“بعد كل سنين العمر، هاي تاليها”. سؤال يتردّد دائما وفي كل يوم على لسان المتقاعدين في العراق. حياة صعبة في ظل ظروف اقتصادية لا تسر الخاطر.

“العيشَة صعبَة والراتب مذلّة”. يقول حسين لازم لـ “الحل نت”، وهو رجل ستيني متقاعد، ويعاني من أمراض جمّة، وخدم في الدولة العراقية لأكثر من 4 عقود من الزمن.

يوجد في العراق، 3 مليون و600 ألف متقاعد ومتقاعدة، بحسب آخر إحصائية لـ “هيئة التقاعد العامة” التابعة إلى وزارة المالية العراقية، نشرت نهاية العام الماضي، ويُشكّلون نحو 10 بالمئة من سكان العراق.

لازم خدم في العسكر، والتحق بجبهات القتال خلال الحرب العراقية الإيرانية، وأصيب عدة مرات خلال معارك القتال، وهو يعاني اليوم من أثر تلك الإصابات.

الرواتب كل شهرين

“بالگوة أمشي على رجليّة”، يقول لازم، ويردف أن الأمراض المزمنة التي يعاني منها، وأولها السكر والضغط ومعها الربو، تحتاج إلى مراجعات طبية عديدة وإلى علاجات مستمرة.

“كل هذا يحتاج فلوس. الكشفية لوحدها من تروح للطبيب تكلف أقل شي 25 ألف. وين أنطي وجهي، وهو الراتب مثل اللي يتصدقون بي صدقَة علينا”، يقول لازم.

تمنح رواتب المتقاعدين كل شهرين، وذلك منذ أكثر من 9 ينوات، عكس الموظفين في القطاع العام وبقية المفاصل، الذين يستلمون مرتباتهم بشكل اعتيادي نهاية كل شهر.

تبرير الحكومة العراقية عندما جعلت منح رواتب المتقاعدين كل 60 يوما، هو من أجل زيادة مرتبات المتقاعدين، كي لا تكون زهيدة أو بائسة، لكن الحقيقة غير ذلك.

“بوية كفيلك الله يقشمرون علينا. هو نفس الراتب مال كل شهر بس يجمعوهن مال راتبين وينطونياهن كل شهرين، وياريت لو يسوَن. يطبّن منا ويطلعَن منا”، كما يقول لازم.

قيمة راتب المتقاعد

لا يتجاوز راتب الموظف المتقاعد 400 ألف دينار عراقي شهريا، أي قرابة 250 دولارا، ويمنح كل شهرين، ليكون المبلغ 800 ألف دينار، أي نحو 535 دولارا.

سهام حميد موظفة متقاعدة، تعاني هي الأخرى من مصاعب الحياة. تقول لـ “الحل نت”، “يومية أبچي من ورا هالعيشة، حتى عيوني راح تنعمي النوب”.

سهام أرملة ولديها 3 أولاد، أكبرهم عمره 16 عاما، وتسكن في الإيجار. تقول “منين أمشّيها بهاي الفلوس اللي متسوا شي بوكتنا هذا. أنطيها للإيجار لو مصاريف لمدارس ولدي لو لعلاجي لو للأكل”.

توفّر الحكومة العراقية رواتب إعانة اجتماعية للأرامل، لكنها زهيدة بكل ما تحمله الكلمة من معنى، إذ يبلغ راتب أصحاب الإعانة الاجتماعية 150 ألف دينار عراقي فقط، أي نحو 100 دولار أميركي.

مبلغ الإعانة الاجتماعية لا يسد حاجة أسبوع واحد للمواطن العادي، فكيف الحال بمن تسكن في الإيجار وتعيل عائلة بأكملها. “والله روحي طفرَت، ما أدري شلون ممشيتها. إلي يوم وانتحر”، تقول سهام.

وعد وقرار عكسي

الحكومة العراقية ومن خلال وزارة المالية، وعدت قبل عامين تقريبا، بزيادة مرتبات المتقاعدين من أجل تحسين وضعهم المعيشي، لكن شيئا من ذلك لم يحدث قط.

على العكس، في نهاية 2020 قررت الحكومة رفع سعر صرف الدولار مقابل الدينار، حيث أصبح سعر 100 دولار يعادل 145 ألف دينار عراقي، في وقت كان سعر الـ 100 دولار يبلغ 120 ألف دينار.

منذ ذلك القرار، ازدادت المصاعب على ذوي الدخل المحدود، لا سيما المتقاعدين وذوي الإعانة الاجتماعية، وخرجوا بتطاهرات عديدة لم تنتهِ حتى اليوم، بل تتكرر بين الفينة والأخرى.

“أتسلّف من أهلي حتى أمشّي أموري وأشتري العلاجات، بس الدين أكل راسي وما أدري شلون راح أسدّده”، يقول حسين لازم بألم وحسرة، بينما تقول سهام “يمكن راح أبطل ابني الچبير من المدرسة وأدزه يشتغل حتى نوگف بوجه هالحياة”.

لا خلاص من مرارة المعيشة، فالحياة تضيق بوجه المتقاعدين في العراق يوما بعد آخر، ولا حل ما لم تتخذ الحكومة قرارات مصيرية من شأنها إنهاء معاناة هذه الفئة، مثل رفع قيمة رواتبهم وصرفها كل شهر بدلا من كل شهرين.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة