طيلة فترة الحكومة العراقية السابقة برئاسة مصطفى الكاظمي، لم ينكفئ تحالف “الإطار التنسيقي” الذي يضم قوى شيعية مقربة من إيران، عن التنديد بقرار حكومة الكاظمي برفع سعر صرف الدولار، بما فيهم رئيس الحكومة الجديدة محمد شياع السوداني، غير أنه وبعد نجاح “الإطار” وتسلّم الأخير لرئاسة الحكومة، سرعان ما نأى بنفسه عن قضية تغيير سعر الصرف، ليحمّل “البنك المركزي” مسؤولية ذلك، والسياسيات النقدية.

حكومة مصطفى الكاظمي كانت قد اضطرت إلى اتخاذ جملة من الإجراءات العاجلة لمواجهة الأزمة المالية خلال جائحة كورونا، وتراجع أسعار النفط التي هددت الحكومة بعجز عن دفع مستحقات ومرتبات الموظفين والمتقاعدين الشهرية، والبالغة نحو 6 مليارات دولار.

 من بين الإجراءات تقليل قيمة الدينار أمام الدولار بنحو 30 بالمائة، لتتمكن الحكومة من الاستفادة من فارق العملة الأجنبية عن بيع النفط.

بدوره، قال رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني، كان قد أكد في تصريحات الثلاثاء الماضي، أن قرار “تغيير سعر الصرف الدينار العراقي أمام الدولار من صلاحيات البنك المركزي ونحن ملتزمون بتنفيذ ما يراه المركزي“.

رئيس الوزراء الجديد أشار إلى أن قرار “رفع سعر صرف الدولار لم ترافقه، إجراءات لحماية الطبقات الهشة“، بحسب ما تحدث به في أول مؤتمر أسبوعي.

اقرأ/ي أيضا: “يزاودون علينا علمود إيران”.. فلاحو العراق يتركون أراضيهم

تباين مواقف؟

بيد أن السوداني، قد أعرب في تصريحات سابقة قبل توليه منصبه، عن رفضه لقرار المركزي الذي أقره بالاتفاق مع حكومة تصريف الأعمال، برئاسة مصطفى الكاظمي وقتها، داعيا إلى ضرورة إعادة النظر بقرار رفع سعر صرف الدولار لمنع آثاره السلبية.

التباين في مواقف السوداني، أثارت استغراب الجميع، وهو ما دفع موقع “الحل نت” لمحاولة تفسير ذلك، وتواصل مع الخبير الاقتصادي نبيل العلي، وأوضح أن “ما تحدّث عنه السوداني هو نوع من أنواع تصويب السياسيات. إذ أن البنك المركزي هو صاحب الصلاحيات حول تغيير سعر صرف الدولار، غير أن الحكومة السابقة تجاوزت صلاحياته“.

العلي بيّن أيضا، أن “الحكومة الجديدة أعادة رمي الكرة في ملعب البنك المركزي، بتحركها الصحيح هو ما يُثار حول موضوع سعر صرف الدولار، بيد أن الموضوع يمكن أن تسبقه نقاشات واجتماعات مستفيضة من قبل الجهات المعنية لإعادة ترتيب القوانين، ووضعها في مسارها الصحيح لإتاحة المجال للبنك المركزي لاتخاذ القرار المناسب“.

الخبير الاقتصادي لفت إلى أن “الحكومة السابقة عملت على تجاوز صلاحيات المركزي، واتخاذها قرار تغيير سعر صرف الدولار“، في حين كان “البنك المركزي شبه رافض للموضوع، وسيق وقدم تأكيداته لعدم تغيير سعر الصرف، بالتالي أن حديث السوداني حاليا قد يعد إعادة تصويب من خلال اتاحة المجال أمام البنك المركزي للتحرك في إطار قوانينه“.

والسوداني البالغ 52 عاما، يخلف مصطفى الكاظمي الذي تولى رئاسة الحكومة في أيار/مايو 2020، في حين كُلّف السوداني وهو محافظ ووزير سابق منبثق من الطبقة السياسية الشيعية التقليدية، في 13 تشرين الأول/أكتوبر بتشكيل الحكومة، من قِبل رئيس الجمهورية الجديد عبد اللطيف رشيد مباشرة بعد انتخابه. وهو مرشح القوى السياسية الموالية لإيران والمنضوية في “الإطار التنسيقي“.

اقرأ/ي أيضا: إقصاء المسؤولين الصدريين من الحكومة العراقية الجديدة؟

سياق تولي حكومة السوداني

تولي الحكومة الجديدة مهامها يأتي بعد عام من أزمة سياسية خانقة تجلت أحيانا بعنف في الشارع، نتيجة للخصومة بين “التيار الصدري” و“الإطار التنسيقي” الذي يضم خصوصا كتلة دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، وكتلة الفتح الممثلة لـ “الحشد الشعبي“.

الأزمة كانت نتيجة صراع محتدم ما بين “التيار الصدري” بزعامة رجل الدين القوي مقتدى الصدر، وتحالف “الإطار” الذي عطّل مشروع الصدر الذي حلت كتلته أولا في الانتخابات الأخيرة التي أجريت في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، والذي كان يسعى لتشكيل حكومة “أغلبية وطنية” تستثني مشاركة كل أطراف “الإطار” أو بعضها.

الصراع دفع مؤخرا في نهاية آب/أغسطس الماضي الصدر إلى اعتزال السياسة نهائيا، وذلك بعد ما وجه كتلته البالغ عدد أعضائها 73 نائبا بالاستقالة من البرلمان، بعدما فشلت جهوده في تشكل حكومة “أغلبية“، ليعلن أنه لن يشترك بحكومة “توافقية – محاصصة” مجددا، وهي التي كانت السبب في غضب الشارع العراقي الذي تجلى في احتجاجات العام 2019، وأدت إلى استقالة حكومة عادل عبد المهدي، كما أنها السبب في سوء الإدارة والفساد الذي أنهك العراق والعراقيين طيلة الـ 19 عاما الماضية.

يُشار إلى أن البرنامج الحكومي للسوداني قد تضمن بنود مختلفة تتعلق بإجراء إصلاحات عاجلة في القطاعات الاقتصادية والمالية والخدمية.

البرنامج الحكومي تضمن أيضا “بناء أدوات فعالة لمحاربة الفساد خلال مدة أقصاها 90 يوما من تاريخ تشكيل الحكومة، ومعالجة الفقر والبطالة، والإسراع في إعمار المناطق المحررة (من تنظيم داعش)، والانتهاء من ملف النازحين، وتحسين الخدمات الصحية للمواطنين“.

مضامين برنامج السوداني

كما تضمن أيضا الإشارة إلى “إنهاء ظاهرة السلاح المنفلت“، وكذلك معالجة ملف “ملء الفراغ الأمني“، في المناطق الإدارية بين إقليم كردستان وباقي مناطق العراق.

كذلك “إعادة النظر بجميع قرارات حكومة تصريف الأعمال اليومية (حكومة مصطفى الكاظمي)، خصوصا الاقتصادية والأمنية والتعيينات غير المدروسة، وصرف مستحقات مشروع (البترودولار) للمحافظات المنتجة للنفط والغاز، وإعادة النسبة المخصصة لهذه المحافظات إلى 5 بالمئة للإنتاج والتكرير“.

البرنامج تعهد أيضا بـ “إجراء انتخابات مجالس المحافظات وتحديد موعد إجرائها في البرنامج الحكومي، وتضمين اتفاقية تطبيع أوضاع سنجار بما يسهم في إعادة الأمن والاستقرار في القضاء“.

البرنامج تضمن أيضا بنودا تتعلق بمعالجات لقطاعات الزراعة والصناعة وإعادة الثقة بالمنتوج العراقي، وتطوير الصناعة النفطية، وتحسين جودة خدمات الاتصالات وحمايتها وتطوير قطاع النقل، وتحسين الاستثمار وتوسيع آفاقه وتفعيل قطاع السياحة لتنويع اقتصاد البلاد، وتوحيد السياسة الجمركية في جميع المنافذ الحدودية البرية والبحرية والجوية، وغلق المنافذ غير الرسمية.

مما تضمنه البرنامج كذلك “تخصيص موازنة كافية لتعويض المتضررين جراء العمليات الإرهابية والعسكرية بموجب القانون النافذ، ومعالجة العمل بالوكالة في إدارة مؤسسات الدولة خلال فترة 6 أشهر من تشكيل الحكومة وإرسالها إلى مجلس النواب على ثلاث مراحل للتصويت عليها“.

كما بدا لافتا تطرّق السوداني إلى ملف المدن التي تسيطر عليها مليشيات مسلحة وأبرزها، جرف الصخر، والتعهد بعودتهم خلال مدة زمنية محدودة وطي صفحة النزوح.

اقرأ/ي أيضا: بعد انتهاء ولايتها.. ما مصير قرارات حكومة مصطفى الكاظمي العراقية؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.