فرص عمل السوريين بتركيا: كفاحٌ للبقاء وسط منافسة شديدة واستغلال قاسٍ

فرص عمل السوريين بتركيا: كفاحٌ للبقاء وسط منافسة شديدة واستغلال قاسٍ

فرص عمل السوريين بتركيا باتت الهاجس الأكبر لكثيرين. ممن اضطرتهم ظروف الحرب لمغادرة البلاد. واللجوء إلى المدن والبلدات التركية المختلفة.

ومع جود حوالي أربعة ملايين سوري في تركيا، يبقى إيجاد فرصة عمل أمراً شديد الصعوبة على السوريين. وسط الظروف الصعبة التي يعيشونها، من ارتفاع الأسعار، وصعوبة منافسة المواطنين الأتراك في سوق العمل.

وفي حين افتتح كثير من السوريين مشاريعهم الخاصة، من محال تجارية وخدمات ومطاعم، في معظم المدن التركية، يبقى عشرات الآلاف، ممن لا يملكون أي رأس مال لبدء مشروع جديد، دون عمل. ويواجهون مصيراً حياتياً غامضاً. متعرّضين لكل أشكال الاستغلال الممكنة.  

العمل في تركيا نوع من الاستعباد

“محمد نابلسي”، البالغ من العمر ثلاثين عاماً، والذي يعمل في إحدى المحال التجارية في مدينة إسطنبول، يصف عمله بـ«الاستعباد»، فهو يعمل لمدة ثلاث عشرة ساعة يومياً. بأجر لا يتجاوز مئة وعشرة ليرات تركية. فضلاً عن وجبة غداء، لا تتجاوز قيمتها خمس وثلاثين ليرة. مشيراً إلى أن «ساعات العمل يمكن أن تزيد فجأة، دون زيادة الأجر».

ويضيف: «هناك سوريون يستلمون ورشات تركية. ويوظّفون عمالاً سوريين بأجور منخفضة. مستغلّين حاجتهم، وندرة فرص عمل السوريين بتركيا».

من جهتها تروي “نسرين”، البالغة من العمر ثلاثة وثلاثين عاماً، لموقع «الحل نت»، معاناتها في البحث عن عمل في تركيا: «أنا مهندسة معلوماتية، لجأت إلى تركيا منذ العام 2015، واستمر بحثي عن عمل عامين كاملين. اضطررت فيهما للعمل في غسل الصحون في مقاهٍ ومطاعم. رفض أصحابها أن أعمل فيها نادلةً لأني لا أتقن اللغة التركية».

وأضافت: «بعدها حصلت على فرصة عمل قريبة من اختصاصي. كان قد أُعلن عنها في أحد المواقع. وأعتقد أنه لولا وجود صديق لي يعمل في تلك الشركة لما توظفت».

وحول فرص عمل السوريين في الشركات العاملة بتركيا يقول “سعد”، وهو موظف في إحدى الشركات في ولاية غازي عنتاب: «توجد شركات سورية وعربية تعمل على الأراضي التركية. وآلية التوظيف لدى الشركات السورية أسهل نوعاً ما من الشركات العربية الخاصة.  لكن في الحالتين توجد صعوبات بالغة. لذلك فإن أغلبية السوريين تفضّل العمل بورشات عمل متوسّطة أو صغيرة».

ويردف أن «الموظف السوري، في معظم الشركات أو المعامل التركية، يعمل بشروط غير مستقرة. وراتب يومي أو أسبوعي قليل. وبساعات عمل تصل إلى خمس وأربعين ساعة أسبوعياً، بدون إذن عمل أو تأمين اجتماعي أو عقد أو تسجيل. وبالطبع يحصل العامل التركي على أجر أعلى، لقاء العمل نفسه، وبالخبرة ذاتها. وتفضّل الشركات التركية العمالة السورية الأقلّ تعليماً. وكل هذا من أسباب ندرة فرص عمل السوريين بتركيا».

التنافس على فرص عمل السوريين في تركيا

بالنسبة للشاب السوري “منير” فإن العمل الشاق ضعيف الأجر، الذي اضطرته ظروفه للقبول به. هو إحدى فرض عمل السوريين بتركيا شديدة الندرة. ينفق من وقته أربع ساعات لرسم مخطط بناء مطلوب تنفيذه. لغرفة يضع أساساتها مجموعة من العمال السوريين، الذين يعملون في إحدى الورشات بمدينة غازي عنتاب التركية. ويخرجون من بيوتهم منذ ساعات الفجر الأولى وحتى غروب الشمس. عاملين بظروف صعبة وأجور قليلة.  

يروي “منير” لموقع «الحل نت»: «لم أعمل سابقاً إلا في مجال الإنشاءات، كوني مهندساً معمارياً. وعندما وصلت إلى تركيا بدأت أبحث عن عمل قريب لاختصاصي. إلى أن ساعدني أحد أصدقائي، كي أعمل معه في ورشة بناء جديدة. تم افتتاحها في غازي عنتاب».

متابعاً حديثه بالقول: «تنقصي كثير من الحقوق والضمانات في عملي. مثل الضمان الصحي وإذن العمل الرسمي. وعندما أطالب بزيادة أجري الضئيل، يجيب رب العمل التركي أن عليه التزامات كثيرة. وأنه قادر على أن يأتي بعمال سوريين آخرين. يعملون بأجر أقل».

مشيراً إلى أن «ندرة فرص عمل السوريين في تركيا جعلتهم يقبلون بأعمال شاقة. أجرتهم فيها لا تزيد عن خمسين ليرة تركية في اليوم».

من جهته يقول “بهاء العمر”، وهو عامل سوري يقطن في حي شعبي بإسطنبول: «منذ أكثر من سنتين لم أستمر في عمل أكثر من شهرين. أسمع عن طريق الأصدقاء عن افتتاح ورشة جديدة. فأخوض منافسة مع عدد من العمال الآخرين للعمل فيها. إلى أن يأتي صاحب الورشة بعمال جدد. يقبلون العمل بأجور أقل».

متابعاً في حديثه  لـ«الحل نت»: «رغم امتلاكنا للشهادات الجامعية إلا أن فرص عمل السوريين بتركيا تزداد ندرة. وتصبح ظروفها أصعب. ما يدفعنا للقبول بأي شيء. والتناحر على أي عمل ممكن».

حلول مقترحة لزيادة فرص عمل السوريين في تركيا

وبحسب توصيات المفوضية العليا لشؤون اللاجئين فعلى السوريين تسجيل أنفسهم لدى مؤسسة التوظيف التركية “İŞKUR”، أو لدى شركاء المفوضية، الذين يقدمون المشورة بشأن فرص عمل السوريين بتركيا.

وبحسب المفوضية، يمكن للسوريين المستفيدين من “الحماية المؤقتة” التقدّم بطلب للحصول على تصاريح عمل، بعد ستة أشهر من إتمام إجراءات التسجيل الخاصة بهم. والحصول على وثيقة “الكملك”.

كثير من الخبراء، الذي تحدث إليهم «الحل نت»، أجمعوا على أن «الحل يبدأ بتعديل نظام التوظيف بالنسبة للسوريين. باعتبارهم يشكّلون النسبة الأكبر من العمالة الأجنبية في البلاد. ويكتمل بإقامة مشاريع استثمارية، مخفّضة الضرائب، برعاية مؤسسات الدولة التركية. تستهدف هذه الشريحة من العمالة، عبر دعم ريادة الأعمال والمشاريع الصغيرة والشركات الناشئة. دون إغفال أهمية الدعم التوعوي، و برامج الاندماج وتعليم اللغة التركية. فضلاً عن تسهيل تعديل الشهادات. وترخيص الأعمال التجارية والحرفية دون عوائق. إضافة إلى إعطاء الجنسية التركية للعمالة الماهرة. وكل هذا يعتبر خطوة مفيدة للطرفين. لأنها تزيد فرص عمل السوريين في تركيا. وتساعد الاقتصاد التركي على النمو والازدهار».  

في السياق نفسه اقترحت بعض المنظمات العاملة في تركيا عدة مشاريع، يمكن أن تعالج عدداً من المشاكل المذكورة سابقاً. وتؤمّن مزيداً من فرص عمل السوريين في تركيا.

“علي عزيزي”، من منظمة “سند”، العاملة في ولاية غازي عنتاب، يتحدث عن مشروع تنفذه المنظمة «يستهدف أصحاب رؤوس الأموال والمؤسسات الصغيرة والمتوسّطة. ويساعد اللاجئين السوريين المتواجدين في تركيا على تأمين فرص عمل. ويحفظ حقوق أصحاب المشاريع، حتى لا تتعرض محالهم وورشاتهم للإغلاق والمساءلة القانونية».

مقالات قد تهمك: الطلاب السوريون في تركيا: هل توجد خيارات سوى التسرّب من المدارس؟

ويتابع، في حديثه لـ«الحل نت»، أن «المشروع يقدم الدعم لأصحب العمل السوريين مادياً. ويغطي نفقات انطلاقة مشاريعهم وأجور موظفيهم لمدة ثلاثة أشهر. كما يقوم بدفع الضرائب المترتبة عليهم. إضافة إلى المساعدة بإصدار إذن عمل، ورخصة من البلديات. وتوجيه صاحب المشروع في السوق التركية. وكل هذا قد يساعد في إيجاد مزيد من فرص عمل السوريين في تركيا».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.