اليوم الخميس، زار وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف العاصمة الأردنية عمّان، حيث التقى بوزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، وسط عدد من الملفات تم بحثها وعلى رأسها الملف السوري، بما فيه المبادرة الأردنية للحل في سوريا، إضافة إلى ملفات أخرى.

زيارة لافروف إلى الأردن، تأتي في إطار محاولات كسب التأييد الذي تسعى موسكو من خلالها للحصول على المزيد من الحلفاء لمواجهة الإجراءات الغربية بسبب غزو أوكرانيا، ومحاولة التأثير على موقف الأردن ليكون أكثر حيادية في الموضوع الأوكراني، فيما تسعى عمّان إلى الوصول لتفاهمات جديدة مع موسكو لجعل الحدود الشمالية مع سوريا أكثر أمنا.

على الرغم من موقف الأردن الدبلوماسي المعلن والداعي إلى التهدئة ووقف التصعيد في الحرب الروسية على أوكرانيا، إلا أن الأردن أكثر تماهيا وتماشيا مع الموقف الأميركي الأوروبي.

زيارة مهمة بالنسبة لروسيا، بحسب الخبير الاستراتيجي الأردني، عامر السبايلة، على اعتبار أنها تكسر فكرة عزلة روسيا التي أرادتها الولايات المتحدة، وتبدأ من بلد يُعتبر حليفا أساسيا للولايات المتحدة في المنطقة، وتتواجد فيه قواعد وقوات أميركية، وبالتالي يمكن تصنيف الزيارة بحد ذاتها على أنها كسر روسي لهذه العزلة.

الجنوب السوري أحد أهم عناوين الزيارة

من الواضح أن التفاهمات التي تمت مع روسيا في العام 2018، والتي أدت إلى عملية التسوية في الجنوب السوري لم تعُد سارية بعد مرور أربع سنوات، وانشغال روسيا بغزو أوكرانيا وسحب جزء من قواتها من سوريا، فالأردن يريد تفاهمات جديدة مع حكومة دمشق خاصة فيما يتعلق بالحدود الجنوبية لسوريا، بسبب التواجد الكبير للميليشيات الإيرانية واستمرار عمليات تهريب السلاح والمخدرات إلى الأردن.

فقد كان البند الأهم في تفاهمات 2018، هو إبعاد الميليشيات الإيرانية عن الحدود الأردنية مسافة لا تقل عن 60 كم، لكن السنوات الماضية أثبتت العجز الروسي عن منع هذا التواجد، فالميليشيات الإيرانية تقبع اليوم بالقرب من الحدود سواء بشكل مباشر أو غير مباشر عبر مجموعات تهريب ترتبط بها بشكل مباشر.

دورية أردنية على الحدود السورية الأردنية “وكالات”

في المؤتمر الصحفي بين لافروف والصفدي، قال الوزير الصفدي، ” تركيزنا كان على الأزمة السورية وبحثنا الخطوات الكفيلة بمواجهة الأوضاع في الجنوب السوري”، مضيفا إن ” المملكة الأردنية ستستمر بالعمل على حماية أمنها في مواجهة الأوضاع بالجنوب السوري”.

السبايلة، خلال حديثه لـ”الحل نت”، يرى أن الأردن قلق من التطورات في الجنوب السوري، خاصة مع الانشغال الروسي في أوكرانيا كما أن التطورات الأخيرة أيضا تقلقه ليس فقط على صعيد تواجد الميليشيات الإيرانية بل تنامي وجود تنظيم “داعش” والصدامات التي ترتبط بإمكانية انتقال هذه الأزمة إلى الحدود الأردنية.

من جهته، الصحفي الأردني، محمد العرسان، يؤكد أن ملف الجنوب السوري تم طرحه على طاولة المباحثات بين الوزيرين الروسي والأردني، فالأردن بحسب العرسان، غير راضٍ بشكل كافي عن الدوريات الروسية على الحدود الجنوبية لسوريا، وما يجري من عمليات تهريب للمخدرات والسلاح، فالحدود طويلة وعدد الدوريات قليل.

لذلك فالأردن معني ببحث موضوع الجنوب السوري مع روسيا، من أجل منع انتشار المخدرات والسلاح، وأيضا التنسيق في ذلك مع حكومة دمشق ومع الفصائل المتواجدة في الجنوب، كما أن الأردن يطالب روسيا بالضغط على الميليشيات الإيرانية في الجنوب لاعتقاده بقدرتها على ذلك.

قد يهمك:جهود فرنسية أردنية تجاه دمشق.. ما قصتها؟

المبادرة الأردنية للحل في سوريا

الأردن يسعى في الآونة الأخيرة إلى حل سياسي للأزمة السورية، فهو متضرر من الأوضاع الحالية، وحاول طرح أفكار وإيجاد تفاهمات لعودة سوريا للجامعة العربية والمجتمع الدولي، لكن هذه الجهود قوبلت بالرفض من بعض الدول العربية، وعدم تقبل أميركي، صاحبة القرار في هذا الإطار.

بحسب مراقبين، فإن المبادرة الأردنية، تعتمد الوصول إلى حل سياسي للقضية السورية، والمطلوب اليوم تليين الموقف بين حكومة دمشق والمعارضة، من أجل الخروج من الأزمة المستمرة منذ أكثر من 10 سنوات، خصوصا أن الأردن يتأثر كثيرا بما يحدث في سوريا على المستويين الأمني والاقتصادي.

بحسب السبايلة، فإن المبادرة الأردنية للحل في سوريا كانت أحد المواضيع المهمة الذي تم طرحه اليوم في اللقاء بين الوزيرين، فالأردن يسعى لوضع خارطة طريق للحل السياسي في سوريا، ويريد أن تبدأ هذه المبادرة بالعمل بشكل فعلي، خاصة بعد أن تم طرحها في القمة العربية يوم أمس في الجزائر وقد لاقت توافقا عربيا، كما يرغب الأردن أن يكون هناك تفعيل للدور الروسي سياسيا في هذه الجزئية.

العرسان يشير من جهته، إلى أن الملف السوري تم بحثه في اللقاء بكافة تفاصيله، سواء العملية السياسية، وعودة اللاجئين وتهريب المخدرات والسلاح، كما أن أحد أهداف زيارة الوزير الروسي هو الاطلاع على مبادرة الحل في سوريا التي طرحها الملك عبدالله الثاني، وتحدث عنها وزير الخارجية، أيمن الصفدي.

روسيا حسب العرسان، تريد أن تفهم تفاصيل المبادرة وإلى أين وصلت وما هي آلياتها، والأردن يريد ضمان حل يضمن وحدة الأراضي السورية والعودة الآمنة والطوعية للاجئين، كما تريد روسيا الاطلاع بشكل أكبر على الدور العربي في المبادرة، فهي لا تقتصر على الأردن بل تضم دول الخليج.

أما حول ردود الأفعال الغربية المتوقعة بعد زيارة لافروف للأردن، فإن ذلك يعتمد على حرفية الأردن في كيفية تسويق قدرته على لعب دور مهم لإيجاد الحلول، لأن جزءا من قوة الأردن السياسية هي في إيجاد الحلول، وبالتالي تفعيل مثل هذه الخطوات خاصة بالنسبة للملف السوري، وهنا تبقى قدرة الأردن على تسويق هذه الحلول أمام الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي “الناتو”، بحسب السبايلة.

السبايلة لفت إلى أنه من غير الواضح بعد، إذا كانت زيارة لافروف شملت لقاءا مع الملك عبدالله الثاني، أو اقتصرت على لقاء الوزير الصفدي، فإذا كان اللقاء مع وزير الخارجية الأردني فهذا يعني أن تسويق المبادرة للحل في سوريا يكون في أبعادها التقنية في المواضيع التي تهم الأردن، أما إذا كان هناك لقاء مع الملك فيمكن الأخذ بعين الاعتبار عند ذلك أنه أصبح للمبادرة بُعد سياسي.

مسارات المبادرة الأردنية

المبادرة الأردنية، مرت بمراحل عديدة خلال عام كامل من طرحها، ورغم ضبابية المشهد حتى الآن، إلى أن القيادة الأردنية بلورت المبادرة، التي تقوم على أساس خلق فهم إقليمي ودولي مشترك، يعتبر أن التوجه السياسي نحو “تغيير الحكومة السورية” لم يُفرز أية نتائج ميدانية واضحة على أرض الواقع، بل زاد من مستويات التدهور في كل الملفات السورية، سواء السياسية أو الاقتصادية، بما في ذلك زيادة أعداد المُهجّرين والنازحين السوريين، الذين تحولوا إلى أزمة إقليمية ودولية.

خمس مسارات أساسية، تقوم عليها الرؤية الأردنية، أولها الدفع باتجاه تشجيع عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، ما يشجع الأردن هو الانسجام الإقليمي والعربي على هذا الملف، بالطبع على أن تكون العودة آمنة وطوعية.

عودة اللاجئين تواجه عوائق عديدة، أبرزها بدء عمليات إعادة الإعمار في سوريا، لتمكن اللاجئين من العودة إلى منازلهم، وتحقيق حياة كريمة، في حين أن ملف إعادة الإعمار معلق بانتظار ضوء أخضر أميركي أوروبي، وهذا الضوء بالطبع مرتبط بتحقيق تقدم بارز على صعيد الحل السياسي، فكيف ستحل مبادرة الأردن هذه المعضلة.

كذلك فإن تنشط المساعدات الدولية هي إحدى مسارات المبادرة الأردنية، إذ من المتوقع أن تعمل الأردن على استغلال علاقاتها الجيدة مع روسيا، للضغط من أجل عدم وقف تدخل المساعدات إلى المناطق السورية، وزيادة عدد المنافذ، كما أن الأردن لعبت سابقا دورا هاما في هذا الملف من خلال حدودها المشتركة مع روسيا، ما يمكنها من تحقيق تقدم جيد في هذا المسار.

أما ثالث المسارات المعروضة من قِبل الأردن، هو خلق مصالحة ثنائية بين السلطة والمعارضة، لتهيئة الأجواء للحل السياسي في البلاد. وينص التوجه الرابع على دعم التحقيق والمسائلة في قضايا التعذيب والتغييب وبقية الجرائم المُرتكبة في سوريا، ومن قبل جميع الأطراف، بحيث يتم التوصل إلى الخطوة النهائية أي التوجه الخامس في المسألة السورية، وهو الحل السياسي حسب قرار مجلس الأمن رقم 2254.

معبر نصيب الحدودي “وكالات”

وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، كشف في وقت سابق، أن بلاده تحشد الدعم الإقليمي والدولي، من أجل دعم مبادرة لإيجاد حل في سوريا، بقيادة دول عربية، مضيفا أن الأردن يدعو إلى دور عربي جماعي لإنهاء تلك الأزمة بالتنسيق مع الأصدقاء والشركاء.

بحسب تقرير سابق لـ”الحل نت”، فإن المبادرة الأردنية لا تزال غير واضحة المعالم، حيث لم يذكر الوزير الصفدي، أو العاهل الأردني، أي نقاط أساسية في المبادرة، مبيّنين أن كل ما تطرق إليه هو القرارات الدولية وخاصة القرار 2254، والذي ينص في الأصل على تشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات التنفيذية، وهذا الحل ترفضه حكومة دمشق ومن خلفها روسيا وإيران، لأن تطبيقه يعني سقوط الحكومة الحالية تلقائيا.

بحسب المصادر، فإن هناك تناقضا كبيرا في المواقف سواء من الدول الإقليمية أو الدول الفاعلة الكبرى في الملف السوري، فالروس والإيرانيون، يريدون حلّا وفق رغبتهم يُبقي الحكومة الحالية في هرم السلطة، وفي الوقت نفسه يريدون رفع العقوبات عن دمشق، أما الولايات المتحدة والغرب بشكل عام، فيرفضون رفع العقوبات ما لم يتم انتقال سياسي حقيقي وفق القرار 2254، وهنا تكمن المعضلة بالنسبة للأردن في أن يجد حلا تتوافق عليه هذه الأطراف.

المصادر أشارت المصادر إلى نقطة قد يكون الوزير الصفدي قد غفِل عنها، وهي أن عودة اللاجئين السوريين إلى سوريا لا ترتبط بالوضع الاقتصادي المتردي فقط، عندما أشار إلى القرار 2642، المتعلق بتسريع مشاريع التعافي المبكر، بل هناك أسباب أخرى لا تقل أهمية عنه وعلى رأسها الأوضاع الأمنية، حيث تعاني سوريا من فوضى كبيرة في الأمن والاغتيالات والخطف، إضافة إلى أمور أخرى تمنع اللاجئين من العودة كالذهاب للخدمة الإلزامية وغيرها.

حول مدى احتمال نجاح الجهود الأردنية، أشار الدكتور خالد شنيكات، رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية، خلال حديث سابق مع “الحل نت“، إلى أن نجاح الجهود الأردنية، يرتبط بمدى رضا الأطراف المشتركة في العملية السياسية في سوريا، إضافة إلى الدول الإقليمية والدول الكبرى الفاعلة، لافتا إلى أهمية الموقف الأميركي والغربي عموما، والمواقف الإيرانية والروسية والتركية، وموقف حكومة دمشق نفسها، وأيضا موقف المعارضة السورية.

شنيكات أضاف، أن مدى نجاح العملية أيضا، يعتمد على نوع الوساطة التي يقوم بها الأردن، وما هي أبرز الأفكار والمحاور والمبادئ التي تستند إليها، رغم أن الحديث يستند إلى قرارات الأمم المتحدة رقم 2642، و2254، لكن ما هي آلية تطبيقها وكيفية تطبيقها وإلى ماذا ستؤدي هذه المبادرة في العلاقة بين حكومة دمشق والمعارضة.

زيارة لافروف تكاد تكون مهمة لروسيا بشكل أكبر من ناحية كسر عزلتها مع دولة هي أحد أهم حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، فيما لا يُعول على الدور الروسي بضبط الميليشيات الإيرانية جنوب سوريا خاصة بعد أن ضعُفت القوة الروسية في هذه المنطقة، ولم تسبق أن نفذت روسيا في الأصل اتفاق 2018 بإبعاد هذه الميليشيات بل تركت الباب مفتوحا لها على مصراعيه للتغلغل في الجنوب.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.