“حتى المونة ما شفناها هالسنة“، تقول غادة السعدي (مدرسة تعيش في دمشق وأم في عائلة مكونة من خمسة أفراد)، متحدثة عن انخفاض استهلاك عائلتها من منتجات الألبان والأجبان، وأبرزها الجبنة البيضاء التي اعتادت على تموينها كل عام، لكن الأسعار المرتفعة جعلت عائلتها تتراجع عن فكرة المونة.

انخفاض استهلاكي حاد

استهلاك منتجات الحليب تراجع إلى نسب وصلت إلى 50 بالمئة، منذ بداية العام الجارية فقط، وسط تحذيرات بتهديد ذلك لقطاع إنتاج الحليب ومشتقاته، وسط عجز الحكومة عن تأمين المواد بسعر أقل أو دعم المنتجين في هذا القطاع، من أجل استمرارهم في العمل.

السعدي قالت في حديث لـ“الحل نت“، “خلال موسم الجبنة، اشترينا 3 كيلو منها، للاستهلاك الشهري وليس من أجل المونة، الأسعار كانت مرتفعة جدا، وصل سعر كيلو الجبنة إلى 30 ألف ليرة وهذا ضعف سعرها العام الماضي“.

السعدي أكدت أن الموسم الفائت، كان آخر مواسم تموين الجبنة، وأضافت “الموسم الماضي قمنا بتموين 20 كيلو من الجبنة، وكان سعرها نصف سعرها الموسم الحالي، مستوى الدخل الآن لا يسمح لنا بشراء هذه الكميات بعد ارتفاع الأسعار“.

بشيء من الاستياء تشير السعدي، إلى أنها لن تتمكن في معظم الأحيان من تحضير سندويشة الجبنة التي تحبها طفلتها سارة (9 سنوات، تدرس في المرحلة الابتدائية) وتزيد بالقول، “اعتادت سارة بشكل شبه يومي على اصطحاب سندويشة جبنة العام الماضي إلى المدرسة، في الغالب سيتم استبدالها بشيء آخر، عموما انخفض استهلاكنا من منتجات الحليب إلى حد كبير“.

عضو مجلس إدارة الجمعية الحرفية للألبان والأجبان في دمشق أحمد السواس قال، إن انخفاض استهلاك مشتقات الحليب وصل إلى 30 – 35 بالمئة في العاصمة دمشق وحدها، بسبب ضعف القدرة الشرائية للمواطنين، حيث انخفضت كمية استهلاك الحليب ما بين 50 إلى 60 طن يوميا، بسبب ارتفاع الأسعار.

قد يهمك: “تكلفتها تحتاج راتب“.. تزايد معاناة المواطنين مع قطاع الاتصالات في سوريا

السواس لفت في تصريحات نقلتها منصة “صاحبة الجلالة” المحلية الأربعاء، إلى أن الأسواق تشهد ركودا واضحا بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج وحوامل الطاقة، فضلا عن ارتفاع أسعار الأعلاف، ما انعكس سلبا على كميات الاستهلاك.

السواس أكد أن 25 بالمئة من الورش العاملة بهذا القطاع أغلقت أبوابها بحكم الوضع الاقتصادي، وبسبب ارتفاع التكاليف حيث أصبحوا يعتمدون على المعامل الكبيرة التي تنتج أكثر من صنف، والتي مازالت تعمل ضمن طاقاتها لأنها لا تتأثر بارتفاع سعر الحليب لأن البضاعة التصديرية لديها تغطي التكاليف.

من جانبه يؤكد عبد الله نعسان وهو صاحب متجر لبيع مشتقات الحليب في دمشق، أن البيع انخفض إلى حدوده الدنيا في الأشهر الماضية، ولم يعد بإمكانه استجرار كميات الحليب ذاتها، لأن الحليب معرّض للتلف السريع إذا لم يتم بيعه واستهلاكه.

نعسان قال في حديثه لـ“الحل نت“، “المهنة مهددة، تخيل أنني اضطررت لإدخال بعض المواد الغذائية والمنظفات وبيعها مع الألبان والأجبان، لأن تجارة مشتقات الحليب لم تعد تكفيني وتغطي تكاليف المتجر، خاصة مع عدم إمكانية التخزين بسبب قلة الكهرباء“.

نعسان أشار إلى أن سعر كيلو الحليب ارتفع نحو مئة بالمئة، مقارنة عما كان عليه مطلع العام الجاري، حيث يبلغ سعر كيلو الحليب 2800 ليرة سورية، وهو الذي كان بسعر يتراوح بين 1300 إلى 1600 مطلع العام، كما بلغ كيلو اللبن حاليا 3000 ليرة سورية، وهو ما جعل معظم الناس يستغنون عنه.

نعسان زاد بالقول حول هذه المشكلة، “العديد من المورّدين توقفوا عن توزيع الحليب ومشتقاته، هناك مزارع أُغلقت بسبب عدم قدرتها على التصريف وتغطية تكاليفها، أعتقد أن استمرار ارتفاع أسعار هذه المنتجات سيهدد القطاع بأكمله“.

خسائر في قطاع الألبان

تقرير سابق الحل نت“، نقل عن مصدر في الجمعية الحرفية للألبان والأجبان، قوله ،إن قطاع الألبان والأجبان يتعرض لخسائر كبيرة نتيجة التقنين الطويل تصل نسبتها إلى 25 بالمئة، وأغلب الحرفيين ليس باستطاعتهم تحمّل نفقة المولدات للسيطرة على الخسائر لذا خرج عن الخدمة حوالي 10 بالمئة، من العاملين في قطاع الأجبان والألبان.

ووفق المصدر فإن مادة الحليب مادة أساسية لا يمكن الاستغناء عنها، واليوم الحرفي عند تخفيفه من مادة الحليب للمنشأة يعني أنه خرج عن الخدمة وذهب الحليب إلى منشأة أخرى، مشيرا إلى أن أغلب الحرفيين يضطرون للوقوف عن الخدمة، أو تخفيض إنتاجهم بنسبة 50 بالمئة، ليتداركوا الوضع.

وبحسب التقرير، فإن قطاع الألبان والأجبان في سوريا تضرر بشكل ملموس خلال الآونة الأخيرة، حيث وصلت نسبة الضرر إلى جوانب متعددة، كما ازدادت خسائر الحرفيين في هذا القطاع إلى نسب عالية، نتيجة لفترات تقنين الكهرباء الطويلة ودرجات الحرارة العالية. إذ يعتمد عمل حرفيي صناعة الألبان والأجبان بشكل أساسي على حوامل الطاقة من المولدات الكهربائية التي تعمل بدورها على المازوت، وبالتالي يضطر الحرفي إلى شراء المازوت من السوق السوداء، حيث يتراوح سعر اللتر الواحد بين 5 و6 آلاف ليرة سورية.

تجدر الإشارة إلى توقف نسبة كبيرة من حرفيي صناعة الألبان والأجبان عن العمل، بالإضافة إلى الحرفيين الذين يمتلكون ورشا صغيرة وغير منتسبين إلى النقابة الحرفية ويخدمون مناطق معينة، كذلك فقد توقفت نسبة كبيرة منهم عن العمل لعدم تمكّنهم من الاستمرار في العمل، في ظل الظروف الصعبة ودرجات الحرارة العالية، وعدم قدرتهم على تأمين حوامل الطاقة وغيرها.

التحايل على الأزمات

يواجه السوريون في المناطق الخاضعة للحكومة السورية، صعوبة في التغلب على أزمات ارتفاع الأسعار المتكررة، فبدأت العائلات السورية بحذف العديد من الأصناف الاستهلاكية من قائمة المشتريات الشهرية، بهدف التوفيق بين الدخل والمصروف.

مع حلول العام الجديد 2022، ارتفعت أسعار المواد الغذائية في سوريا سواء الخضروات، والفواكه، أو المواد التموينية، أو اللحوم أو غيرها. ويبدو أن العام الجديد جلب معه العديد من التغييرات في الاقتصاد السوري، ويمكن أن تؤدي هذه التغييرات إلى نتائج غير متوقعة على العائلات السورية خصوصا وأن أغلبها بات يُصنّف ضمن الطبقة الفقيرة.

لا يبدو أن حكومة دمشق قادرة على ضبط أسعار السلع الغذائية بالتحديد، فقد فشلت جميع الآليات التي أقرّتها منذ بداية العام الجاري لضبط الأسعار، فضلا عن فشلها في فرض الأسعار الواردة في نشراتها الرسمية الصادرة عن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك.

كذلك يعتمد السوريون في مناطق سيطرة دمشق، على الإعانات الخارجية من أقاربهم وأصدقائهم من دول اللجوء لتغطية احتياجاتهم الأساسية بشكل شهري، وذلك بسبب ضعف القدرة الشرائية وانهيار الليرة السورية إلى أدنى مستوياتها، في ظل الغلاء المستمر لأسعار مختلف السلع والمواد الأساسية.

متوسط تكاليف المعيشة

بحسب آخر الدراسات فإن متوسط تكاليف معيشة الأسرة السورية، شهِد نهاية شهر أيلول/سبتمبر 2022، ارتفاعا بمقدار 563 ألف و970 ليرة سورية، عن التكاليف التي سُجّلت في شهر تموز/يوليو الماضي، لتصل إلى ما يقارب الـ 3.5 ملايين ليرة.

الدراسة التي نشرتها صحيفة “قاسيون“، قبل أسابيع أشارت إلى أنها اعتمدت طريقة محددة في حساب الحد الأدنى لتكاليف معيشة أسرة سورية من خمسة أشخاص، تتمثل بحساب الحد الأدنى لتكاليف سلة الغذاء الضروري (بناء على حاجة الفرد اليومية إلى نحو 2400 سعرة حرارية من المصادر الغذائية المتنوعة).

قد يهمك: “مازوت ما في والشتا قاسي“.. مدافئ غريبة تنتشر في الأسواق السورية

جاء في الدراسة أيضا، “ارتفع الحد الأدنى لتكاليف معيشة الأسرة بنحو 352,481 ليرة، منتقلا من 1,881,858 ليرة في تموز/يوليو إلى 2,234,339 ليرة في أيلول/سبتمبر، ما يعني أن التكاليف ارتفعت بنسبة وصلت إلى 19 في المئة، خلال ثلاثة أشهر فقط“.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.