لا يبدو أن الأزمة الليبية ستنتهي أو تصل إلى حلول في الأفق، خصوصا وأن “حكومة الوحدة الوطنية” لا تزال ترفض تسليم السلطة في طرابلس إلى حكومة فتاح باشاغا، المكلفة من البرلمان قبل 7 أشهر ونصف. 

المشهد الليبي يسير نحو التصعيد أكثر، فحكومة باشاغا مصرة على الدخول إلى العاصمة طرابلس والحكم منها، بينما حكومة عبد الحميد الدبيبة التي سحب البرلمان الليبي الثقة منها، ترفض تسليم السلطة بشكل سلمي.

في الجديد، ثمة تحركات غير معلنة لربط تحالفات جديدة، قد تفضي إلى تغير في موازين الوضع الراهن، تتعلق باجتماعات بين قادة في الداخل والخارج الليبي.

أبرز التحركات تتمثل باجتماعات احتضنتها بنغازي شرقي ليبيا، والزنتان غربي البلاد، لمناقشة ربط حلف بين قادة عسكريين للإعداد لحملة عسكرية تمهد لدخول حكومة باشاغا إلى العاصمة طرابلس، قابلتها زيارة معلنة لحكومة الدبيبة إلى تركيا لتوقيع اتفاقيات لتطوير دفاعاتها الجوية.

بنغازي احتضنت مؤخرا، لقاء ثلاثياً ضم قائد قوات خليفة حفتر، ورئيس الحكومة المكلف نيابيا فتحي باشاغا، وآمر المنطقة العسكرية الغربية اللواء أسامة جويلي، لمناقشة مقترح من الأخير يقضي بتشكيل قوة عسكرية كبيرة مؤلفة من قوات حفتر ومصراته والزنتان، لمحاولة دخول طرابلس عسكريا، وإجبار حكومة الدبيبة على ترك طرابلس، بحسب تقرير لصحيفة “العربي الجديد”. 

استعراض واستعداد

وفق عسكري مقرب من قيادة حفتر، فأنه تقرّر بعد لقاء بنغازي عقد لقاءات أخرى لاستجلاء الآراء، أكد أن الاستعراض العسكري الذي نظمه حفتر في سبها مؤخرا، يتعلق بنقل عدد من وحداته إلى الجنوب ووضعها في طور الاستعداد للتحرك في أوقات لاحقة. 

كان حفتر، نظّم استعراضا عسكريا في 17 تشرين الأول/أكتوبر الحالي، بمدينة سبها جنوبي ليبيا، أثار استفهاما حول توقيته وأسبابه، خصوصا وأن وحدات من “اللواء 106 مجحفل”، و”اللواء 128 معزز”، و”اللواء طارق بن زياد”، وهي أبرز وأقوى قواته، شاركت فيه. 

حفتر دعا أثناء الاستعراض، إلى “انتفاضة شعبية ضد الطبقة السياسية”، وأعلن عن جاهزية قواته لحماية الشعب في حال انتفاضته لتغيير الواقع. 

عقب اجتماع بنغازي، جرى اجتماع آخر في الزنتان غربي ليبيا، وشدّد المجتمعون فيه على ضرورة توحيد القوى العسكرية للسيطرة على طرابلس العاصمة.

في آذار/مارس الماضي، كلف البرلمان الليبي المتمركز في طبرقة شرقي البلاد فتحي باشاغا بتشكيل حكومة جديدة، لكن عبد الحميد الدبيبة، رئيس الوزراء المكلف في العام الماضي، رفض تسليم السلطة، مما أدى إلى صراع مطول بين الحكومتين المتنافستين لم ينته حتى اللحظة. 

حكومة باشاغا حاولت مرارا دخول طرابلس، ونجحت بالفعل الوصول إلى العاصمة في 17 أيار/مايو الماضي لممارسة مهامها من هناك، لكنها لم تتمكن من البقاء في طرابلس، بعد اندلاع مواجهات مسلّحة ببنها وبين حكومة الدبيبة التي لم تترك السلطة.

عقب ذلك، تحديدا في نهاية أيار/مايو المنصرم، دعا رئيس البرلمان الليبي، عقيلة صالح، الحكومة الليبية بقيادة باشاغا إلى بدء أعمالها من مدينة سرت، وأكّد الأخير حينها التزامه بمباشرة الأعمال دون اللجوء للعنف.

مقابل تحركات بنغازي والزنتان، لم تخفِ حكومة “الوحدة الوطنية” استعدادها لاحتمالات التصعيد العسكري الذي برز أول ملامحه في تنفيذ اللواء “444 قتال”، أكبر الألوية العسكرية التابعة لها، مناورة عسكرية في منطقة “بني وليد” جنوب شرق طرابلس، بعد يومين من استعراض حفتر لقواته في سبها. 

حراك إفريقي

“اللواء 444” الذي *علن أن مناوراته هدفها “رفع المستوى القتالي لوحدات الجيش الليبي، والذي يُحاكي معركةً حقيقيّة بالدبابات بين الجيش وقوّات العدوّ”، نشر عقب ذلك مجموعة من وحداته في مدينة “ترهونة” جنوب شرق طرابلس أيضا.

في ذات الاتجاه، أعلنت حكومة “الوحدة الوطنية” عن توقيع رئيسها عبد الحميد الدبيبة، بحضور رئيس أركان الجيش التابع له الفريق محمد الحداد، اتفاقا جديدا في تركيا لرفع القدرات العسكرية للطيران الحربي لجيش حكومة الدبيبة. 

بالإضافة لتعزيز المواقع العسكرية في “ترهونة” و”بني وليد”، يسعى الدبيبة لتعزيز أحلافه في مناطق غرب العاصمة طرابلس، عبر عزمه تكليف آمر قوة الأمن العام، الرائد عماد الطرابلسي، المنحدر من الزنتان، بمنصب وزير الداخلية بحكومته، سعيا منه لربط أحلاف مع قوى الغرب الليبي، لإضعاف خصومه في المدن الغربية، وخاصة مدينة الزنتان.

في السياق، ثمة حراك إفريقي لمنع انزلاق الأمور نحو التصعيد في ليبيا، والسعي لإيجاد حل سلمي للأزمة السياسية، خاصة وأن الأزمة الليبية تشكل حالة قلق على الصعيد الإفريقي، لا سيما وأن ليبيا محاطة بحدود جغرافية طويلة مع 6 دول أفريقية.

رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، استقبل مؤخرا وزير خارجية الكونغو، مبعوث الرئيس جان كلود جاكوسو، وبحثا معا المساعي المبذولة على المستويين الإقليمي والدولي من أجل التوصل إلى حل سياسي للأزمة الليبية، مجددا موقف المجلس الداعي إلى الإسراع بإيجاد حل سلمي للأزمة الراهنة بمشاركة الليبيين أنفسهم.

المنفي وجّه الدعوة إلى رئيس جمهورية الكونغو دينيس ساسو نغيسو، لزيارة ليبيا من أجل دعم جهود المجلس في إنجاح مشروع المصالحة الوطنية، وتحقيق الاستقرار والسلام في بلاده.

الأطراف الليبية تعوّل على البعثة الأممية ورئيسها الجديد السنغالي عبد الله باتيلي، في وضع خريطة طريق للحل في ليبيا، والعمل على تقريب وجهات النظر بين الفرقاء، وذلك للدفع نحو إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في أقرب وقت ممكن.

كان من المفترض أن تجرى الانتخابات الرئاسية والتشريعية الليبية مطلع العام الجاري، لكن الخلافات السياسية أدّت إلى تأجيلها لأجل غبر مسمّى، قبل أن يسحب البرلمان الليبي الثقة من حكومة الدبيبة التي كلّفتها في عام 2021 لتكون حكومة انتقالية لإجراء الانتخابات، وبعد الفشل بإجراء الاقتراع الرئاسي والتشريعي، كلف البرلمان باشاغا برئاسة الحكومة. 

القمة العربية تحل الأزمة؟

بحسب الباحث المتخصص في شؤون الأمن القومي محمد فريد، فإن المبعوث الأممي الجديد لدى ليبيا، عليه إعطاء الأولوية للجهود المبذولة لتثبيت اتفاق وقف إطلاق النار بين الأطراف المتصارعة، والإشراف  على إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية في أقرب وقت ممكن، وإدارة علاقات متوازنة مع أطراف الصراع سواء السياسية أو العسكرية.

فريد أردف في تصريح لصحيفة “الاتحاد” الإماراتية، أن المبعوث الأممي الجديد سيعمل على التواصل مع الفرقاء الليبيين كافة؛ كي يتمكن من إحراز تقدم في مسار الحل السياسي للأزمة، وإعادة بناء الثقة وإيجاد أرضية مشتركة للحوار يمكن الاتفاق عليها.

الأزمة الليبية لن تغيب عن مجربات القمة العربية التي ستحتضنها الجزائر في يومي 1 و2 تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، بل يتكون من أهم أولوياتها، بحسب مندوب الجزائر الدائم لدى “الجامعة العربية”، عبد الحميد شبيرة.

شبيرة أكد أن بلاده تبذل جهودا كبيرة، في سبيل تسوية الوضع في ليبيا بين حكومتي باشاغا والدبيبة، وتنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية دون تدخل أجنبي بأقرب وقت ممكن لإنهاء الأزمة الراهنة.

محمد المنفي قال خلال زيارته للجزائر منذ أيام قليلة، إن “دور الجزائر مهم خاصة في القمة العربية، للخروج بموقف عربي موحد بشأن ليبيا خلال القمة المرتقبة”، والتي سيشارك فيها المنفي ممثلا للدولة الليبية.

أما الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، عبّر خلال لقاء المنفي، عن الأمل في أن “يكون العام 2023 هو عام نهاية المأساة لليبيين، وأن تنعقد الانتخابات الرئاسية والتشريعية دون تدخل خارجي”.

التحركات لبناء تحالفات سياسية جديدة بين حكومة باشاغا من جهة وحكومة الدبيبة من جهة نانية، ستؤثر في فرض واقع جديد أمام المساعي الأممية الجديدة، التي قد تهدف إلى دفع البلاد نحو مرحلة سياسية جديدة لمنع التصعيد العسكري والدخول بحرب كبيرة بين الحكومتين، بحسب “العربي الجديد”.

في النهاية، المجتمع الدولي يستشعر بشكل جدي خطر التصعيد بين حكومتي باشاغا الرامية لدخول طرابلس وحكومة الدبيبة الرافضة للتنازل، لذلك يبذل كل جهده لتسوية الأزمة، لأنه في حال حدوث التصعيد سيصبح من الصعب إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في ليبيا. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.