بعد “مجزرة” إقصاء المسؤولين في حكومة مصطفى الكاظمي السابقة، تتجه الأنظار إلى مصير المسؤولين الصدريين ممن ينتمون إلى “التيار الصدري” في الحكومة العراقية الجديدة، فهل سينالهم الإقصاء أيضا.

أول أمس الثلاثاء، أصدر رئيس الحكومة العراقية الجديدة، محمد شياع السوداني، قرارات بإلغاء كل الأوامر الديوانية التي أصدرتها حكومة الكاظمي السابقة، طيلة عام كامل منذ 8 تشرين الأول/أكتوبر 2021 وحتى تاريخ نيل حكومته الثقة، الخميس الماضي.

قرارات السوداني وُصفَت محليا بـ “المجزرة”، خصوصا وأنها شملت إعفاء رئيس “جهاز المخابرات” رائد جوحي من منصبه، وإعفاء رئيس جهاز “الأمن الوطني” حميد الشطري أيضا، ناهيك عن إعفاء مستشار الجهاز مهند نعيم، والمستشار السياسي لرئيس الوزراء مشرق عباس.

حجم الوجود الصدري

“المجزرة” تلك فتحت الباب على مصير المسؤولين الصدريين في الحكومة الجديدة، خاصة وأن “التيار الصدري” بزعامة مقتدى الصدر، انسحب من العملية السياسية، ورفض المشاركة في حكومة شياع السوداني.

الصدريون متواجدون في كل الدوائر والوزارات والمؤسسات الأمنية العراقية، في مناصب مهمة وأساسية، وهي التي تُعرف بـ “الدرجات الخاصة”، وهم الأكثر نفوذا، بفعل تأثيرهم السياسي في الفترات الماضية.

عند تكليف حكومة جديدة، تُجرى تعديلات تشمل استبدال مدراء مكاتب الوزراء والوكلاء والفرق الاستشارية، وتبادلها بين الأحزاب، بحسب حصص الأحزاب في الحكومة الجديدة، فكيف الحال و”التيار” من دون أي حصة وزارية.

بحسب الباحث السياسي، غالب الدعمي، فإن المعمول به في العراق، يقضي بإجراء تغييرات كثيرة في الوزارات، بناء على وجهات نظر وخطط الأحزاب التي تمسك بالوزارات مع كل حكومة جديدة تتشكل.

الدعمي يردف لـ “الحل نت”، صحيح أن الواقع هو إجراء التغييرات وفق حجم وحصص الأحزاب المشاركة في الحكومة، لكن حكومة شياع السوداني، غالبا لن تصل إلى المسؤولين الصدريين، بحسبه.

الصدريون يجرون تسهيلات لصالح حزبهم “التيار الصدري” في كل المجالات، بما فيها الحصول على الصفقات والدرجات الوظيفية وتوزيع الأرباح، حالهم حال بقية المسؤولين في الوزارات ومؤسسات الدولة، التابعين لكل الأحزاب السياسية الأخرى.

لا إقصاء للصدريين؟

الدعمي يقول، إن أحزاب “الإطار التنسيقي”، ترغب بشدة بالحصول على حصص المسؤولين الصدريين في الدرجات الخاصة، لا لداعي الانتقام، إنما بهدف تقاسم المغانم في الحكومة الجديدة؛ لأنها تعود لهم.

غير أن تلك الرغبة ليس بالسهل تحقيقها، خاصة وأن مقتدى الصدر لم يأذن لمسؤوليه بالاستقالة من مناصبهم مثلما وجّه نوابه بالانسحاب من البرلمان، وهو ما يمكن تفسيره بأنه لا يرغب باستقالتهم، وفق الدعمي.

بالتالي، ليس بالإمكان تغيير المسؤولين الصدريين، ما لم يكن هناك أي ضوء أخضر من قبل الصدر؛ لأن “الإطار” يدرك جيدا مدى حجم تأثير زعيم “التيار” في الشارع، لذلك لن يقدم على خطوة تدفعه للخروج عن صمته السياسي، وإدخال البلاد في أزمة جديدة، على حد قول الدعمي.

في أول جلسة لمجلس الوزراء العراقي الجديد، الجمعة الماضي، أصدر رئيس الحكومة الجديدة، السوداني عدة توجيهات، أبرزها اختيار مديري مكاتب الوزراء من كوادر الوزارة حصرا.

يُفهم من ذلك التوجه بحسب الدعمي، أن السوداني لا ينوي المساس بالمسؤولين الصدريين؛ لأنه لا يريد استفزاز مقتدى الصدر، خاصة وأن “التيار الصدري” تظاهر ضده وأجّل تشكيل حكومته لمدة شهرين، نتيجة تلك التظاهرات.

“التيار الصدري” كان قد اقتحم “المنطقة الخضراء”، واعتصم داخل وأمام البرلمان العراقي لمدة شهر كامل في آب/أغسطس المنصرم، على خلفية ترشيح “الإطار” الموالي لإيران، شياع السوداني لتشكيل حكومة جديدة.

لماذا عدم المساس؟

الاعتصام استمر لمدة شهر، ثم تحول إلى مواجهة مسلّحة نهاية آب/أغسطس الماضي، بعد أن أطلقت ميليشيات “الإطار” الرصاص على الجمهور الصدري.

عقب إطلاق الرصاص، دخل فصيل “سرايا السلام” التابع لمقتدى الصدر، إلى “المنطقة الخضراء” لحماية المتظاهرين، واشتبك مع ميليشيات “الإطار” ليلة بأكملها، كادت أن تجر البلاد لحرب أهلية شيعية-شيعية.

لم ينتهِ الصراع المسلّح داخل “الخضراء”، معقل الحكومة والبرلمان والبعثات الدبلوماسية الدولية، إلا في ظهيرة يوم 30 آب/أغسطس الفائت، بعد توجيه الصدر لأتباعه بالانسحاب من “المنطقة الخضراء” فورا، وإعلانه اعتزال الحياة السياسية.

في حال أقدم السوداني على خطوة إقصاء المسؤولين الصدريين، فإنها ستكون غير مدروسة؛ لأنه سيفتح النار بوجه حكومته، وتعاد التظاهرات الصدرية، وبالتالي لن تستمر حكومته طويلا، وستسقط بسرعة البرق، بحسب غالب الدعمي.

السوداني أرضى جميع الأحزاب في الوزارات والمناصب بما فيها “الإطار”، ويرى أن هناك حاجة لإبقاء المسؤولين الصدريين وعدم المساس بهم، وذلك لمنع أي صدام مع “التيار الصدري”، على حد تعبير الدعمي.

بالنتيجة، فإن المسؤولين الصدريين لن يتم المساس بهم من قبل حكومة السوداني، رغم رغبة “الإطار” بإقصائهم، وعدم المساس ليس حُبا بهم، بل يأتي وفق مبدأ “مجبر أخاك لا بطل”، خشية من غضب زعيم “التيار الصدري”.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة