“الكل يزاود علينا”. لا تكاد تخلو هذه العبارة من فم أي فلاح في العراق، لدرجة أنهم يصفون ما يجري بحق شريحتهم ومنتوجاتهم بـ “المؤامرة” من قبل أهل الدار لأجل خدمة الجار.

“ما جاي أزرع أي شي. ماكو شي يخليك تحرث گاعك. كلها واگفة ضدك، وأولها الدولة”، يقول مسلم رمضان، فلاح من محافظة واسط، جنوبي العراق لـ “الحل نت”.

في كل موسم زراعي، تصرف وزارتي التجارة والمالية، مستحقات مالية للمزارعين والفلاحين، من أجل زراعة أراضيهم بالفواكه والخضروات والحنطة والرز وغيرها من الأغذية، وتسويقها في السوق العراقية.

عقبات

المزارع والفلاح العراقي، يواجه عقبات عديدة منذ عراق ما بعد 2003، تؤدي إلى خسارته في بيع وتسويق منتوجاته التي يزرعها، حتى أن العراق بات يفتقر للزراعة بشكل كبير في السنوات الأخيرة.

“أولا ماي ماكو. نهر الگلال چولة عبالك شارع. ثانيا الدولة فاتحة حدودها لإيران وفصائلها تزاود علينا، شلون نگدر نزرع ونحصد ونبيع”، يقول رمضان متسائلا.

نهر “الكلال” الذي تنبع مياهه من إيران، يقع في محافظة واسط كانت المياه تملؤه طيلة العقود الماضية، لكنه يعاني من الجفاف وشحة المياه منذ سقوط نظام صدام حسين في ربيع 2003.

تُعرف محافظة واسط بأنها من أكثر المحافظات الزراعية في العراق، لكن قطع إيران لمياه “الكلال”، أدى لتراجع الزراعة في أراضي تلك المدينة بنسبة كبيرة.

“مهنتنا هاي ما منها خبزة بعد. السبع اللي يلگاله فرصة ويشتغل أي شغلة تجيبله وارد ويعيش من خلالها عيشة كريمة”، يقول رمضان، ويردف أنه يفكر بأن يحذو حذو أبن عمه.

استخدام المستحقات كتعويضات

أبن عم رمضان كان فلاحا أيضا، لكنه ترك أرضه قبل سنتين وباعها بمبلغ زهيد، وانتقل للعيش في المدينة، ويعمل سائق “تكتك”، لتوفير لقمة عيشه، نتيجة انعدام المردود المادي من مهنة الفلاحة.

الحكومة العراقية تدعم الفلاحين العراقيين بدفع مستحقاتهم بشكل سنوي، فقد خصّصت وزارة التجارة في أيار/مايو المنصرم، 500 مليار دينار لدفع مستحقات الفلاحين والمزارعين.

لكن منذ عدة سنوات، صار الفلاحون يعتمدون المستحقات المالية التي تُصرف لهم، كتعويضات مالية عن خساراتهم المادية من منتوجاتهم القليلة أصلا.

سالم جواد، فلاح من محافظة ديالى شرقي العراق، يعاني من قلة الإقبال على منتوجاته من قِبل التجار ورفضهم الشراء منه. “گمت أنزل للشارع بسيارتي الحمل وأبيع ومحد يشتري من الناس”.

جواد يقول لـ “الحل نت”، “ما يجي أحد لأن الكل يدور الرخص. بضاعتنا من الفواكه والخضراوات رخيصة، بس كل ما نرخصها يگومون جهات ما نگدر نسميها يرخصون سعر البضاعة الإيرانية أكثر. كلها مسويَة مؤامرة علينا”.

تكدس المنتوجات العراقية

من بين أبرز الأسباب التي أدت لابتعاد الفلاحين العراقيين عن الزراعة، وبقاء فئة قليلة منهم، هو غزو السوق العراقية بالأغذية الإيرانية واستيرادها بصورة ضخمة.

الأمر الآخر، هو عدم وجود مياه كافية لزراعة الأراضي، بسبب قطع إيران للمياه التي تدخل إلى العراق من خلالها، ما أدى إلى جفاف مساحات زراعية كبيرة في البلاد، وبالتالي صعوبة الزراعة في ظل شح المياه.

حتى الزراعة القليلة التي يقوم بها البعض من المزارعين، عادة ما تتكدس في الأسواق العراقية، ولا يشتريها المستهلك العراقي، رغم جودتها الجيدة مقارنة بالمحاصيل المستوردة.

السبب وراء تكدس المنتوجات العراقية، هو قيام مَن يستوردون الأغذية الإيرانية بتحفيض سعرها وغالبيتهم ينتمون لأحزاب طهران، لتكون بمتناول يد المستهلك العراقي، ما ينعكس على المنتجات المحلية التي يبتعد عنها المستهلك لغلاء أسعارها.

لا يبدو أن المشكلة ستنتهي، بل من المتوقع أن تتفاقم أكثر، لدرجة “تصفير” أي وجود للفلاحين في العراق، ودفعهم نحو العمل في مِهن أخرى، من أجل خدمة إيران لمواجهة العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، عبر تصريف منتجاتها للداخل العراقي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة