إعفاءات بالجملة لمسؤولين ومستشارين اتخذها رئيس الحكومة العراقية الجديد، محمد شياع السوداني، أمس الثلاثاء، معظمها تتعلق بالمؤسسات الأمنية، فهل هذه القرارات تصحيحية أم انتقامية.

أمس في الجلسة الثانية لمجلس الوزراء العراقي الجديد، أصدر السوداني قرارات بإلغاء كل الأوامر الديوانية التي أصدرتها حكومة مصطفى الكاظمي السابقة بعد تاريخ 8 تشرين الأول/أكتوبر 2021.

بحسب السوداني، فإن قراراته جاءت؛ لأن قرارات الحكومة السابقة منذ التاريخ المحدّد وهو 8 تشرين الأول/أكتوبر 2021، كانت غير قانونية؛ لأن الحكومة كانت حكومة تصريف أعمال يومية.

قرارات مجلس الوزراء المعني بإلغاء كافة الأوامر الديوانية بعد 8 تشرين الأول/أكتوبر 2021، تعني إعفاء رئيس “جهاز المخابرات” رائد جوحي من منصبه، وإعفاء رئيس جهاز “الأمن الوطني” حميد الشطري أيضا.

حذف عام من حكومة الكاظمي

من بين من شملتهم القرارات، إعفاء مستشار جهاز “الأمن الوطني” مهند نعيم، وكذلك المستشار السياسي لرئيس مجلس الوزراء مشرق عباس، ناهيك عن إعفاء محافظي بابل وذي قار والنجف وأمين بغداد.

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل جرى أيضا إعفاء من تم تكليفهم وكلاء أو مدراء عامين في الوزارات أو بمستوى منصب مدير عام بقرار مباشر من رئيس مجلس الوزراء السابق، مصطفى الكاظمي.

قرارات حكومة السوداني التي لم يمر سوى 5 أيام على تشكيلها، تعني إنهاء قرارات عام كامل من عمر حكومة الكاظمي، في وقت كان عمر الحكومة سنتين فقط، أي أن نصف عمر الحكومة تم حذفه بقرارات من السوداني.

هل تعد كل هذه الإعفاءات التي أصدرها رئيس الحكومة العراقية شياع السوداني، قرارات تصحيحية أم انتقامية. السوداني أجاب على ذلك في مؤتمر صحفي أمس الثلاثاء، بقوله إن القرارات ليست ضمن حسابات سياسية أو إقصاء جهات معينة.

بحسب الباحث السياسي، غيث التميمي، فإن قرارات الحكومة الجديدة، من حيث المبدأ هي دستورية وقانونية؛ لأن حكومة الكاظمي تجاوزت صلاحياتها بعد الانتخابات المبكرة بعشرات القرارات غير القانونية؛ لأنها حكومة تصريف أعمال، أي بمثابة المستقيلة.

نزعة انتقامية

التميمي يقول لـ “الحل نت”، إن قرارات حكومة السوداني استندت لقرار “المحكمة الاتحادية العليا” الذي صدر في أيار/مايو الماضي، عندما قال إن حكومة الكاظمي، هي حكومة لتسيير الأمور اليومية فقط، وليس من حقها إصدار قرارات تعيينات وإقالات وغيرها.

حكومة تصريف الأعمال، هي الحكومة المنتهية الصلاحيات، وتستمر بأداء عملها بشكل يومي، بعد إجراء الانتخابات لحين تشكيل حكومة جديدة، لكن الانسداد السياسي بعد الانتخابات الأخيرة، أطال من عمر حكومة تصريف الأعمال بقيادة الكاظمي لمدة عام كامل.

أُجريت الانتخابات العراقية الأخيرة في 10 تشرين الأول/أكتوبر 2021، وأسفرت عن فوز “التيار الصدري” فيها، وسعى لتشكيل حكومة أغلبية يقصي “الإطار التنسيقي” الموالي لإيران منها، لكن الكل وقف بوجه مسعاه.

بين مسعى زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر، ورفض حكومة الأغلبية من قبل القوى السياسية الأخرى، لا سيما “الإطار” الموالي لإيران، دخل العراق في انسداد سياسي لمدة عام كامل، قبل أن ينسحب “التيار” من البرلمان والعملية السياسية، ويفسح المجال أمام قوى إيران لتشكيل الحكومة الجديدة.

قرارات شياع السوداني وإن كانت قانونية، إلا أنها لا تخلو من نزعة انتقامية ومن تصفية حسابات واضحة وضوح الشمس، خصوصا وأن أهم من أُقيلوا هم رائد جوحي ومشرق عباس ومهند نعيم، وهؤلاء كانوا العمود الفقري لحكومة الكاظمي، على حد قول الباحث السياسي، غيث التميمي.

فقدان الثقة

النزعة الانتقامية تتضح من خلال إعفاء رؤساء الأجهزة الأمنية، وهذا إن دل على شيء فهو يدل على عدم ثقة حكومة شياع السوداني بحكومة الكاظمي السابقة، لذلك أعفى كل شخوص تلك الحكومة، وفق التميمي.

الباحث السياسي العراقي يردف، أن المؤسسات الأمنية لطالما كانت محتكرة من قبل قوى “الإطار”، لكن الكاظمي أنهى احتكارها، وهو ما أثار حفيظة قوى إيران، لذلك فإن أول القرارات التي اتخذتها الحكومة الجديدة بعد وصولها لقيادة المرحلة، إعفاء قيادات تلك المؤسسات، تمهيدا لعودتها إلى “الإطار” مجددا.

قبل تشكيل الحكومة الجديدة بأيام وجيزة، تسرّبت معلومات عن صراعات “إطارية” لتقاسم إدارة المؤسسات الأمنية في المرحلة الجديدة، خصوصا جهازي “المخابرات والأمن الوطني” ووزارة الداخلية.

يشكّل الأمن حجر الأساس لأي نطام سياسي، و”الإطار” يدرك بأن عدم إدارة المؤسسات الأمنية من قبل شخوص يتبعون له، يعني أنه لا يمكنه التأمين على نفسه من أي تحركات، لا سيما من التظاهرات لو حدثت؛ لأن القيادات الأمنية التي لا تنتمي له والتي تم إعفاؤها، ليست عُنفية، أي لا تقف بوجه الشارع، عكس “الإطار” الذي يقمع كل من يهدّد استمراريته، بحسب التميمي.

بالمحصّلة، فإن قرارات حكومة شياع السوداني جاءت انتقامية تحت عباءة قانونية، لتصفية الحسابات مع حكومة الكاظمي، وإبعاد كل شخوصها من أي وجود في الحكومة الجديدة، نتيجة فقدان الثقة بها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.