الكثير من الترجيحات السياسية أشارت مؤخرا إلى تأثير التوتر الدبلوماسي الحالي بين روسيا وإسرائيل على خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا، على التنسيق العسكري بين الجانبين في سوريا.

العلاقات الإسرائيلية الروسية، توترت الشهر الماضي، عقب اتهام وزير الخارجية الإسرائيلي، يائير لابيد، روسيا بارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا، فيما زادت حدة التوتر في الأيام الماضية إثر تصريحات لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.

وقال لافروف، في تصريحاته، إن ”الزعيم الألماني النازي أدولف هتلر كان دمه يهوديا على الرغم من حملة الإبادة التي شنها ضد اليهود“.

تقديرات متعددة

وتشير التقديرات الإسرائيلية إلى سيناريوهات معقدة للتنسيق بين تل أبيب وموسكو خلال الفترة المقبلة بشأن العمليات في سوريا، مع تحذيرات من إمكانية عدم قدرة سلاح الجو الإسرائيلي على ضرب أي هدف عسكري بسوريا في حال تصاعدت الأزمة بين البلدين أكثر من ذلك.

وقال تقرير لصحيفة ”جيروزالم بوست“ الإسرائيلية إن ”التوتر بين روسيا وإسرائيل سيؤثر على عمليات الأخيرة في سوريا“، مشيرا إلى أن ”تل أبيب قد لا تتمتع بالقدر ذاته من الحرية للعمل في سوريا“.

وأوضح التقرير، أنه ”كان لدى تل أبيب وموسكو تفاهمات ودية بشأن سوريا منذ التدخل الروسي العسكري في الحرب السورية عام 2015″، مشددا على أن العلاقة في عهد رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو، كانت تدار بطريقة ”معقدة وحذرة“.

وأضاف التقرير ”هذا لا يعني أن إدارة نتنياهو للقضية الروسية كانت ناجحة دائما، بل كانت هناك انتقادات من موسكو للإجراءات الإسرائيلية في سوريا، لكن العلاقات استمرت مع ذلك“، لافتا إلى أنه ومع التوترات الجديدة بين البلدين، فإن هناك تساؤلات حول ما إذا كان هناك عواقب على علاقتهما الأوسع.

ارتفاع حدة الخلافات

لقد ارتفعت خلال الأيام القليلة الماضية حدة التوتر بين روسيا وإسرائيل، على خلفية عدة قضايا، أهمها الموقف الإسرائيلي من تدخل موسكو في أوكرانيا، حيث وجه وزير الخارجية يائير لابيد نقدا للحرب الروسية هناك واعتبرها جريمة حرب.

كذلك أيدت إسرائيل طرد روسيا من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وعلى إثر ذلك استدعت وزارة الخارجية الروسية السفير الإسرائيلي في موسكو أليكس بن تسفي للمثول أمامها الاثنين احتجاجا على الموقف الإسرائيلي.

وعلى الرغم من أن الحكومة الإسرائيلية ككل لم تعلق بشكل واضح على التدخل الروسي في أوكرانيا، إلا أن هذا التوتر الحاد بينهما إثر تصريحات لابيد يشي بوجود اختلاف في وجهات النظر حول هذا الملف، لكن يبقى السؤال إلى أي مدى يمكن أن يصل هذا الخلاف والتوتر؟

الباحث السياسي المتخصص في الشؤون الروسية، محمود حسني قال لـ”الحل نت” إن “التوتر بين الطرفين لا يقتصر على الملف الأوكراني فقط، حيث ظهر توتر آخر بينهما حول حوش الكسندر الأرثوذكسي في القدس والذي تطالب روسيا بملكيته”.

مبينا أن هذه القضية تم نقاشها في زمن رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو، الذي وعد وقتها الرئيس الروسي بوتين بنقل ملكية الحوش لموسكو، “هذا الموضوع دخل المحاكم الإسرائيلية، ولم تحل القضية بعد، ورسميا الكرملين يقول لإسرائيل أعطونا هذا الحوش كما وعدتم”.

كما لفت بأن التصريحات في الداخل الإسرائيلي المناهضة لروسيا تزداد ليس فقط في الإعلام أو الشارع، إنما في إطار السياسة الإسرائيلية.

وبالعودة إلى تقرير الصحيفة الإسرائيلية فإن ”الحكومة الإسرائيلية الحالية حاولت مواصلة التسوية المؤقتة في سوريا، وواصل سلاح الجو الإسرائيلي غاراته الجوية“، مبينا أن فقدان تل أبيب للتدابير الأمنية المعمول بها مع موسكو في سوريا سيكون بمثابة مشكلة إستراتيجية لسلاح الجو الإسرائيلي.

وحسب التقرير، فإن إسرائيل تواجه في الوقت الحالي سيناريوهات عدة بشأن العلاقة مع روسيا بالملف السوري، مبينا أن السيناريو الأول يتمثل بـ“بقاء كل شيء على ما هو عليه، واستمرار التنسيق العسكري والأمني بين البلدين“.

وقال التقرير إن ”إسرائيل وروسيا يمكنهما العمل في الملف السوري بغض النظر عن وجهة النظر المختلفة للبلدين فيما يتعلق بالحرب في أوكرانيا“، مشيرا إلى أن ذلك مبني على وجود بعض المصالح المشتركة بينهما في أماكن أخرى.

وأضاف التقرير ”روسيا تريد علاقات جيدة مع إسرائيل، وقد ترغب في قول شيء وفعل شيء آخر، وموسكو لا ترغب عادة في التخلص من تلك العلاقات التي عملت عليها لسنوات، كما أنها تواجه عقبات في أوكرانيا ولا تريد توترات بشأن سوريا، وهذا يعني أنها قد تكون مدفوعة بعدم تغيير موقفها من سوريا“.

من المعلوم أن إسرائيل على الرغم من وجود روسيا في سوريا إلا أنها تقوم بين الفترة والأخرى بقصف الأراضي السورية دون تدخل روسي للتصدي لها عبر الدفاعات الجوية.

كذلك هناك تنسيق بين الطرفين حول الملف السوري والتحركات الإسرائيلية داخل سوريا، مما يدفع للتساؤل حول تأثير استمرار التوتر بين الطرفين خاصة إذا ما زاد منسوبه على التنسيق بينهما في الملف السوري.

سيناريوهات

إن سياسة الباب الخلفي بينهما في سوريا سوف تستمر، بالتالي سيبقى هناك اتفاق بينهما ولن يتم تغييره بمعنى عدم تعرض الدفاعات الجوية الروسية للطيران الإسرائيلي.

لقد أشار تقرير الصحيفة الإسرائيلية إلى أن روسيا تقوم بتغيير وجهة نظرها حول دور إيران في سوريا، مبينا أن هناك تصادما بالأساس بين رؤية موسكو ورؤية طهران المختلفتين للملف السوري.

وأكد التقرير أنه ”على الرغم من أن إيران وروسيا تريدان خروج الولايات المتحدة من سوريا؛ إلا أن موسكو تريد تقوية الحكومة السورية بشكل تدريجي، في حين تريد طهران ردم كل فراغ في السلطة بميليشياتها الخاصة والتخلص من سوريا“، وفق تعبيره.

أما السيناريو الثالث، وهو الذي يمكن أن يثير المخاوف الإسرائيلية، فيتمثل في أن ”تغير روسيا وجهة نظرها قليلا وتشجع إيران على التمتع بمزيد من حرية العمل في أجزاء من سوريا، وأن تسمح للإيرانيين بنقل المزيد من الصواريخ للأراضي السورية“، وفق التقرير.

وأضاف ”يمكن لروسيا أن تسمح لإيران بتعزيز دفاعاتها الجوية في سوريا، وأن تمنحها شيكا على بياض بالعمل بالقرب من قاعدة حميميم الجوية الروسية“؛ ما سيصعب مهمة إسرائيل في قصف الأهداف الإيرانية بسوريا.

ووفق التقرير، فإنه وحسب السيناريو الرابع، ”يمكن لروسيا أن تساعد الدفاعات الجوية السورية، خاصة وأنها زودت الجيش السوري بمنظومة إس-300 بعد حادث أسقطت فيه سوريا طائرة روسية“، مشيرا إلى أنه يمكن لموسكو أن تمنح دمشق المزيد من المعلومات الاستخباراتية أيضا.

وأشار التقرير إلى خيارات أخرى لروسيا بشأن الخلافات مع إسرائيل، تتمثل في إحراج تل أبيب بشكل أكبر فيما يتعلق بالعمليات الإسرائيلية في سوريا عبر بيانات الإدانة والمواقف شديدة اللهجة في الأمم المتحدة وغيرها من المحافل الدولية.

وأثار هذا التوتر تساؤلات حول تغيير روسيا لقواعد اللعبة في سورية مع الجانب الإسرائيلي، خصوصا بعد اعتراض موسكو مؤخراً على قصف سلاح الجو الإسرائيلي مواقع بريف دمشق، وتأكيد “الخارجية الروسية” أن القصف “يثير قلقا عميقا، وانتهاكا صارخا لسيادة سوريا”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.