تصعيد على إدلب: ما الذي تريده روسيا في الشمال السوري؟

تصعيد على إدلب: ما الذي تريده روسيا في الشمال السوري؟

رغم وتيرة القصف التي عادت في سماء الشمال السوري عبر الطيران العسكري الروسي في تطور لافت على الأرض، إلا أن تصعيد موسكو الذي عاود حضوره بعد غياب لشهر إثر الغزو الروسي لأوكرانيا، يأتي في وقت تحتاج فيه روسيا إلى الجانب التركي على صعيد الملف السوري، فهل تنهار التفاهمات الثنائية بين الطرفين أم أن التصعيد مجرد تصعيد عابر معتاد؟

في آخر أيام الشهر الفائت عاد الطيران الروسي في أجواء الشمال السوري بالتزامن مع عمليات قصف نفذتها القوات الحكومية السورية في مناطق ريفي حلب وإدلب، مستهدفة من خلالها مواقع انتشار القوات التركية والطرق التي تسلكها، ما أسفر عن إصابات، بحسب “المرصد السوري لحقوق الإنسان”.

القوات الحكومية استهدفت بقذائف المدفعية، محيط القاعدة العسكرية التركية المتمركزة في قرية الشيخ سليمان غرب محافظة حلب، مما تسبب بإصابة جنديان اثنان من القوات التركية، بجروح نقلوا إلى مشاف داخل الأراضي التركية. وذلك بالتزامن مع إقلاع طائرة حربية روسية من مطار حميميم العسكري بريف اللاذقية، حيث استهدفت محيط بلدة معارة النعسان بإدلب.

حضور سلبي

المحلل العسكري سعيد جمال الدين، قال في تصريحات لـ”الحل نت” إن التصعيد الروسي يأتي في سياق تثبيت الوجود العسكري، في ظل التساؤلات حول حجم الدور العسكري الروسي في سوريا بعد غزو أوكرانيا.

واعتبر المحلل العسكري أن الهدف الرئيسي من هذا التصعيد “المؤقت” هو خلط الأوراق من خلال عودة القصف على الشمال السوري، في ظل الأزمة التي يعاني منها الجيش الروسي في أوكرانيا.

كانت أولى عمليات القصف التي جاءت بالتنسيق بين دمشق والقوات الروسية في سوريا، مساء يوم الـ27 من شهر آذار/مارس الماضي (بعد شهر من انطلاق الغزو الروسي ضد أوكرانيا) حيث استهدفت القوات المتمركزة في الفوج 46 غربي حلب، بصاروخ موجه عربة مدرعة للقوات التركية، أثناء مرورها على أطراف بلدة كفرنوران، مما أدى إلى احتراقها وسقوط مصابين من عناصر القوات التركية.

وبعد ساعات من ذلك قصفت القوات الحكومية محيط النقطة العسكرية التركية في منطقة مكلبيس قرب مدينة دارة عزة بريف حلب، في تطور تزامن مع تنفيذ الطائرات الحربية الروسية غارات جوية هي الأولى من نوعها في مناطق شمال غربي سوريا، منذ بدء الغزو لأوكرانيا.

ومنذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا ربطت الكثير من التقارير الصحفية بصورة غير مباشرة الملف السوري بما يحصل على الأرض الأوكرانية، سواء من زاوية تتعلق بتفاصيل العمليات العسكرية المتشابهة، أو الانعكاسات التي قد تفرض على الساحتين في آن معا، كون القوات الروسية هي الضالعة في كلا المنطقتين.

وكان نائب المندوب الروسي في الأمم المتحدة، ديميتري بوليانسكي، قد هدد، نهاية آذار/مارس، بمنع تمرير قرار تمديد إدخال المساعدات الإنسانية عبر معبر “باب الهوى” الحدودي مع تركيا.

وقال بوليانسكي، خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي حول سوريا إن “آلية إيصال المساعدات عبر الحدود، تنتهي في يوليو المقبل، ومن بين أحكام القرار، هناك بند واحد فقط يجري تنفيذه حاليا”.

وأضاف المسؤول الروسي “على ما يبدو، أن الأطراف لن تفي بجميع الأحكام الأخرى، وفي الوقت نفسه أثبتت دمشق أن عمليات التسليم إلى إدلب عبر خطوط التماس ممكنة”. وهي التصريحات التي اعتبرها جمال الدين تأتي كرسالة روسية على الدول الغربية الداعمة لأوكرانيا، بأن موسكو ستزيد من تصعيدها في سوريا بظل الدعم الدولي المواجه للروس.

دور سياسي

ويهدف التصعيد العسكري وفق مراقبين إلى مفاقمة الوضع الإنساني في سوريا، استباقا لاستخدام حق النقض الفيتو في مجلس الأمن، بما يخص إدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود. فروسيا تحاول خلط الأوراق والاستفادة من الملف السوري تجاه أزمتها في أوكرانيا.

في حين اعتبر المحلل السياسي، أحمد أيوبي أن يكون التصعيد الروسي له أهداف طويلة الأمد كون المنطقة محكومة باتفاقات التهدئة بين موسكو وأنقرة، مشيرا إلى أن المنطقة لطالما شهدت خروقات وتصعيد محدود في أوقات متعددة خلال السنتين الماضيتين.

لافتا بأن كل من روسيا وتركيا حتى الآن لا توجد مؤشرات على انهيار التفاهمات فيما بينهم، لا سيما وأن تركيا تلعب دورا إيجابيا تجاه الروس في أزمتهم بأوكرانيا. لذلك فإن أي تصعيد عسكري سيكون من شأنه زيادة الضغوط على موسكو وأنقرة في هذا الوقت.

وبخلاف ذلك يعتقد أن الانشغال الروسي والتركي في أزمة أوكرانيا قد يفتح الطرف أمام أخرى فاعلة في المشهد السوري للاستفادة من حضورهم المحدود خلال الفترة الماضية، مثل دمشق وطهران.

بالنسبة إلى دمشق فإن بقاء إدلب حسب الوضع الحالي يُعتبر بمثابة تكريس لوضعها (الانفصالي) عن سلطتها، لذا فإنها دائما ما تسعى لتأجيج الأوضاع في المنطقة الشمالية بطرح عدة معادلات منها فتح المعابر الاقتصادية مع تلك المناطق، أو الترويج لمحاربة القوى الإرهابية هناك من أبرزها “هيئة تحرير الشام” من أجل البقاء على آمال إعادة ربط تلك المنطقة بمناطق سيطرة حكومة دمشق.

في حين فإن روسيا تريد كسب بقاء تركيا إلى جانبها في وقت يرتفع مستوى الاحتمالات القائلة بأن تركيا يمكن أن تزيد من مستوى تقاربها والتزاماتها مع القوى الغربية و”حلف الناتو”، سواء في سوريا أو حتى في عموم المنطقة، وهو أمر يعني تهديم حالة الشراكة التي كانت تجمعها بروسيا. لذلك ترى روسيا في إدلب خاصرة رخوة تستطيع عبرها أن توجه رسائل قاسية إلى تركيا، وتنبهها إلى أهمية ما كانت قد توصلت إليه من تفاهمات سياسية وعسكرية سابقة بشأن سوريا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.