“الجامعات صارت خزان للبطالة في سوريا”، صدمة سوق العمل خلقت لدى خريج كلية الاقتصاد في جامعة دمشق، عمر الجاموس، صورة نمطية مفادها أن الذهاب للجامعة لم يعد يفض إلى نتيجة، خصوصا وأنه بات أمام خيارين إما التنازل عن الشهادة والعمل في الأعمال الحرة أو الجلوس مضطجعا في البيت حتى تأتيه الفرصة المستحيلة.

من بين محاور شتى، تضيف التجربة السورية في توظيف الشباب بعدا جديدا يتعلق بالحاجة إلى التخلي عن الدرجة العلمية لصالح العمل الآمن، مرورا بالنقاش المستمر حول العلاقة بين نتائج التعليم العالي في سوريا وسوق العمل.

فالعديد من خريجي الدراسات الجامعية الحديثة قد يعملون في الأعمال الخدمية كالمطاعم، وسيارات الأجرة، وما إلى ذلك، أو في المهن الحرة، الأمر الذي يثير عددا من المشاكل فيما يتعلق بالآفاق المستقبلية لطالب الكلية الذي لم يدرس من أجل الميدان الذي يجد نفسه فيه الآن مقابل دخل يكفي لتغطية احتياجاته الأساسية، ولا ينبغي أن يفكر حتى في وظيفة في القطاع العام نظرا للتحدي الكبير الذي يواجهه الدخول وانخفاض الأجر الشهري.

واقع مرير تفرضه المعادلات

هذه الصيغة التي يرفضها بعض الخريجين، ويتقبلها البعض الآخر، فرضتها كما يقول الجاموس لـ”الحل نت”، صعوبة المعادلة الخاصة بأعداد الخريجين من جهة، والميزانية المتوفرة للجهات الحكومية من أجل ملف التوظيف، من جهة ثانية.

بموجب هذا الشرط، لا يحق للمستفيدين من الوظيفة، من خريجي الجامعات السورية على اختلاف مؤهلاتهم العلمية، المطالبة لاحقا بأي تعديل في أوضاعهم الوظيفية، أو علاقتهم الإدارية بالمؤسسة التي ينتسبون إليها.

وعن ذلك، يشير الجاموس، إلى أنه “لا يمكن أن تضيع سنوات دراستنا الجامعية، لمجرد خطة إسكات انتهجتها الحكومة، للتخلص من نمط عقود ما قبل التشغيل، خصوصا وأنه لا يوجد قانون واضح يلزم المؤسسات السورية بإدماج الشاب المتخرج حديثا حتى في القطاعات التي تشهد انكماشا”.

وبالإضافة إلى ذلك، ينبغي التشديد على أن ربط سوق العمل بالجامعات مسؤولية مشتركة، لأنه يسهم في الحفاظ على الكوادر البشرية الشابة، رغم أنه من المتفق عليه أن المهمة الرئيسية للجامعات والمعاهد هي التعليم والتخرج وأن التوظيف ليس من بين أولوياتها. 

ولا أحد يريد أن يواجه الحقيقة المؤلمة المتمثلة في وجود فجوة ضخمة بين التعليم والعمل، وخاصة في القطاعات الخاصة التي لا تبذل أي جهد لاجتذاب وتدريب الخريجين. ولكن، بالنظر إلى أن القطاع العام فإن مسؤوليته انحصرت في إجراء مسابقات لخلق تعيينات صغيرة جدا بالمقارنة مع نسبة الخريجين العاطلين عن العمل.

دائرة البطالة تتسع

في الوقت الذي تتسع فيه مساحة الجوع والفقر والبطالة في سوريا وسط أزمات اقتصادية متصاعدة بسبب الحرب ومسكنات دولية عبر مساعدات إنسانية محدودة، تتكدس بشكل مضطرد أعداد غفيرة للشباب الخريجين من الجامعات السورية على رصيف البطالة.

الأستاذ في كلية الآداب بجامعة دمشق، محمد دعبول، يرى في حديثه لـ”الحل نت”، أنه “لغاية اليوم، تستمر الإحصائيات في إدانة المجتمع بتحمل مسؤوليته عن خسارة مستقبل الشباب، الذين ينفقون مليارات الليرات على تعليمهم، في حين أنهم يختبئون خلف عبارة الشغل ليس عيبا”.

وكان من الواضح أن دعبول الذي بدا الإحباط عليه من هذه العبارة، يفسر لهم ذلك، باضطرار خريجو الجامعات السورية للعمل بدلا من الجلوس في البيت أو العمل في المهن الحرة وتكبد قدرا كبيرا من المعاناة، من أجل تجاوز تحديات الحياة التي يمكن تلخيصها بأنه المعيل الوحيد لأسرته.

في نهاية أيلول/سبتمبر الفائت، كشف الباحث الاجتماعي ومدير “المرصد العمالي للدراسات”، جمعة حجازي، أن مشكلة البطالة لا تزال تؤرق الاقتصاد السوري رغم كل السياسيات الاجتماعية والاقتصادية، حيث تضاعفت المشكلة خلال العشر سنوات الماضية.

وأوضح أن نسب التشغيل لا تزال منخفضة، حيث تراجعت من 36 إلى أقل من 31 في المئة، كما أن النمو الطبيعي لإجمالي قوة العمل تراجع حتى عام 2017 ليعاود للارتفاع التدريجي بداية عام 2018. 

واعتبر حجازي أنه “حتى الآن لم يتم استعادة حجم قوة العمل الذي كان في 2010 والذي بلغ 5.5 ملايين، وتراجع بشكل واضح في 2014، ليبدأ التحسن في 2018 مع العودة التدريجية للذكور في 2019 إلى قوة العمل، لكن الزيادة النسبية لقوة العمل بقيت بعيدة عن مستواها المسجل في 2010”.

مشكلة البطالة، تقف كإحدى أكبر المشكلات التي يعاني منها السوريون وخاصة في السنوات الأخيرة، ففي آب/أغسطس 2021، كشف الباحث الاقتصادي شامل بدران، عن تراجع معدل النمو في سوريا إلى معدلات قياسية، مع ارتفاع معدل التضخم في الاقتصاد إلى نحو 878 في المئة، ووصل معدل البطالة إلى 31.4 في المئة.

التنازل الأكبر

وفقا لما أوردته صحيفة “البعث” المحلية، أمس الاثنين، فإن هناك مجتمع جامعي شبابي كبير يعجّ بالبطالة وخيبات الأمل، فبدلا من استثمار هذه الطاقات الشبابية بكافة الفروع، العلمية أو الأدبية، وتنميتها وتوجيهها إلى المنحى الصحيح لتساهم في تطوير البلد والمضي به بعد هذه الأزمة الطاحنة، يتمّ تجاهل قدراتهم ودفعهم بطريقة غير مباشرة للهجرة.

في سوريا يوجد نحو 14 جامعة منها ست جامعات حكومية، وتستوعب في كل عام حوالي نحو 163 ألف طالب ممن نالوا شهادة الثانوية العامة.

آخر إحصائية لوزارة التعليم العالي في سوريا، تعود حسب ما رصده “الحل نت” على موقعها الرسمي لعام 2015، حيث ذكرت أن عدد المتخرجين من كافة الجامعات السورية الخاصة والحكومية والمعاهد التقنية التابعة للوزارة في هذا العام بلغ 54455 طالب، في حين أن موقع الجامعة “الافتراضية” وحدها يشير إلى أنه خلال 3 سنوات سابقة تم تخريج حوالي 12968.

وعلى الرغم ما يشهده التعليم العالي في سوريا من تدهور متواصل منذ عام 2011، ما أثّر على ترتيب الجامعات السورية، واعتماد الدول لشهاداتها، جراء استفحال الفساد والمحسوبيات في الكوادر الإدارية والتدريسية وانتشار عمليات التزوير في ظل غياب الرقابة العلمية، إلا إن ذلك لم يمنع الجاموس ومئات آلاف الطلبة السوريين من إكمال تعليمهم.

لكن بالمحصلة، كانت النتيجة وفق ما يرويه الجاموس، أن تتنازل عن شهادتك الجامعية مقابل الحصول على عمل في سوق مهن حرة الذي هو الآخر بات مزدحما، ولكن تكنيك الحياة المعيشية في سوريا فرض ذلك عليه وعلى العديد من زملائه الذين تخرجوا منذ نحو 3 أعوام ولم يحصلوا على وظيفة مرموقة؛ كنتيجة حتمية لما أنفقه من مال وجهد للحصول على شهادة علمية.

فرص عمل الشباب وسبل عيشهم في سوريا

خلال العقد الذي سبق عام 2011 في سوريا، بلغ متوسط النمو الاقتصادي 4.5 بالمئة سنويا، بينما انخفضت معدلات البطالة في صفوف الشباب من 26 بالمئة في العام 2001 إلى 20 بالمئة في 2010. جاء ذلك نتيجة النجاح الملحوظ الذي حققته البرامج المُعدة لإدماج الشباب اقتصاديا، من قبيل برامج تنمية المشاريع الحرة وريادة الأعمال، رغم الصعوبات التي واجهتها بسبب تفشي الفساد والمحسوبية. 

لكن منذ العام 2011، أدى الانهيار الاقتصادي المصاحب للصراع إلى خسائر فادحة في فرص عمل الشباب في القطاعين العام والخاص. وارتفعت معدلات بطالة الشباب ارتفاعا بالغا وصل إلى 78 بالمئة في العام 2015، ورغم النمو الذي شهدته المشاريع الحرة في بعض المناطق، في محاولة للتأقلم ومسايرة الأوضاع، فقد بات الوضع اليوم خطيرا للغاية لدرجة أن استراتيجيات سبل العيش المتاحة لم تعد كافية لتلبية الاحتياجات الأساسية.

بحسب الدكتور دعبول، فإن أي مناقشة تدور حول دور المنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية في تلبية احتياجات الشباب في سوريا فيما يتعلق بسبل العيش وفرص العمل، لا تتحلى بالواقعية والصدق.

أخيرا، يرى خريجو الجامعات السورية أنه لا بد أن تتسم برامج التعليم التي تركز على تنمية المهارات القابلة للتحويل والمشاركة المجدية في المجتمع بأهمية حاسمة في تعزيز الإدماج الاقتصادي والقدرة على العمل. فالآن في سوريا هناك نوعان من الشباب الذين هم في وضع غير مؤات، هؤلاء الذين لا يزالون في الجامعات ويواصلون دراستهم، ولكنهم سيتخرجون إلى سوق عمل لا يمكن استيعابهم، وأولئك الذين تخرجوا من الجامعات.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.