من داعش إلى الميلشيات الولائية: كيف يساهم استهداف المثليين ومحلات بيع الخمور بنزع ما تبقى من التمدّن العراقي

من داعش إلى الميلشيات الولائية: كيف يساهم استهداف المثليين ومحلات بيع الخمور بنزع ما تبقى من التمدّن العراقي

بعد تحرير عدد من مناطق العراق من سيطرة تنظيم #داعش، وإعلان #الحكومة_العراقية استعادة سيطرتها على كافة أراضيها، عادت الميلشيات والفصائل المسلّحة الموالية لإيران، التي شاركت في عمليات التحرير، إلى الانتشار في الأحياء السكنية من العاصمة #بغداد ومراكز المحافظات الأخرى.

هذه العودة أدت لتدمير ما تبقى من مظاهر التمدّن في المدن العراقية، فالفصائل الولائية تستهدف فئات متعددة من السكّان، الذين لا تتفق أنماط حياتهم مع عقائدها المتشددة.

موقع «الحل نت» حاول رصد الاعتداءات، التي تتعرض لها تلك الفئات، وعلى رأسها المثليون جنسياً، فضلاً عن محلات بيع الخمور ومراكز المسّاج والنوادي الليلية، الأمر الذي ساهم بخلق حالة من التصحّر الثقافي والاجتماعي الشامل في مدن العراق.

 

المثليون هم الحلقة الأضعف

«نحن، مجتمع المثلية الجنسية في العراق، كنا نتعرّض للمضايقات والتعذيب بشكل منفرد، لكن الاعتداءات أصبحت اليوم ممنهجة، من قبل الفصائل المسلّحة، المنتشرة بأحياء بغداد وغيرها من المحافظات»، بحسب “ماريا سلام “، الفتاة المثلية، البالغة من العمر أربعة وعشرين عاماً، والمقيمة في العاصمة العراقية.

وتضيف “سلام” في حديثها لموقع «الحل نت»: «المثليون هم الحلقة الأضعف بين العراقيين عموماً، ولذلك لا تجد الميلشيات أي عائق في الاعتداء عليهم كما تشاء».

مبينةً أن «عناصر الميلشيات يمارسون أبشع الجرائم ضد المثليين، مثل القتل والاغتصاب والتعذيب والتحرّش، بحجة أنهم مخالفون لتقاليد المجتمع العراقي والأحكام الإسلامية».

ولفتت الناشطة العراقية إلى أن الجهات الرسمية لا تقوم بحماية المواطنين المثليين من هذه الانتهاكات، بل على العكس تساعد الميلشيات على استهدافهم، فـ«الشرطة العراقية تعطي معلومات لعناصر الفصائل عن أماكن وجودنا وتجمّعنا، وبعض عناصرها يعملون مخبرين للميلشيات»، تقول “سلام”.

 

الأهالي لا يستطيعون حماية أبنائهم

ولكن ماذا عن العوائل العراقية، التي يتعرّض أبناؤها للقتل والتعذيب على أيدي الميلشيات، بسبب ميلهم الجنسي؟

«هذه العائلات لا تستطيع حماية أبنائها، فتضحّي بهم خوفاً من وحشية الميلشيات من جهة، ونظرة المجتمع من جهة أخرى. دعك من حالات عنف تقوم بها العائلات نفسها ضد أبنائها المثليين». تؤكد “ماريا سلام”.

وشهد عدد من مناطق بغداد وبعض المحافظات حالات قتل لأشخاص مثليين جنسياً، من خلال الطعن بالسكانين أو الرجم بالحجارة، مما أثار انتقادات بعض المنظمات الدولية، المعنية بحقوق الانسان.

إلا أن المثليين ليسوا الفئة الوحيدة، التي تتعرض لقمع الميلشيات، فحتى الذكور المغايرون لم يسلموا من سعيها لتقويم سلوك المجتمع، بما يتفق مع منظوراتها الدينية.

 

أخطر مهنة في بغداد

أحد اصحاب محلات بيع الخمور في بغداد، رفض الكشف عن اسمه خوفاً من استهدافه، أوضح لـ«الحل نت» أن «كثيراً من زملاء مهنته تخلّوا عن عملهم، بسبب المضايقات والتفجيرات، التي تستهدف محلاتهم، من قبل الفصائل المسلّحة، أو العصابات التابعة لها».

«مهنتنا أصبحت أخطر المهن في العاصمة بغداد، وأغلب المحلات، التي لا تزال تبيع الخمور، تدفع إتاوات للفصائل المسلّحة، ورغم هذا لا تسلم من مضايقاتها وجرائمها»، يقول التاجر البغدادي.

ولا يعتبر تعاطي المشروبات الروحية ظاهرة غريبة على المجتمع العراقي، فصناعة واستهلاك الخمور طقس اجتماعي وثقافي معروف في البلاد منذ أقدم العصور.

ويشير بائع المشروبات العراقي الى أنه «في فترة تحرير مناطق غربي العراق من تنظيم داعش كانت القوات الأمنية الحكومية منتشرةّ وحدها في المدن، ولا وجود للميلشيات الولائية، وكانت الأوضاع أهدأ بالنسبة لنا. أما اليوم فتنتشر المجاميع المسلحة في المدن، وتضيّق على أعمالنا، من خلال الابتزاز، أو تقوم بتفجير محلاتنا بلا رادع».

وأعلن فصيل مسلّح، يطلق على نفسه اسم #ربع_الله، أنه «استهدف عدداً من محلات بيع الخمور ومراكز المسّاج».

وأظهرت كاميرات المراقبة في عدد من المدن قيام مجاميع مسلحة، تنتمي لربع الله وغيرها من الميلشيات، بالاعتداء على النوادي الليلية ومراكز المسّاج، دون تدخّل القوى الأمنية لمنعها.

 

مجاميع معروفة

الى ذلك بيّن “مرصد أوركاجينا لحقوق الانسان” في العراق أن «استهداف المثليين جنسياً والأماكن الترفيهية، في بغداد ومناطق أخرى، أصبحت ظاهرة عامة، بعد انتهاء عمليات التحرير».

وأكد “موشيه الياس”، الناطق باسم المرصد، في حديثه لـ«الحل نت»، أن «المجاميع المسلّحة، بعد عودتها لبغداد، أصحبت لا تخشى السلطات العراقية، وتمارس أعمالها الإجرامية بحرية تامة».

مضيفاً: «بحسب المعلومات المتوفرة لدينا فإن هذه الاستهدافات الممنهجة تقوم بها مجموعة أو مجموعتان مسلّحتان، معروفتان للقوات الأمنية والرأي العام».

وأوضح أن «بغداد تشهد النسبة الأعلى من الانتهاكات، لكثرة الفصائل فيها، وتأتي بعدها المحافظات الجنوبية والغربية».

 

جمهور مؤيد للاستهداف

وشدد “الياس” على أن «الدستور العراقي حظر تشكيل المجاميع المسلحة، ونصّ على محاربة الإرهاب بأشكاله المختلفة، لكنّ الحكومة العراقية عاجزة عن تطبيق بنود الدستور، وردع هذه المجاميع، التي تنتهك حقوق الانسان وسط المدن والأحياء، وعلى مرأى الجميع».

وحذّر الحقوقي العراقي من «تصاعد عمليات استهداف المواطنين، فسابقاً كانت هناك مجموعة واحدة، تعلن عن تبنيها لهذه الممارسات، لكننا اليوم نشهد وجود أكثر من جماعة متشددة، لديها جماهير مؤيدة على مواقع التواصل الاجتماعي».

إلا أن الإرهاب، الذي يتحدث عنه “الياس”، لا يقتصر على ممارسات ذات طابع ديني واجتماعي، بل له جوانبه السياسية الواضحة، «هذه الميلشيات ستستهدف الناشطين والمتظاهرين في ساحات الاحتجاج، فهي تسعى لإسكات كل ظاهرة أو صوت يخالفها في المجتمع العراقي»، يقول الناطق باسم مرصد “أوركاجينا”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.