“لا عم نطلب راس الحانوت المغربي ولا العكري التونسي، كل اللي عم نطلب نحطه عالأكل قرنفل وفلفل”، لطالما كانت أنانية التجار وجشعهم مصدر شكاوى للمواطنين السوريين، إلا إن التفسير الوحيد لقيام تجار التوابل والبهارات في سوريا برفع أسعارها، هو بعد أن اطلعوا على ما كشفته دراسات حول مخاطر الإفراط في استخدامها.

الأسواق الشعبية في سوريا كانت تمتاز بأجواء خاصة، وبين مختلف السلع والحاجيات، تنتشر رائحة التوابل التي تعبق أرجاء الطاولات التي اصطفت لجلب أكبر قدر من الزبائن، تحمل نسائم الشرق و”ريحة الغرب” مع تقاليد تميز اللون الدمشقي الساحر، إنها الفسيفساء الجذابة التي صنعت ديكورا من النوع الرفيع، جلب معه كل أطياف المجتمع التي جاءت من كل مكان للظفر بمادة تضيف طعما خاصا للمأكولات الشامية العريقة.

مؤخرا، سجّلت أسعار التوابل والبهارات في أسواق العاصمة دمشق، مستوى لم تصل إليه من قبل، ما دفع الأهالي إلى شراء كميات قليلة من بعض الأصناف بمبالغ زهيدة، تناسب قدرتهم الشرائية، فيما ذهب بعضهم لصعود المراعي والجبال من أجل جلب عشبة تغنيه عن دفع الآلاف من الليرات من أجل حفنة من التوابل المطحونة.

“شم ولا تذوق”

“بتروح عالسوق وبتشبع شم، ولما بترجع عالبيت بكون الملح هو الوحيد اللي بيعطي للأكل طعمه”، هذا الحال يشرحه محمد كيوان المنحدر من مدينة جاسم في محافظة درعا، بات شبه معمم على العائلات السورية التي لامست منذ سنوات خط الفقر، وربما في وقت لاحق قد تهبط عنه بسبب ما يحدث من غلاء في سوريا.

أسعار البهارات والتوابل في سوريا، ارتفعت بشكل خيالي حيث أدى هذا الارتفاع لتراجع حركة إقبال الأهالي على شرائها باعتبار أنها تأتي في الدرجة الثانية من حيث الأهمية بعد الخبز والخضار والزيت، كما تراجعت حركة البيع لأكثر من سبعة أضعاف بسبب ضعف القدرة الشرائية، وتراجع إقبال المواطنين على شرائها.

صاحب أشهر محلات البزورية في مدينة درعا، عمر خطاب، قال لـ”الحل نت”، إن حركة البيع والشراء باتت صعبة للغاية، وربما هي الأسواء منذ عام 2011، حيث انعدمت القدرة الشرائية للمواطن، ما أدى إلى توقف السوق، “سابقا كان المواطن يشتري بالوقية، والآن بالغرامات إن وجد مشتري”.

خطاب، أرجع ارتفاع الأسعار غير المسبوق إلى أن أغلب التوابل يتم استيرادها من الخارج وبالتالي هناك نفقات النقل، وهو ما أكده مدير جمعية حماية المستهلك، عبد العزيز المعقالي، لموقع “أثر برس” المحلي، أمس الأربعاء، حيث ذكر أن أسباب ارتفاع أسعار التوابل والبهارات تعود إلى أنها مستوردة من خارج البلاد إضافة إلى ارتفاع أجور الشحن، مشيرا إلى أنه تم ضبط كميات من التوابل منتهية الصلاحية في عدة أسواق بدمشق وريفها.

وعن تسعير مادة البهارات والتوابل، بيّن خطاب أنها تتم من مكاتب المحافظات المختصة أو من مديريات التجارة الداخلية وحماية المستهلك بالمحافظات، وبالنسبة للمواد المستوردة منها، أوضح أنه يتم التسعير وفق بيانات الكلفة ووثائق أصولية وبيانات رسمية وحسب كل مادة، مضيفا “يُؤخذ بعين الاعتبار بحال كانت المادة مغلّفة أو معلّبة وهو المفضل لدينا حيث تكون أكثر أمانا من الناحية الصحية لعدم تعرضها للمؤثرات الجوية والجراثيم في حال كانت دوغما”.

الأطعمة السورية دون نكهات

البهارات هي الأجزاء العطرية للنباتات الاستوائية التي تُستخدم عادة في الطعام، بعض المواد التي نطلق عليها البهارات تأتي من لحاء أو جذور نباتات معينة، ومن أشهر البهارات هي، القرفة والقرنفل وجوزة الطيب والزنجبيل وغيرها الكثير التي تضيف الطعم المميز للمأكولات.

سابقا، المتجول في أسواق العاصمة تشده رائحة مميزة من التوابل المنكّهة، فالكل يبحث عن الطعم الخاص والجميع يراهن على الاختلاف، ليكون أكله ذو طبع خاص ومميز، لتبدأ رائحة التوابل تملأ أرجاء الأسواق الشعبية معلنة عن سباق الطعم الأشهى، خاصة وأن الباعة يتفننون في عرض التوابل والمعطّرات ذات الروائح القوية التي تجتذب الزبائن وتجعلهم يتهافتون على اقتنائها وتجريبها.

في حديثه لـ”الحل نت”، قال كيوان، إنه يشتري التوابل لطبخة واحدة أو طبختين نتيجة ارتفاع أسعارها أو شرائها بمبالغ محددة، فيما استغنت العديد من المطابخ المنزلية عن أنواع بهارات نتيجة القفزة الكبيرة بأسعارها، فبات أغلب الطعام الذي يُصنع بالمنازل دون نكهات.

شراء البهارات والتوابل في سوريا، بحسب ما ذكره كيوان، اقتصر على الأساسيات منها، كالفلفل الأبيض، وبهارات الكبسة والماجي، فيما باتوا يشترون بشكل محدود جدا بعض البهارات ذات الحبة الكاملة كالهيل، والذي تباع الأوقية منه بنحو 20 ألف ليرة، ما أدى لاستبعاده من قائمة المشتريات لإفساح المجال للضروريات فقط.

قفزة كبيرة بأسعار البهارات في سوريا

في معرض ارتفاع الأسعار المستمر في سوريا منذ مطلع العام الحالي، لم تبقَ أي سلعة في الأسواق لم تشملها الأسعار المرتفعة، لتزيد من سوء الوضع الاقتصادي للمواطنين في ظل الفقر وضعف القدرة الشرائية، ووصولها إلى أدنى مستوياتها.

لم يعد بإمكان الناس الحصول حتى على أبسط مقومات الحياة، وهي المواد الأساسية، كالحبوب والبقوليات والطحين، ما أدى لارتفاع تكلفة طبق المجدرة لخمسة أشخاص، إلى 12 ألف ليرة، حيث كانت المجدرة تعتبر طبق الفقراء نظرا لانخفاض تكلفة موادها.

طبقا لما ذكره الموقع المحلي، فإن لائحة الأسعار الجديدة للتوابل والبهارات في سوريا أصبحت على الشكل التالي، سعر أوقية صفار الزعفران 5000 ليرة سورية، أما سعر أوقية الفلفل الأبيض 8000 ليرة سورية، بينما سعر أوقية الثوم الناعم 5000 ليرة سورية، وسعر أوقية الفلفل الأسود الحب 8000 ليرة سورية، وسعر أوقية الزنجبيل الحب 7000 ليرة سورية، أما سعر أوقية الهيل الحب الأخضر 15000 ليرة سورية، بينما سعر أوقية العصفر البلدي الورق 25 ألف ليرة سورية.

أطباق الفقراء بلا طعام

اضطراب الأسواق وارتفاع الأسعار في سوريا ظلت طيلة الفترة السابقة بلا حلول جوهرية، حتى بعد حديث رئيس مجلس الوزراء، حسين عرنوس، عن أن الحكومة تعمل على خطين متوازيين في آن واحد بمحاولة توفير أكبر كمية من المواد والسلع لتلبية احتياجات المواطنين من جهة، وتعديل صيغ توزيع الكميات المتاحة منها لضمان أكبر قدر ممكن من العدالة والكفاءة، سواء من خلال الالتزام بطرق التوزيع عبر البطاقات الإلكترونية أو الاعتماد على التقلبات الطبيعية في السوق.

برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، كان قد حذر في منتصف يونيو/حزيران الفائت، من تفاقم أزمة الغذاء في سورية جرّاء ارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة تتجاوز الـ 800% خلال العامين الماضيين، مما تسبب بوصول أسعار المواد الغذائية إلى أعلى مستوى لها منذ عام 2013.

وقال المدير التنفيذي للبرنامج، ديفيد بيزلي، إن ملايين العائلات السورية تمضي أيامها قلقة من كيفية حصولها على الوجبة التالية، مشيرا إلى ضرورة التحرك الفوري لإنقاذ السوريين من مستقبل “كارثي”، في ظل ما تشهده سورية من احتياجات غير مسبوقة.

وبحسب البيان الأممي، فإن 12 مليون سوري، يواجهون انعداما حادا في الأمن الغذائي، بنسبة أكبر بـ 51% عن عام 2019، إلى جانب وجود نحو مليون و900 ألف شخص معرضين لخطر الجوع تزامنا مع تحول الوجبات الأساسية إلى رفاهية للملايين.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.