تحاول فيكتوريا ريس، إحدى العابرات جنسياً في العراق، الخروج من البلاد والعاصمة بغداد، نحو أي وجهة، لا تهدد حياتها بالخطر، وهي في الخطوات الأخيرة للخروج من البلاد، وتقول إنها تفضل الغرب وكندا تحديدا.
“أواجه التمييز على أساس النوع الاجتماعي وضغط اجتماعي بشكل كبير. أحاول التأقلم مع الوضع قدر الإمكان”، تقول ريس.
ريس لم تصرح باسمها في الهوية الثبوتية؛ لأنها تخشى من التبعات الاجتماعية والقانونية، لكنها اختارت أن يكون اسمها الرسمي الدارج فيكتوريا ريس، بعد أن أجرت عملية العبور الجنسي من ذكر إلى أنثى قبل 5 سنوات في إيران.
لا تعرف عائلة ريس أنها من العابرات جنسياً في العراق، لكن تراودهم الشكوك في ذلك، مما أثر سلبا على حياتها الاجتماعية، بحسب حديث فيكتوريا التي تبلغ من العمر 24 عاما، مع “الحل نت”.
لا توجد إحصائية رسمية عن عدد العابرات جنسيا في العراق، لكن المؤشرات تقول إنهن يشكلن مع العابرين جنسيا و”مجتمع الميم”، الآلاف في البلاد.
بداية العنف مع نظام صدام حسين
تواجه العابرات جنسيا الاضطهاد والعنف والقتل بشكل شبه يومي، وذلك الاضطهاد بدأ منذ التسعينيات عندما أقر نظام صدام حسين “الحملة الإيمانية” بحجة العودة إلى الإيمان.
ترتب على “الحملة الإيمانية” إصدار مرسوم يجرم “مجتمع الميم” بشكل عام، على أن تكون العقوبة هي الإعدام، ونفذت مئات الأحكام بقرارات قضائية.
للقراءة أو الاستماع: «العنف الجنسي» الواقع على “العابرات جندرياً” خلال النزاع السوري
كانت “تُقطع رؤوس النساء بالسيف أمام الناس”، وترمى الجثث ليلا أمام منازل أهلهن، ووثقت ذلك “منظمة العفو الدولية” في تقريرها عن حقوق الإنسان في العراق، الصادر عام 2002.
عملية عبور سرية
تقول فيكتوريا ريس، إنها بدأت تشعر بكونها أنثى لا ذكر منذ سن العاشرة، وذلك من خلال عدم ارتياحها جسديا ونفسيا. بمرور الأيام بدأت التغيرات البايلوجية والنفسية تتغير بشكل ملحوظ، لكنها أخفت ذلك على العائلة خوفا من عدم تقبلها للأمر.
عملت ريس في عدة أماكن من أجل جمع المال، سعيا لإجراء عملية العبور الجنسي، وبالفعل جمعت المال، لتذهب إلى إيران وأجرت العملية ثم عادت إلى عائلتها.
تقول ريس: “لقد أخبرتهم بأني سأذهب للسياحة، وبقيت هناك لفترة بعد عملية العبور الجنسي ثم عدت دون أن أخبرهم ودون أن يعلموا بأي شيء”.
“جيش المهدي” ثم “العصائب”
لم ينته العنف والقتل الذي يطال العابرات جنسيا و”مجتمع الميم” في العراق، بعد سقوط نظام صدام حسين في 2003، بل استمر، وزادت حدته بعد “الحرب الأهلية” التي استمرت منذ 2005 وحتى 2009.
بدأ “جيش المهدي” بعد “الحرب الأهلية” بحملة ضد “مجتمع الميم”. وبحسب تقديرات منظمة “عراق كوير”، فإن عدد القتلى عام 2017 بلغ 220 فردا من “مجتمع الميم” ومنهم العابرات جنسيا.
لاحقا، أصدر زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر في 2016، بيانا دعا فيه إلى ضرورة تقبل “مجتمع الميم”، وإيقاف العنف ضده وهدايته بالطرق العقلانية، فابتعد “جيش المهدي” عن قمعهم.
للقراءة أو الاستماع: من داعش إلى الميلشيات الولائية: كيف يساهم استهداف المثليين ومحلات بيع الخمور بنزع ما تبقى من التمدّن العراقي
بعد فترة هدوء نسبي، عاد العنف والترهيب لينال “مجتمع الميم” منذ عام 2018، وهذه المرة من قبل “عصائب أهل الحق”، فقد وثقت منظمة “ألوان” 368 انتهاكا ضدهم، منذ 2019 وحتى نيسان/ أبريل 2021.
المنظمة المعنية بحقوق “مجتمع الميم”، قالت في توثيقها إن “شخصا واحدا يتعرض كل يومين تقريبا إلى نوع من أنواع الانتهاكات، التي شملت الاغتصاب والتعذيب والتهديد والسرقة”.
“تعايش مع الوضع”
رغم إجراء العملية، إلا أن معاناة ريس تستمر حتى الآن، فالقانون العراقي يرفض تغيير جنسها في هوية الأحوال المدنية، ناهيك عن خشيتها من عائلتها والمجتمع.
تقول: “يجب عليّ أن أعيش أغلب أيامي بهيئة ذكر. أقص شعري، وأرتدي الملابس الفضفاضة عندما أخرج من المنزل، وألبس الملابس التي تناسب طبيعة البيئة المحافظة الرافضة التداخل بين الجندريين؛ كي أتعايش مع الوضع لحين خروجي من العراق”.
تخرجت فيكتوريا قبل عام من الجامعة، وتحمل البكالوريوس في التحليلات الطبية، وشهادات أخرى في الحقن والتجميل والإسعافات الأولية. وتعمل حاليا في أحد المختبرات الطبية الخاصة، لتجمع المال، من أجل ترتيب وضعها لفترة ما بعد الخروج من العراق.
مفهوم العبور الجنسي
العبور الجنسي، يعني اختلاف الهوية الجندرية للذكر أو الأنثى عن الجنس المحدد له عند الولادة، أي عدم تطابق الهوية الداخلية للإنسان مع جسده.
يتم إجراء عملية العبور الجنسي، من أجل تطابق الهوية الجندرية للإنسان ذكر أو أنثى مع جسده الذي يشعر أنه ينتمي له، وتتم إما عبر أدوية عادية أو بعمليات جراحية.
المجتمع العراقي “المحافظ” إلى حد كبير، لا يتقبل العابرات جنسيا ولا “مجتمع الميم” بأكمله أصلا، وتمارس بعض العوائل العنف بكل أنواعه، وحتى القتل أحيانا إن اكتشفت وجود أحد أفراد الأسرة عابرة أو عابر أو مثلي أو مثلية.
بحسب “عراق كوير”، فإن مناطق وسط العراق من أكثر الأماكن خطرا على العابربن والعابرات و”مجتمع الميم”، إذ بلغت نسبة خطورتها 54 بالمئة، يليها إقليم كردستان بنسبة 29 بالمئة، ثم الجنوب العراقي بنسبة 17 بالمئة.
تحريض وتفسير ديني وفق الأهواء
ترجع الناشطة النسوية ورئيسة “فريق نسويات البصرة” هيلين حسين، عدم التقبل المجتمعي إلى العابرات جنسيا في العراق، للعامل الديني، بحسبها.
هيلين توضح لـ “الحل نت” أن، هناك الكثير من النصوص الدينية، مثل “إنا خلقناكم من ذكر وأنثى…” تمنع أي تقبل مجتمعي للعابرين والعابرات جنسيا، ويعتبرون العبور الجنسي، تشويه لنوع الجسد الذي خلق عليه الإنسان.
رجال الدين والساسة في الأحزاب الدينية بحسب هيلين، هم بدورهم يفسرون النصوص الدينية بما تتناغم وتوجهاتهم ضد العابرات و”مجتمع الميم”، الأمر الذي ينغرس في عقول أتباعهم من المجتمع.
ذلك التحريض المباشر من رجال الدين والأحزاب السياسية الإسلامية الدينية، جعل من فئات كثيرة في المجتمع، تقصي العابرات و”مجتمع الميم” بشتى الطرق، وأبرزها القتل، وفق هيلين حسين.
حسين لا ترى أن العنف والقتل ضد العابرات جنسيا في العراق سينتهي قريبا، لكنها تقول إن إقرار قوانين تخص تلك الفئة، وحتى قانون “مناهضة العنف الأسري”، ستساهم في تحجيم العنف نوعا ما.
التعامل وفق الاجتهادات
القانون العراقي الحالي، لا يفهم معنى العبور الجنسي، ولا توجد ضوابط ومواد قانونية تخصه مطلقا، لذا تجد أن القضاء العراقي هو من يتعامل مع الموضوع وفق اجتهاداته.
يقول المحامي محمد جمعة، إن وضع العابرات جنسيا بالإضافة إلى العابرين، يتم التعامل معه بقسمين. الأول العابرون/ ـات لضرورات طبية. الثاني العابرون/ ـات لضرورات غير طبية.
القسم الأول، يتم الاعتراف بهم ويتم تغيبر جنسهم في هوية الأحوال المدنية، أما القسم الثاني لغير الضرورات الطبية، فلا بعترف بهم ولن يتم تغيير جنسهم في خانة هوية الأحوال المدنية، يبين جمعة لـ “الحل نت”.
تشترط وزارة الصحة العراقية في تعليمات صدرت عام 2002، “إثبات أن الشخص يعاني من اضطراب الهوية الجنسية لإخضاعه لعملية العبور”، وذلك يخالف توصيات “منظمة الصحة العالمية” التي تعتبر العبور الجنسي “حالة طبيعية”، وليس مرضا.
يشير محمد جمعة إلى أن، من يتم منحهم تغيير جنسهم في هوية الأحوال الثبوتية للضرورات الطبية، يصطدمون بعبئ كبير؛ لأن عمليات العبور الجنسي لا تجرى في العراق.
يسترسل محمد، أنه يجب على من أجرت عملية العبور جلب تقرير طبي من مستشفى الدولة التي أجرت بها العملية، ثم تترجم التقرير وتصدقه السفارة العراقية في تلك الدولة، لتصادق عليه الخارجية العراقية.
جمعة يضيف أنه، بعد ذلك على العابرة والعابر، رفع دعوى عند المحكمة ضد دائرة الأحوال المدنية لتغيير الجنس في الهوية الثبوتية، وكل تلك المراحل من الصعوبة تحقيقها؛ لأن الكثير من الحالات ترفض المستشفى منحهم التقرير الطبي.
“العدالة الانتقائية”
تواجه فيكتوريا ريس ذات العبء، لذلك لم يتم تغيير نوع جنسها في هوية الأحوال المدنية العراقية، وهو ما يرهقها ويجعلها تظهر خارج المنزل على هيئة رجل.
من لا يتم منحهم حق تغيير الجنس من العابرين والعابرات جنسيا، يفقدون كل حقوقهم، ويتعرضون للسجن بتهمة التزوير إن كان شكلهم يخالف ما مثبت في الهوية الثبوتية، وفق محمد جمعة.
للقراءة أو الاستماع: (فيديو) اعتراف لافت لفنان مصري بتحول ابنته الجنسي… وتضامن يبعث الأمل
جمعة وهو ناشط قانوني في القضايا الحقوقية، يقول إن القانون العراقي لا بتعامل بعدالة مع العابرات جنسيا، ويتعامل وفق الاجتهادات، وتلك كارثة كبيرة، فيها ظلم لفئة العابرين والعابرات جنسيا في العراق.
“القانون يتعامل مع واقع الحال، ولا يدخل في التفسيرات والتحليلات. واقع الحال يقول إن جنس الشخص تغير من ذكر إلى أنثى والعكس، لذا يجب تغيير جنسهم في الهوية الثبوتية”، بحسب جمعة.
أما أن يرفض تغيير جنسهم، فذلك ليس فيه أي عدالة، فالقانون وجد من أجل العدالة، ورفض تغيير جنس العابرة والعابر، يعني أن القانون يمارس “العدالة الانتقائية”، بل ويحكم عليهم بـ “الإعدام قانونيا”.
ما معنى الحكم بـ “الإعدام قانونيا”؟، يعني وفق جمعة، أن القانون أنهى حياة العابرة والعابر. فلا يحق لكليهما الزواج، ولا السفر، ولا الخروج من المنزل، وذلك هو “الإعدام القانوني”، لذا يجب تطوير القانون وتغييره، يشدّد جمعة مختتما.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.