمام مشاركته في حكومة السوداني.

الخلاف بين الخصمين سيبقى عائقا حتى بعد تشكيل الحكومة، وفق حديث مصدر سياسي (فضل عدم ذكر اسمه) لـ “الحل نت”، فهو خلاف شخصي أكثر من كونه سياسي، ويعزز المصدر رأيه، بأن رؤية الطرفين السياسية، كانت متقاربة إلى حد كبير، خاصة وأنها لم تتجاوز قانون المحاصصة، الذي يقسم المناصب الحكومية على أساس طائفي وعرقي، ولكن تعلقت بتحديد هوية الطرف الأجدر بتشكيلها.

الصدر يرى أنها ضمن استحقاقاته الانتخابية وسيطرته على 73 مقعدا نيابيا لوحده، وعلى النقيض حاول “الإطار التنسيقي” منع تشكيلها بعيدا عنه، لتلافي استبعاده سياسيا، فهو يدرك أن مثل هذه الخطوة تعني موته سياسيا، وهم مستمرون في الشد والجذب بينهم حتى الآن، بحسب المصدر ذاته.

الاضطراب لا يتوقف عند ورقة نزول أتباع “التيار الصدري” إلى الشارع، فالانقسامات التي كشفت عنها الانتخابات الأخيرة، بين أحزاب “الإطار التنسيقي”، تقف عائق بارز أمام الحكومة الجديدة، لاسيما وأنها تمتلك فصائل مسلحة، قادرة على فرض نفوذها، فيما لا يمتلك السوداني سوى تأييدها الحالي، وهو أمر متقلب بحسب استجابته لمطالبها.

رئيس مركز “الرفد” للإعلام والدراسات الإستراتيجية عباس الجبوري، يعتقد خلال حديثه لـ “الحل نت” أن ترشيح السوداني من قبل “الإطار التنسيقي” يلزم الأخير بتوصياته فيما يخص الإجراءات الأمنية، وأنه من أهم أركان نجاح حكومة السوداني على المستوى الأمني، هو اكتسابها لدعم كافة الكتل السياسية والمعارضة، ومنها “التيار الصدري”، خاصة وأن الملف الأمني بحاجة إلى تعامل مهني بعيد عن التقاطعات السياسية والتدخلات الخارجية، والحفاظ على سطوة نفوذ الأجهزة الأمنية، وتاليا يؤدي افتقارها لهذا العامل إلى فشلها، واستمرار ملف الأزمات في البلاد.

السوداني ما بين سطوة التأثيرات الداخلية والخارجية

السؤال الأبرز يبقى قائما، فالسوداني مرتبط بـ”الإطار التنسيقي” الذي يحظى بقرب بارز من حكومة طهران، وهو تاليا قد يخضع لتأثيراتها. وفق تقرير لمنظمة “ذي سينتشوري فاونديشن” الأميركية المعنية بالسياسات الدولية، فإن السوداني مدين لرئيس ائتلاف دولة القانون ورئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي بجزء كبير من نجاحه السابق والحالي، وقد يؤثر ذلك على حياده السياسي في المستقبل أيضا.

التقرير المنشور في 14 تشرين الأول/أكتوبر، يلفت إلى أنه رغم الخبرة السياسية التي يمتلكها السوداني، فإن الفصائل المسلحة لن تسمح له بتشكيل حكومة حقيقية، نظرا إلى ما تشكله من تهديد على عمليات الفساد والإفلات من العقاب.

صحيفة “ذي كارديان” البريطانية ترى في تقريرها الموثق بتاريخ 14 تشرين الأول/أكتوبر الحالي، أن الجماعات المسلحة المقربة من إيران، تسيطر على البرلمان الحالي، وستسعى من خلال هذه السيطرة على استعادة وجودها في العراق بشكل تدريجي أو مفاجئ، بحسب ما يخدم مصالحها.

خضم الصراع الإقليمي الحالي لا يتوقف عند رغبات الاستفادة الحالية، بل يتجه نحو كيفية توطيد هذه الاستفادة بشكل دائمي، بغض النظر عن طبيعة الحكومة، ويعتبر الخوض في غمار الاستثمارات داخل البلد، واحد من أبرز وسائل التدخلات الإقليمية الحالية.

الكاظمي أتاح للكثير من الدول بالدخول في هذا الجانب ومنهم تركيا ودول الخليج فيما قلل من النفوذ الإيراني، وهو ما قد يبرر نقمة الأخير منه، وتاليا قد يقود “الإطار التنسيقي” ضغوطات على السوداني من أجل إعادة التوازن ومنح إيران عدد من الاستثمارات الجديدة.

مثل هذا الحراك قد لا يثير إعجاب القوى السياسية السنية والكردية، وستقود حتما خطوات عكسية لزيادة نفوذ تركيا أو دول الخليج، وهي خطوات تنبع من رغباتهم بالحفاظ على الدعم الخارجي المقدم لهم، إضافة إلى الموارد التي تدرها الاستثمارات الخارجية في جيوبهم، وبذلك فإن المشاكل السياسية قد تبرز بعد تشكيل الحكومة بفترة قصيرة، ويعزز ذلك الفضائح المالية التي بدأت تظهر للعلن اليوم.

سرقة الأموال العراقية تقدر بحوالي 2.5 مليار دولار من أموال الضرائب، وبالتعاون مع شركات وهمية، هو آخر ما ضجت به صفحات التواصل الاجتماعي، ويشير بلا شك إلى بدأ حرب النفوذ السياسية والاقتصادية، ونزاعاتها على المناصب، والتي سيمر بها السوداني بعد تشكيله لحكومته.

تشكيل السوداني للحكومة العراقية الجديدة هو أمر مؤكد وفق القراءة الحالية، ولكن الشكوك حول قدرته على إدارة المرحلة الحرجة في ظل كافة الضغوطات المفروضة حاليا، إضافة إلى تراكم الأخطاء السياسية، تثير موجة من التساؤلات، من المستحيل الإجابة عليها، في بلد زاخر بالمستجدات والتناقضات.

قد يهمك: بعد حسم تكليفه برلمانيا.. هل ينجح السوداني بتشكيل حكومة عراقية بالمدة الدستورية؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.