في دمشق، ومن داخل مجموعات مواقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، برزت ظاهرة جديدة مستغلة الضائقة الاقتصادية للعديد من العوائل السورية ولا سيما الفتيات، بالترويج لحيلة حديثة لغزو البيوت، من خلال فرص عمل في برامج محادثات سرية “مشبوهة” لتقديم محتوى غير أخلاقي، يتنافى مع أفكار وتقاليد المجتمع السوري.

بداية الفخ

عبر الإعلانات في مجموعات سرية داخل موقع “فيسبوك”، رصد “الحل نت”، ترويج العديد من الأشخاص سواء إناث أو ذكور، للعمل داخل تطبيقات على الهواتف المحمولة الذكية مقابل الحصول على الأموال.

الخدمات التي يتم تقديمها ليست واضحة وفق إعلان فرص العمل، لكن وبعد متابعة “الحل نت” لهذه التطبيقات التي تعرف عن نفسها بأنها للتواصل من أجل تأمين “صديقات” أو “حبيبات” للمواعدة بمعنى آخر، نجد أن هذه التطبيقات عبارة عن غرف محادثة صوتية بالحد الأدنى، قبل أن تكون هناك طلبات لمحادثات فيديو خاصة بين الفتاة التي تتواجد في إحدى الغرف وبين الزبائن الشباب المرتادين لغرف هذه التطبيقات التي أعدت مؤخرا حملات تسويقية ضخمة لاصطياد المتابعين وكسب أموال يقدمها الزبون من خلال طلب دردشة فيديو خاصة، أو حتى إجراء مكالمات خاصة، لتبقى الاحتمالات مفتوحة حيال ما سيطلب هذا الزبون من الفتاة التي تتواجد داخل تلك الغرف.

إحدى هذه الإعلانات، كان عبر حساب تحت اسم ماري الأسمر، ذكرت خلاله “عندي شغل مضمون على برنامج معروف، الشغل تطبيق رسائل عشوائية، لازم الشخص يرد على الرسائل اللي تجيه، وجمع الجواهر يتراوح من 5 إلى 30 دولار في اليوم”، وهذه بداية فخ لفتاة قامت بنشر إعلان على أحد التطبيقات التي تنشر إعلانات عن الحاجة لوظيفة.

وداخل مجموعة أخرى والتي تحمل مسمى “فرص عمل في سوريا”، طرح حساب يحمل اسم “جوري جوري”، إعلانا لفرض عمل للفتيات عبر إحدى التطبيقات، على أن مميزات العمل من المنزل ولا يوجد ساعات محدودة، دون الحاجة للخبرات والمهارات، إذ يتطلب العمل فقط هاتف ذكي وإنترنت، مشيرة إلى أن العمل “يناسب فتيات الجامعة ذوات الدخل المحدود”.

أما الإعلان الثالث الذي رصده “الحل نت”، فكان لحساب باسم “ريمي ريمي”، والذي توجهت بخطابها للفتيات قائلة: “صبايا شغل على برنامج صوتي، راتبك على شغلك، عندك شبكة قوية وشغل كم ساعة، بتزيدي بزيد راتبك كل شهر، شغل سهل ومريح، اللي حابة تتواصل معي”.

جميع البرامج التي ذكرتها هذه الإعلانات وغيرها، هي برامج تصنف ذاتها على أنها برامج لـ “مواعدة الجيل الجديد”، عبر الدردشة وإنشاء محادثات نصية وصوتية وفيديو مع أشخاص آخرين والأهم من ذلك، أنه كلما زاد استخدامك للتطبيق، جمعت أكثر، تصل كحد وسطي إلى 300 ألف ليرة سورية ما يعادل (75 دولار أميركي).

تسليع المرأة

الظاهرة الجديدة والتي بدأ انتشارها في المنطقة العربية عموما منذ أعوام، حيث باشرت العديد من الدول في مطاردة الفتيات والفيديوهات غير الأخلاقية التي يقوموا ببثها من خلال التطبيقات، والتي نالت شهرة واسعة عند الكثير من الشباب رغم أنها تقدم محتوي غير أخلاقي يتنافى مع أفكار وتقاليد المجتمعات العربية، ولكنه قد يجذب العديد الفتيات من خلال استغلالهم ماديا مقابل الحصول على المقابل المادي الكبير دون النظر للجرائم الأخلاقية التي يفعلوها والتي كانت السبب فى الزج بهم خلف القضبان.

في سوريا، كان باب الحاجة المالية بسبب الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد، مفتاحا للترويج لمثل هذه التطبيقات، فبحسب الخبير الاقتصادي، ماجد الحمصي، تتمثل الحيلة الجديدة فى منح التطبيق مقابل مادي لكل شخص يقوم بتحميل التطبيق للمرة الأولى، وأيضا منح الشخص كود لاستخدامه فى الترويج للبرنامج وأن كل من يقوم بتحميل البرنامج، واستخدام الكود سيتم تحويل مقابل مادي له.

ويشير الحمصي خلال حديثه لـ”الحل نت”، إلى أن بداية الانحلال الأخلاقي، يكمن باستدراج الفتيات، ثم دخولهن إلى هذه البرامج حيث تبدأ المحادثات بشكل غير مبتذل، ثم تتطور مراحل الحديث إلى أن تصبح هذه المحادثات أقرب إلى المكالمة الجنسية، بالمقابل تحصل هذه الفتاة على عمولة من كل الأموال التي يدفعها الشخص من أجل إكمال مكالمته أو محادثته.

ويشير الحمصي، إلى أن هذا الترويج يرقى إلى جريمة الاتجار بالبشر، فقانون الجرائم المعلوماتية في سوريا، ينص على أن الترويج للانحلال الأخلاقي وتجنيد الأشخاص فيه، يندرج تحت بند الاتجار بالبشر، لأن الأشخاص الذي يعملون على ذلك، يبنون شبكة معلومات دولية بهدف ارتكاب وتسهيل ارتكاب تلك الجريمة، عبر تعاملهم مع أشخاص طبيعيين؛ هن فتيات يستخدموهن في أعمال منافية لمبادئ وقيم المجتمع؛ للحصول من ورائهن على منافع مادية، ليكون ذلك استغلالا لحالة الضعف الاقتصادي وحاجة المجني عليهن للمال، والوعد بإعطائهن مبالغ مالية.

أشهر محاكمة في مصر

في حزيران/يونيو 2021، بدأت في مصر أشهر جلسة محاكمة، للفتاتين حنين حسام ومودة الأدهم، والمسميات بفتاتي “التيك توك”، حيث اتهمت جنايات القاهرة المنعقدة في التجمع الخامس، الفتاتين بتهمة الاتجار بالبشر، من خلال استغلالهم أطفالا في الفيديوهات التي كانا يقدمانها عبر تطبيقي “إنستغرام” و”تيك توك”.

بداية وقوع الأنظار على حنين حسام ومودة الأدهم كان بحسب موقع “اليوم السابع” المصري، من خلال جهات الرصد والمتابعة وبلاغات المواطنين بسبب الفيديوهات والمحتوى الذي يقدمونه على مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها.

في نيسان/أبريل 2020، أصدرت النيابة العامة أمر ضبط وإحضار لحنين حسام لاتهامها بالاعتداء على المبادئ والقيم الأسرية في المجتمع المصري، وإنشائها وإدارتها واستخدامها مواقع وحسابات خاصة عبر تطبيقات للتواصل الاجتماعي بشبكة المعلومات الدولية، بهدف ارتكاب وتسهيل ارتكاب تلك الجريمة.

وفي أول بيان مفصل حول ملابسات القضية، أصدرته النيابة العامة المصرية، قالت إن طفلتين وعمرهم  لم يتجاوز الـ18 عام، وأخريات زعموا توفير فرص عمل لهم، من خلال تطبيق إلكتروني يحمل في طياته بطريقة مستترة دعوات للتحريض على “الفسق والإغراء على الدعارة”.

وأضاف البيان آنذاك، أن حنين حسام دعتهم على مجموعة اسمها “لايكي الهرم”، أنشأتها على هاتفها ليلتقوا فيه بالشباب عبر محادثات مرئية وإنشاء علاقات صداقة خلال فترة العزل المنزلي، الذي يجتاح العالم بسبب وباء “كورونا” بقصد الحصول على نفع مادي.

وكشفت حيثيات المحكمة، حسابات مودة الأدهم بالبنوك المختلفة، حيث ثبت امتلاكها حسابات بالبنوك وتحويلات لها من داخل وخارج مصر، وفي آخر جلسة حكم على الفتاتين بالسجن المشدد 10 سنوات، وتغريمها 200 ألف جنيه، ومعاقبة باقي المتهمين المروجين والذين يديرون صفحات الفتاتين حضوريا بالسجن 6 سنوات وتغريم كل منهم 200 ألف جنيه.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.