الأسعار باتت الشاغل الأكبر للسوريين، حيث لا يمر يوم دون أن ترتفع أسعار السلع الأساسية وغير الأساسية في الأسواق السورية، دون أن يكون هناك أي ضوابط أو إجراءات حكومية للحد منها أو وقف ارتفاعها، فالحكومة تدّعي باستمرار أنها تقوم بمتابعة الموضوع متهمة التجار بأنهم السبب بما يجري، وفي مقابل ذلك ترى غرفة التجارة السورية أن للحكومة الدور الأكبر في رفع الأسعار، بين الحكومة وغرفة التجارة يئن السوريون تحت وطأة أسعار غير مسبوقة.

فوق الارتفاع ارتفاع

مؤخرا وخلال شهر تشرين الأول/أكتوبر الفائت، عاودت الأسعار بالارتفاع مرة أخرى بعد الارتفاعات السابقة، بنسب مختلفة حسب كل مادة من المواد الأساسية والاستهلاكية، حيث زادت في بعض الأحيان عن 20 بالمئة.

بيع الخضار في الشارع في سوريا “وكالات”

غسان الخليل، أربعيني يعيش مع أسرته المكونة من 4 أشخاص في حي برزة مسبق الصنع بدمشق، يروي لـ”الحل نت”، معاناة الأسعار المرتفعة باستمرار، قائلا، “أعمل في صيانة التمديدات الصحية حسب طلب الزبائن، ولذلك فأحيانا يمر أسبوع كامل دون أن أقوم بأي عملية صيانة، والأوضاع الاقتصادية سيئة للغاية، ولدي 3 أطفال في المدرسة، منذ عدة أشهر ونحن نعاني من ارتفاع كبير في الأسعار لكنه زاد كثيرا قبل نحو أسبوعين”.

الخليل يوضح الفوارق في السعر خلال الأسبوعين الأخيرين، “أصبح سعر كيلو الرز الطويل بـ 10 آلاف بعد أن كان بـ 9 آلاف، والقصير بـ 7500 بعد أن كان بـ 6 آلاف، أيضا الطحين زاد سعر الكيلو 500 ليرة ليصبح بـ 5 آلاف ليرة، البيض ما بين 16500 و17000 حسب البائع، وأيضا الجبن بنفس السعر، كيلو الدجاج يتجاوز 10 آلاف بعد أن كان مستقرا بنحو 9 آلاف، كل شيء زاد عن الحد، فوق كل الارتفاعات ارتفاع، والدخل لا يغطي إلا جزء بسيط من الاحتياجات”.

قد يهمك:أسعار العقارات في دمشق أغلى من لندن.. ما القصة؟

الأسعار ارتفعت علينا كثير

معظم أصحاب المحال التي تبيع بالمفرق يؤكدون أن المواد التي يعرضونها ارتفعت أسعارها، سواء كانت المحلية أو المستوردة وحتى المهربة، وهامش الربح لديهم محدود بسبب المنافسة.

أبو عثمان، صاحب محل بيع مواد غذائية في مدينة درعا، يوضح لـ”الحل نت” ما يجري، قائلا، “نحن كأصحاب محال نشتري البضائع من تجار الجملة والذين بدورهم إما أن يقوموا باستيراد جزء منها أو جلب مواد مهرّبة، وفي الحالتين فإن تكلفة الاستيراد ارتفعت كثيرا هذا العام بسبب الجمارك من جهة وأسعار الصرف ولزوم تحويل أموال الاستيراد عبر شركات صرافة محددة من قِبل الحكومة والتي تقوم بحساب العملات الصعبة وفق سعر الصرف في البنك المركزي وهذا ما يضاعف أسعار البضاعة على التجار”.

أبو عثمان يتابع “أما بالنسبة للمنتجات المحلية فهناك العديد من الذرائع الجاهزة، أبرزها ارتفاع أسعار المواد المحلية، وارتفاع أسعار الغاز والكهرباء حيث باتت معظم المنشآت تعمل وفق نظام الأمبيرات، ما يدفع كبار التجار لرفع الأسعار علينا كتجار مفرق، لذلك نلجأ لرفعها على الناس، الأمر ليس بيدنا مطلقا، الحكومة لا تقوم بعمل أي شيء لحل المشكلة التي نعاني منها نحن والناس”.

قرارات حكومية ترفع الأسعار

عضو مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق فايز قسومة، يرى أن للحكومة دورا كبيرا في ارتفاع الأسعار الهائل الذي طرأ على السلع والمواد في عام 2022، وذلك من خلال الكثير من القرارات، ذاكرا منها القرار رقم 1070 الذي أصدره “مصرف سورية المركزي” في العام الماضي، والذي نص على إجبار المستوردين على تمويل مستورداتهم عن طريق شركات الصرافة المختصة، ولكن هذا الأمر تسبب بضغط هائل على شركات الصرافة المحدودة لذا تم تخفيض الكميات المستوردة فبدأت الأسعار بالارتفاع نتيجة انخفاض العرض بالأسواق، مشيرا إلى أن غاية المصرف المركزي حينها كانت تخفيف الطلب على القطع الأجنبي والمحافظة على سعر صرف الدولار أمام الليرة السورية.

قسومة يوضح الأسباب أنه منذ بداية آذار/مارس من العام الحالي بدأ سعر الصرف بالارتفاع بعد أن حافظ على قيمته لعدة أشهر ولكن خلال سبعة أشهر أي لغاية تشرين الأول/أكتوبر ارتفع سعر الصرف بنسبة 40 بالمئة، وفي الوقت ذاته أصدر “مصرف سورية المركزي” قرارا برفع سعر تمويل المستوردات بنسبة 40 بالمئة، إضافة إلى إصدار قرار آخر رفع فيه سعر الصرف الرسمي خلال أيلول ما أدى إلى ارتفاع الرسوم الجمركية بنسبة 12 بالمئة، وهذا الأمر انعكس بدوره على أسعار السلع في الأسواق، بحسب تقرير لصحيفة “الوطن” المحلية، اليوم الخميس.

قسومة أشار إلى أن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، أصدرت أيضا قرارا في آب/أغسطس من العام الحالي يقضي برفع أسعار المشتقات النفطية بنسبة 130 بالمئة إضافة إلى تخفيض الكميات المخصصة للآليات التي تعمل على البنزين، ما دفع المواطنين إلى شراء بنزين من السوق السوداء بأسعار مرتفعة أو اللجوء إلى التهريب من لبنان بسعر 7500 ليرة للتر الواحد، أي بزيادة تصل إلى 5000 ليرة عن السعر المدعوم، ما ساهم بشكل كبير في ارتفاع الأسعار أيضا.

قسومة أوضح، أن وزارة الكهرباء أصدرت قرارا بحجة دفع قطاع الأعمال للتوجه للطاقات البديلة في توليد الكهرباء برفع أسعار الكهرباء الصناعية من 130 ليرة للكيلو واط إلى 560 ليرة للكيلو واط، دون أن تقوم بأي دراسة للكلفة الحقيقية ما رفع الأسعار بشكل هائل أيضا، وخاصة أن ارتفاع تكاليف الإنتاج ينعكس تأثيره الكلي في سعر السلعة النهائية.

ما هي الحلول؟

قسومة اقترح أن يلغي “مصرف سورية المركزي” القرار 1070، وخاصة بالنسبة للمواد الغذائية والمواد الأولية للصناعات، معتبرا أن هذا القرار ساهم بانقطاعات كبيرة في المواد الأولية وتوقف عدد كبير من المعامل، ومضيفا أنه كما يجب تحرير أسعار المواد المنتجة والمستوردة لأن ذلك من شأنه يحقق منافسة بين التجار، إضافة إلى تأمين انسياب البضائع لتأمين المنافسة أيضا، وتشديد العقوبات المفروضة بحق التجار الذين يقدمون فواتير وهمية وملاحقة نسب أرباح البائعين (نصف جملة ومفرق)، دون أن يقدم قسومة اقتراحا بديلا للقرار 1070 وآلية تمويل المستوردات في ظل شح القطع الأجنبي وتراجع الحوالات الخارجية.

كما شدد قسومة على ضرورة متابعة آلية الربط الإلكتروني مع وزارة المالية بالنسبة لكل القطاعات لتشمل المنتجين والمستوردين وبائعي الجملة وذلك للحد من التهرب الضريبي، إضافة إلى ضرورة التشدد بملاحقة بيانات الاستيراد التي يتم فيها إدخال البضائع بسعر مخفض، وإعطاء أولوية حكومية للتصدير ومتابعة أرقام التصدير من الوزراء المختصين لمعرفة سبب تراجع الصادرات وإزالة المعوقات، كما يتطلب الأمر الاهتمام بتأمين تنشيط لجميع الصادرات ودفعها بطريقه سهلة دون تأخير أو تعقيد.

أما الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق، شفيق عربش، بيّن أن كل الإجراءات التي اتخذتها الحكومة فيما تتعلق بأسعار حوامل الطاقة أثّرت على التكاليف بشكل كبير لأنها من جهة رفعت الأسعار الرسمية ومن جهة أخرى رفعت الأسعار في السوق السوداء، مشيرا إلى أن الحكومة لا تملك رؤية واضحة وليس لديها خطة عمل وأن كل قراراتها هي عبارة عن ردود أفعال وليست أفعالا، وعندما تعتبر أن التجار أقوى منها فعليها أن ترحل ولكن هذا التقصد بعدم تطبيق أحكام المرسوم 8 لعام 2021، على جميع المخالفات والاكتفاء فقط بتطبيق المرسوم على صغار الكسبة والتباهي بعدد المخالفات المسجلة يعد دليل عجز، لأن المرسوم وضع للقضاء على هذه الظواهر التي تقول الحكومة إنها غير قادرة على ضبطها أو القضاء عليها.

عربش أوضح أن كل مواد المرسوم لا تطبّق حيث تحدث المرسوم عن الاحتكار والاتجار بالمواد المدعومة والأساسية وحدد عقوبات رادعة، ومع ذلك لم تتم محاسبة سوى عدد من الأشخاص الموجودين في الواجهة ولم تتم على كبار التجار الذين يقررون وتصبح قراراتهم سارية المفعول، مشيراً إلى أن الفساد الذي أدى إلى تحالف بعض صانعي القرار مع هؤلاء التجار تسبب برفع الأسعار وفقدان المواد، وعدم معرفة الآلية التي تتحدد بها الأسعار.

تضاعف تكلفة المعيشة

عند مقارنة الأسعار خلال السنوات الماضية، فإن تكلفة المعيشة خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة قد تضاعفت بشكل كبير ولافت للنظر، فمع تردي سعر صرف الليرة والتضخم الاقتصادي الناتج عن ذلك، فقد تضاعفت فاتورة الأسرة السورية في العام 2020 إلى مليون ليرة كحد أدنى، لترتفع إلى مليون ونصف في آذار/مارس 2021.

محال لبيع المواد الأساسية في سوريا “وكالات”

مؤخرا تضاعفت هذا الفاتورة بنسبة 100 بالمئة خلال عام واحد لتبلغ 3 ملايين ليرة سورية شهريا، وتأتي هذه الارتفاعات في تكلفة المعيشة وسط انخفاض كبير في مستوى الدخل لا يتناسب أبدا معها.

وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، حددت في وقت سابق الحد الأقصى للربح في إنتاج أو استيراد عدد من المواد ولكافة حلقات الوساطة التجارية، حيث تم تحديد هامش الربح لحوالي 50 مادة وتراوح الحد المسموح به بالربح بين 4 – 10بالمئة للمستورد وتاجر الجملة، وبين 5 – 13بالمئة لبائع المفرق.

كما تم تحديد الحد الأقصى للربح بـ 9 بالمئة لتاجر الجملة في حال أُنتج أو استورد هذه المواد، (السمن والزبدة الحيوانية والزيت النباتي وزيت الزيتون والملح، والنشاء واللحوم والحليب المجفف كامل الدسم وخالي الدسم، وحليب الأطفال ومستحضرات أغذية الأطفال، والمتة والمشروبات الغازية والكحولية، والطحين المنتج والخبز السياحي والصمون والكعك، والبقوليات والبرغل والفريكة ومكعبات الثلج والمخللات، وأنواع من الأسمدة والبذور الزراعية، والمستورد من الألبسة المدرسية)، ويكون هامش الربح لبائع المفرق بهذه المواد بين 5 إلى 13بالمئة.

أما المواد التي كان هامش ربحها أقل من ذلك، فهي (الأرز والسكر ومعلبات اللحوم والسمسم والطحينة والحلاوة، والشاي المستورد والبن بأنواعه والطحين المستورد والدفاتر المدرسية)، ويكون هامش الربح لبائع المفرق بهذه المواد بين 5 إلى 9 بالمئة.

قد يهمك:أسعار جديدة لتوصيلة “التكاسي” في سوريا.. فتح الباب فقط بـ5 آلاف!

لا توقف في ارتفاع الأسعار ولا حلول حكومية، وبالإضافة لذلك فإن السوق تعاني من فلتان بالأسعار دون أي ضوابط، ويبقى المواطن ضحية بين قرارات حكومية غير واقعية وطمع لدى التجار وانهيار اقتصادي غير مسبوق.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.