الطلاب السوريون في تركيا: هل توجد خيارات سوى التسرّب من المدارس؟

الطلاب السوريون في تركيا: هل توجد خيارات سوى التسرّب من المدارس؟

الطلاب السوريون في تركيا يتسرّبون من مقاعد الدراسة إلى أرصفة الشوارع، وأقبية المعامل والورشات. هذا ما تأكده الإحصائيات الرسمية التركية. فقد أحصت وزارة التربية التركية أكثر من أربعمئة ألف طالب سوري لم يلتحقوا بالمدارس في العام الحالي.

ما يعانيه الطلاب السوريون في تركيا يجري أمام صمت تام من مسؤولي الحكومة المؤقتة السورية المعارضة. وهي الجهة التي يفترض بها تمثيل السوريين، ومتابعة أوضاعهم في تركيا على الأقل. وفي مواجهة هذا التجاهل التام، إضافة لذلك غياب أي تصريحات عن الموضوع. عمل موقع «الحل نت» على التواصل مع بعض المعلمين والطلاب وأولياء الأمور. لمحاولة فهم أسباب التسرّب. ومدى أبعاد هذه الظاهرة.

لا مكان للمعلمين والطلاب السوريين في تركيا

الأستاذ  “خالد”، وهو معلم سوري سابق مقيم حالياً في تركيا، تحدث لموقع «الحل نت» عن الإحصائيات حول الطلاب السوريين في تركيا: «تقول الأرقام إن عدد الأطفال السوريين في تركيا، الذين هم في سن المدرسة. من الصف الأول وحتى الثالث الثانوي، حوالي مليون ومئتين وسبعين ألفاً. فيما لم يبلغ عدد الأطفال الملتحقين بالمدارس سوى ثمانمئة وخمسة وتسعين ألفاً. أي أن هنالك حوالي أربعمئة ألف طفل لم يلتحقوا بالمدارس. وهذه الأرقام من وزارة التربية التركية. أما بالنسبة لطلاب الجامعة فهناك سبعة وثلاثون ألف طالباً. وفيما يخص المنح الدراسية للسوريين في تركيا فقد حصل منهم على منح ستة عشر ألف طالباً  فقط. والعدد يتناقص باستمرار. وهناك من ترك الجامعة، بعد أن تم فرض أقساط على الجامعات  الحكومية».

ويحاول الأستاذ “خالد”، الذي رفض نشر اسمه الكامل، تفسير ما يعانيه الطلاب السوريون في تركيا بالقول: «السبب الأول للتسرّب من المدارس هو الفقر والوضع الاقتصادي المتردي. وبالدرجة الثانية تعقيدات الإقامة التي يعاني منها السوريون في تركيا. فكثير منهم لا يملكون وثيقة “كملك”».

ويختتم المعلم السابق حديثه بالقول: «توقفت عن التدريس. واضطررت أن أخرج أولادي من المدرسة، لإعانتي على تأمين تكاليف المعيشة. سابقاً كان يوجد اثنا عشر ألف معلم سوري، موزعين على خمسة عشر ألف مدرسة، ضمن ست وعشرين ولاية تركية. إلا أنه تم إيقاف هؤلاء المعلمين عن العمل، بموجب قرارات الحكومة التركية. وهذا يعني أن اثني عشر ألف عائلة فقد معيلها الأساسي. وهكذا يعاني الطلاب السوريون في تركيا. كذلك الأساتذة، من ظروف شديدة القسوة. وغير صالحة لمواصلة التعليم».

الطلاب السوريون في تركيا مجبرون على التسرّب من المدارس

الأستاذ “علي”، وهو معلم سابق ايضاً، يحاول أن يقدم أسباباً مفصّلة أكثر لما يعانيه الطلاب السوريون في تركيا. مقسّماً، في حديثه لـ«الحل نت»، أسباب تسرّب الطلاب السوريين من المدارس التركية إلى أربعة أقسام رئيسية: «القسم الأول هو الأسباب الاقتصادية طبعاً. إذ أن كثيراً من السوريين الموجودين في تركيا. وخاصة في بعض المدن النائية، يعانون من ظروف اقتصادية صعبة. وبالتالي يدفعون أولادهم الى سوق العمل. ويندمج الطالب في السوق المحلية لمساعدة أهله في مصاريف المنزل. أما القسم الثاني من الأسباب فهو التنمّر في المدارس التركية. فالطلاب السوريون يتعرّضون للتنمّر من اقرانهم، أو من بعض  المدرّسين. ولا توجد  ضوابط  حقيقية رادعة في المدارس تجاه هذه الحالات. وبالتي يكره الطفل الذهاب الى المدرسة. ويفضّل الدخول في سوق العمل».   

ويتابع الأستاذ “علي” حديثه بالقول: «المناهج التركية، وتكوين وطبيعة المدارس، أحد أهم الأسباب لما يعانيه الطلاب السوريون في تركيا، إذ لا توجد في المدارس أي مواد رديفة لدعم الطلاب السوريين. ومن المعروف أن الطالب الأجنبي، الذي يأتي إلى مدرسة مختلفة لغةً وثقافةً، يجد كثيراً من الصعوبات. لذلك يجب أن تعمل المدرسة على تأمين حصص إضافية  خاصة بالطلاب السوريين، لدمجهم في المدارس التركية. وأخيراً هنالك القسم الرابع من الأسباب، أي الأسباب الإدارية. فقد انفصلت عديد من الأسر السورية نتيجة وضع وثيقة “كملك” التركية. فتجد الأب في ولاية، والأم والأطفال في ولاية أخرى. مما يؤدي إلى تشتت العائلة. كما يدفع بالأطفال للعمل لتوفير متطلبات الحياة».  

الخبز أهم من العلم

أمام محطة مترو منطقة “اسلنر” في إسطنبول قابلنا “عبد الرحمن”. وهو طفل سوري يبيع المناديل على باب المحطة. وهذا نموذج لما يفعله الطلاب السوريون في تركيا بعد تسرّبهم من المدرسة.

يقول “عبد الرحمن” لموقع «الحل نت»: «أحلم بالذهاب إلى المدرسة. لقد جئنا من مدينة ادلب أنا وأخوتي الثلاثة ووالدتي بعد مقتل أبي. وجميعنا نعمل في بيع المناديل. تعلّمت اللغة التركية من عملي في الشارع. ولكنني أريد تعلّم الكتابة بالعربية والتركية. الحياة صعبة هنا، وصار عمري اثنا عشر عاماً، دون معرفة القراءة والكتابة. أجلب معي دائماً دفتراً وقلماً. كما أرسم خطوطاً. محاولاً تخيّل نفسي في المدرسة».

للقراءة أو الاستماع: العنصرية ضد السوريين في تركيا تقتل 3 شبان حرقا.. ماذا بعد ذلك؟

وليس بعيداً عن “عبد الرحمن” التقينا بـ”أبي محمد”. وهو أب سوري اضطر لإخراج أولاده من المدرسة: «لدي خمسة أولاد، وجميعنا نشتغل في معامل الخياطة، لتوفير حاجات المنزل. ونعيش اليوم في راحة مادية بسبب حصولنا على أكثر من أجر. ولكن لو أرسلت أولادي إلى المدرسة فلن نستطيع تأمين الخبز والغذاء للعائلة. ولذلك فالعمل أولاً. وإذا تحسّنت الظروف قد أرسل أولادي للمدرسة. فالخبز أهم من العلم. ودفع فواتير المنزل أهم من مقاعد الدراسة».

الطلاب السوريون في تركيا يواجهون إذاً ما هو أكثر من المشاكل التعليمية الاعتيادية. حيث أن الدراسة في تركيا للسوريين نتج عنها تكثيف للمأساة السورية بكل تفاصيلها. من تشرّد وفقر ولجوء. إضافة لذلك انعدام الجهات المدافعة عن حقوق السوريين. لذلك يواجه جيل بأكمله خطر الأمية. وربما كان هذا من أكثر تكاليف الحرب السورية ايلاماً

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.