عاد الوضع السياسي في ليبيا حاليا ليشهد تكرارا للانقسام الذي اتسمت به الحرب في 2014-2020، والتي شهدت تقسيم البلاد إلى قسمين: شرق وغرب. في هذا التقسيم، فرض تمثيل الغرب في منطقة طرابلس، بينما يتم تمثيل الشرق في منطقتي برقة وفزان.

يوم أمس الاثنين، أعلن قائد الجيش الليبي، خليفة حفتر، عن الاقتراب من اتخاذ ما وصفه بالقرار الحاسم لتحديد المسار نحو “استعادة الدولة”، حيث قال”سنتحرك انسجاما مع إرادة الشعب الليبي بعد أن أوصلتنا كل المسارات السابقة إلى طريق مسدود ونتائج مخيبة”.

هذا التصعيد يأتي بعد أن توسعت الخلافات وازدادت التوترات بين القوى السياسية المتنازعة في ليبيا على خلفية الاتفاق الأخير الذي وقعته حكومة “الوحدة الوطنية” المؤقتة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، مع تركيا في مجال التنقيب على النفط والغاز في البحر المتوسط، والذي منح أنقرة امتيازات عديدة في قطاع الطاقة، واعترضت عليه عدّة قوى إقليمية ومحلية، من بينها مصر وقيادة الجيش الليبي والبرلمان الليبي.

زيادة في النشاط التركي المفاجئ، أثار العديد من التساؤلات حول عودة المعارك إلى ليبيا، واحتمالية أن تنعكس الاتفاقية التركية الجديدة مع ليبيا في علاقتها مع القاهرة التي شهدت تعاونا واستعادة العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين وتدخل مصر في المفاوضات مع ليبيا لتحسين الوضع الأمني ​​في ليبيا.

صفقة تركيا تصعد التوترات في البحر المتوسط

بعد إعلان تركيا في الـ3 من تشرين الأول/أكتوبر الفائت عن توقيعها مذكرتي تفاهم في مجال عمليات التنقيب على الغاز والاستثمار النفطي، مع حكومة الدبيبة المنتهية مدتها، شهدت الأراضي الليبية تحركات واستعراضات عسكرية من الجانبين، حيث قامت حكومة الدبيبة مؤخرا بدعم كافة التمركزات الأمنية في المنطقة الغربية والوسطى، كما أجرت قواتها مناورات لرفع جاهزيتها وتعزيز استعداداتها، وذلك بعد أيام من استعراض عسكري لقوات الجيش الليبي في مدينة سبها جنوب البلاد بحضور الجنرال حفتر.

على الرغم من عدم الكشف عن تفاصيل المذكرة بعد، يقول الخبير في الشأن الليبي، علي أحميدة، لـ”الحل نت”، إن هدف أنقرة هو استخدام الاتفاقية كأساس قانوني على الرغم من أن هذا محل خلاف بشكل عام؛ لإرسال سفن التنقيب التركية إلى المياه جنوب جزيرة كريت اليونانية والبدء في التنقيب في المنطقة الاقتصادية الخالصة باليونان، الأمر الذي سيؤدي بالتأكيد إلى تصعيد التوتر بين أثينا وأنقرة.

تأتي الصفقة التركية الجديدة وفق أحميدة، استكمالا لما تم توقيعها في عام 2019، والتي تستند إليها مذكرة التفاهم الحالية، حيث تجاهلت مطالبات اليونان بالمناطق الاقتصادية الخاصة بها، بموجب القانون الدولي، ولا سيما تلك في كريت، أكبر جزيرة يونانية، والتي تضم القواعد العسكرية اليونانية والأميركية، وكذلك جزر رودس وكاستيلوريزو.

وفقا لحديث أحميدة، فإن أن أنقرة توصلت إلى اتفاق مع حكومة واحدة فقط من أصل حكومتين تتنافسان على السيطرة على العاصمة الليبية طرابلس. تم توقيع مذكرة التفاهم مع حكومة رئيس الوزراء في طرابلس عبد الحميد دبيبة، بينما وعدت الحكومة الشرقية المنافسة بقيادة فتحي باشاغا، المدعوم من البرلمان، بإلغاء الصفقة، قائلة إن الحكومة في طرابلس ليس لديها سلطة عقد الاتفاقيات الدولية، وهذا من شأنه حتميا عودة الصراع إلى داخل البلاد.

الجدير ذكره، أن عقيلة صالح، رئيس البرلمان الليبي، بعث في رسالة إلى الأمم المتحدة، إن الاتفاق غير قانوني لأن تفويض الحكومة المؤقتة التي تتخذ من طرابلس مقرا لها انتهى في كانون الأول/ديسمبر الماضي، إلا أن تركيا لم تأخذ هذه الرسالة بعين الاعتبار وأرسلت هي الأخرة مذكرة لإيداع الاتفاقية لدى الأمم المتحدة.

تعليق الحوار مع أنقرة

مع استمرار تركيا بتوقيع اتفاقيات مع حكومات تسيطر على جهة واحدة من ليبيا، تواجه السياسة الخارجية اليونانية خيارات صعبة بعد التقارير الواردة من ليبيا، والتي تشكل التحدي الأول للسياسة الخارجية اليونانية.

في المقابل، لا يستبعد أحميدة خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن تدخل تركيا ومصر في مواجهة مباشرة حول السيطرة على التطورات في ليبيا، حيث يبدو أن القاهرة مصممة بأي شكل من الأشكال على منع تدخل النفوذ التركي في الدولة العربية المهمة في شمال إفريقيا، والتي تتعلق نتيجتها باليونان مباشرة.

هذه المنافسة بنظر أحميدة، لا تتعلق فقط بإبقاء موارد الطاقة الغنية في ليبيا خارج سيطرة تركيا، بل لها بعد أكبر، حيث إنها تتعلق بجهود مصر، أكبر دولة عربية، لمنع تدخل تركيا في العالم العربي وخلق مجال لنفوذ أردوغان في منطقة العرب.

مع ظهور مخاوف مصر الاتفاقات التركية على العلن، من المفهوم إلى حد كبير أن أثينا ستحاول إيجاد أرضية مشتركة واتباع خيارات القاهرة، خصوصا وأن وزير الخارجية المصري سامح شكري، صرح الاثنين الفائت، أنه لم يتم استئناف مسار المباحثات مع تركيا لأنه لم تطرأ تغيرات في إطار الممارسات من قبل أنقرة.

شكري أضاف في تصريحات متلفزة، أن الأمر يرجع مرة أخرى إلى ضرورة الالتزام بالمعايير والقواعد الدولية. مشيرا إلى أنه من الأمور التي تثير القلق هو عدم خروج القوات الأجنبية من ليبيا حتى الآن وعدم اتخاذ إجراءات حاسمة لتحقيق هذا الهدف، لافتا إلى أن ذلك يبرهن على أن المجتمع الدولي يعمل لتحقيق المصالح وليس لاعتماد مبادئ يجب أن تكون راسخة في إدارة العلاقات الدولية.

تواصلت هذه المواجهة حتى يوم الأحد الفائت، حيث فرض شكري في الاجتماع الوزاري لجامعة الدول العربية في الجزائر العاصمة، تعديل على البيان المشترك للقمة التي تنعقد اليوم الثلاثاء، والذي بموجبه يجب أن تكون هناك “حكومة موحدة” تمثل كل الليبيين، لإنهاء المرحلة الانتقالية، وهو بند لم توافق عليها وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش، لأن هذا البيان ينزع الشرعية عن حكومة الدبيبة الحالية.

باعتقاد أحميدة، فإن مصر لا تتصرف بمفردها، بل بالتعاون الكامل مع فرنسا، فالهدف المشترك هو الحد من توسع سيطرة أنقرة على مصادر الطاقة والبنية التحتية في ليبيا، حيث ترى القاهرة في النشاط التركي في قطاع الطاقة الليبي تهديدا للتحول المخطط لمصر إلى مركز لتصدير الغاز الطبيعي لشرق المتوسط ​​عبر محطات الغاز الطبيعي المسال التي تعمل بالفعل في الأراضي المصرية، حيث تضغط تركيا نحو ضخ الغاز النيجيري عبر ليبيا إلى شرق البحر المتوسط​، بدلا من المسار المخطط له عبر الجزائر والمغرب من أجل السيطرة على مصدر الطاقة التي تذهب لأوروبا.

إعلان رسمي

اتفاق الطاقة التركي الليبي المثير للجدل والذي يهدد الاستقرار في شرق البحر المتوسط، فضلا عن أنه يمهد لاستمرار حكومة الدبيبة التي انتهت مدتها، اشتعال الصراع الداخلي في البلاد، خصوصا وأن قائد الجيش الليبي يؤكد على أن التجارب أثبتت أن “أي حل شامل أو مبادرة لن يكتب لها النجاح إلا بمصادقة الشعب الليبي عليها”.

حفتر، أضاف خلال المقابلة التي بثها تلفزيون “المسار” الليبي، “نقترب اليوم من اتخاذ القرار الحاسم بإرادة شعبية خالصة لتحديد المسار نحو استعادة الدولة، سنتحرك انسجاما مع إرادة الشعب الليبي بعد أن أوصلتنا كل المسارات السابقة إلى طريق مسدود ونتائج مخيبة”.

كما ذكر في معرض حديثه، أن القيادة العامة للجيش “تحث الشعب الليبي على التمسك بحق تقرير المصير وعدم الاعتماد على الأجندات الخارجية”، متهما أطرافا لم يسمها بالسعي “لإدارة الأزمة دون حلها بهدف إطالة عمرها بحجج واهية ومبادرات مشبوهة”.

قائد الجيش، اعتبر أن المشهد الليبي بات يختلف عما كان عليه من قبل، لافتا إلى أنه “يشهد حراكا شعبيا يتنامى لإحداث التغيير الجذري”، مؤكدا على ضرورة إخراج القوات الأجنبية من البلاد، ومحذرا من أنه “إذا فشلت المساعي السلمية في ذلك، سنخوض معركة فاصلة من أجل تحرير البلاد”.

أخيرا، يبدو أن أنقرة تستغل الجمود الجمود السياسي لزيادة نفوذها في ليبيا وتطوير استكشافاتها من النفط والغاز، حيث يؤكد المحللون أن المأزق السياسي وعدم الاستقرار في ليبيا يؤثر تأثيرا مباشرا على صناعة النفط في البلاد، التي شكلت صادراتها 8.2 بالمئة من واردات الاتحاد الأوروبي من النفط في عام 2021، وهذا بدوره من الممكن أن ينعكس في علاقتها مع القاهرة التي شهدت تعاونا واستعادة العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين، وتدخل مصر في المفاوضات مع ليبيا لتحسين الوضع الأمني ​​في ليبيا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة