وسط العاصمة بغداد، يقع سوق “الباب الشرقي” الذي كان يوما ما مركز العاصمة الحضاري قبل أن يتحول مع الزمن إلى ملاذ للفقراء، الذين لم يجدوا مكانا أخر أكثر زهدا لما يوفره من احتياجات عامة. بيد أن هذا السوق العريق ما زال يمثل مركز العراق التجاري.

منطقة الباب الشرقي تمثل إحدى بوابات العاصمة التاريخية، التي كانت واحدة من بين أبواب الكوفة والشام وخراسان والبصرة التي اندثرت مع الزمن في جانب الكرخ، وفي جانب الرصافة، باب الشيخ والباب الوسطاني وباب الآغا والشرقي.

عُرفت منطقة “الباب الشرقي” على مدى عقود طويلة، بوصفها قلب العاصمة النابض، ووجهها الحضاري، لما مثّله موقعها وسط بغداد وما اكتسبته بالتقادم من الحركة العمرانية التي شهدتها مدينة السلام، وهو ما أضفى عليها من حيوية.

منطقة “الباب الشرقي” استمرت تمثل منطقة جذب للبغداديين لعقود، حيث باتت وجهتهم المعهودة، لما تحتويه من دور للسينما، ومجمعات الألبسة والمطاعم، قبل أن تتحول في التسعينيات إلى ما بعدها لمكان يجتمع فيه الفقراء، ويعتمد عليه غالبا في احتياجاتهم.

ظروف كلها تدفع بكرار العبادي ابن العقدين ونيف، إلى أن تكون هذه المنطقة ملاذه الوحيد لمقاومة غلاء البضائع في الأسواق العامة، حيث يقول في حديث لموقع “الحل نت“، اعتدت على الارتياد إلى الباب الشرقي، الذي أجد في كل ما احتاجه وبأسعار مناسبة.

اقرأ/ي أيضا: “يزاودون علينا علمود إيران”.. فلاحو العراق يتركون أراضيهم

سوق مستخدمة وأنيقة

العبادي يضيف أيضا، أن الحياة هنا أرخص من باق الأسواق، كما أنها تحتوي على ما لا تحتويه باقي المراكز التجارية. الألبسة المستخدمة (البالة) هنا تحتوي على كل شيء، كما أن أسعارها زهيدة جدا، إضافة على ما يتوفر فيها من علامات تجارية شهيرة لا يمكنني شرائها جديدة من المراكز التجارية.

العبادي لا يعتمد على “الباب الشرقي” في شراء الألبسة فحسب، بل أنه يؤكد أن كل ما يحتاجه يأتي لشرائه من هذا المكان، من أجهزة كهربائية ومقتنيات قديمة، وغيرها من احتياجات الرياضة، وصولا إلى البدلات الرسمية.

العبادي يعتقد أن حياته من دون “الباب الشرقي” ستكون صعبة، فهو تحول إلى جزء من حياته. يقول إنه قضى فترته الجامعية وهو معتمدا على هذا المكان في كل ما يحتاجه، فهي وإن كانت سوق زهيدة الأسعار لكنها ولمن يمتلك الخبرة في التبضع منها سيكون متميزا على أقرانه.

من جهته، يروي أبو جعفر صاحب محل لبيع الألبسة المستخدمة في منطقة “الباب الشرقي” منذ نهاية تسعينيات القرن الماضي، بالقول إن المنطقة بعد الحصار الذي تعرض له العراق على إثر حرب صدام حسين على الكويت، تحولت إلى منطقة يحاول من خلالها الشباب كسب قوتهم منها ببيع حاجياتهم المستخدمة، والشراء منها كل ما هو مستخدم.

أبو جعفر، يتحدث لموقع “الحل نت“، قائلا إن “السوق تحتوي على كل ما يحتاجه المرء، وكل ما يخطر على باله يتوفر فيها، وعلى الرغم مما تعرضت له المنطقة من إهمال بعد 2003، وعمليات إرهابية إلا أنها بقيت صامدة. كما توفر آلاف الفرص للشباب والعوائل.

اقرأ/ي أيضا: “لا بُنّيّة ولا زبيديّة”.. مهنة صيد الأسماك تصارع الانقراض في البصرة

الباب الشرقي والفقراء

منذ التسعينيات المليئة بالمصاعب والجوع، اقتصر مجد منطقة “الباب الشرقي”، على تواجد السلع العتيقة وتحول إلى مركز لبيع أنواع المواد المستعملة.

كما بات الاسم الذي كان يعج بكل ما يمت للمدنية بصلة اسم “سوق هرج” وحسب، يقصده الفقراء من الباعة والمتبضعين لشراء حاجاتهم بأسعار متواضعة. وصار لاحقا مركزا مهما لبيع الملابس المستعملة وتوزيعها على عموم مناطق بغداد والمحافظات.

“الباب الشرقي” هو اسم المنطقة نسبة إلى اسمها التاريخي القديم منذ زمن العثمانيين الذي جثموا على البلاد أكثر من 4 عقود، غير أنه لا يقتصر على ذلك الحد، بل يمتد إلى مساحة واسعة تشمل، مناطق وأسواق عدة.

إذا أنها ما تزال تحتوي على سوق “الشورجة” الذي يمثل المركز التجاري للبلاد، وهو محل بيع الجملة والذي يقصده كل أصحاب المحال التجارية في أنحاء البلاد، إضافة إلى عدة مراكز تجارية تتمثل باحتياجات كماليات السيارات وغيرها الكثير.

فضلا عن ذلك، فهي تضم أيضا أسواق مثل التجهيزات العسكرية، وما يتعلق باحتياجات النساء، إضافة إلى سوق خاص بالحيوانات، كما أن المنطقة تضم عدد من المواقع الأثرية التي تتمثل بالمساجد والخانات القديمة، إضافة إلى النّصب والتماثيل، مثل نَصب الحرية الشهير.

اقرأ/ي أيضا: “العيشَة صعبَة والراتب مذلّة”.. الحياة تضيق بوجه متقاعدي العراق

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.