أيام قليلة تفصلنا عن مؤتمر تغير المناخ، المعروف باسم “كوب 27″، الذي سيبدأ أعماله في مصر، وتستضيفه مدينة شرم الشيخ بداية من 6 تشرين الثاني/نوفمبر الحالي، حتى الـ 18 من الشهر نفسه، حيث تعقد الآمال على حلول لمكافحة تغير المناخ وانعكاسات ذلك على الاقتصاد العالمي بأسره.

الأنظار تتجه نحو هذه القمة، التي يشارك فيها قادة العالم، ومسؤولون رفيعو المستوى في الأمم المتحدة، إلى جانب آلاف النشطاء المعنيين بالبيئة من كافة الدول في أكبر تجمع سنوي حول العمل المناخي.

قد يهمك: هكذا ستغير أهداف تغير المناخ مستقبل المنطقة العربية

هذا العام يعقد المؤتمر على خلفية الأحداث المناخية القاسية التي شهدتها جميع أنحاء العالم، وأزمة الطاقة التي أثارتها الحرب في أوكرانيا، والبيانات العلمية التي تؤكد أن العالم لا يفعل ما يكفي للتصدي لانبعاثات الكربون وحماية مستقبل كوكبنا.

طرح الحلول

مؤتمر تغير المناخ يحمل في أجندته محاور كبيرة وقوية تهدف إلى التخفيف من آثار تغير المناخ وخفض الانبعاثات وإبطاء وتيرة الاحتباس الحراري، إضافة إلى التكيف مع العواقب المناخية. الخبيرة والناشطة البيئية هلا مراد، ترجح في حديث خاص لـ “الحل نت”، أن تكون قضية الخسائر والأضرار على أجندة الشعوب والمنظمات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني وأن تتخذ الدول، خاصة الغنية منها، إجراءات واضحة من أجل الأضرار والخسائر التي تحدث للبلدان الضعيفة والبلدان الأقل نمواً والبلدان الجزرية وأيضا في المنطقة العربية.

رئاسة “كوب 27” تتوقع في تقرير لها، أن تقوم الدول بتحديد وتقييم التقدم الذي تحرزه نحو تعزيز المرونة ومساعدة المجتمعات الأكثر ضعفا، وهذا يعني أن تقدم البلدان التزامات أكثر تفصيلا وطموحا في مكونات التكيف بخططها المناخية الوطنية.

الأمين العام، أنطونيو غوتيريش، قال إن الدورة السابعة والعشرين من مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ أو “كوب 27″، يجب أن تقدم دفعة أولى بشأن الحلول المناخية تتناسب مع حجم المشكلة.

هلا مراد تعتبر أن الدول الكبيرة هي المسؤولة عما يحدث في هذه البلاد من أضرار وخسائر مرتبطة في التغير المناخي وبالتالي عليها أن تتحمل كامل المسؤولية المرتبطة بذلك. هذه المطالبات هي المطالبات الحقيقية التي تعتقد مراد، أنها سوف تتصدر العناوين والأجندات وبتحديد إيجاد مرفق الخسائر والأضرار، واعتبار أيضا الخسائر والأضرار ليست مرتبطة في التدمير كحدوث فيضان أو حدوث دمار كما حدث في باكستان مؤخراً.

الحلول الجذرية لموضوع تغير المناخ مطروحة منذ أعوام كثيرة وهي تأتي على شكل وقف فوري وعاجل للانبعاثات بشكل أساسي، وفق مراد، ولا يمكن البحث عن حلول قائمة فقط على التعامل أو الاستسلام للظاهرة.

هيئة الأمم المتحدة المعنية بتغير المناخ تؤكد أن “زيادة حجم تمويل التكيف بشكل كبير من جميع المصادر، العامة والخاصة منها، مهمة من أجل الاستجابة لمخاطر المناخ الحالية والمستقبلية. لذا، يجب أن يشارك جميع اللاعبين، بمن فيهم الحكومات والمؤسسات المالية والقطاع الخاص”.

آثار اقتصادية

التغيُّر المناخي يزيد من تفاقم العديد من المخاطر مثل أزمة المياه، ونقص الغذاء، وبالتالي ارتفاع أسعار المواد الغذائية والذي يؤدي بدوره إلى ارتفاع التضخم، الأمر الذي يؤثر سلبا على القوة الشرائية والاستهلاك.

دراسة حديثة أجراها فريق من الباحثين في جامعة كاليفورنيا في ديفيس بالولايات المتحدة، أن تغير المناخ يؤثر في مجموعة واسعة من القطاعات الاقتصادية، من تلف المحاصيل الزراعية إلى فشل التبريد في مراكز البيانات القائمة على السحابة، وفق تقرير نشره موقع “ساينس ديلي” في 10 آب/أغسطس الماضي. الدراسة أشارت إلى أن الاقتصادات شديدة التأثر بتقلبات درجات الحرارة المستمرة خلال إطار زمني مدته 10 سنوات على الأقل، تؤثر في النمو الاقتصادي في نحو 22 بالمئة من البلدان التي حُلّلت.

تغيُّر المناخ سوف يكون أكثر حدة على اقتصادات الدول النامية التي تعتمد بشكل أساسي على قطاعي الزراعة والسياحة. تقديرات البنك الدولي تشير أن الدول النامية ستتحمل حوالي 75 بالمئة – 80 بالمئة من تكاليف الأضرار التي تنجم عن تغيُّر المناخ، فارتفاع درجة حرارة الأرض ولو بدرجتين مئويتين عن درجة الحرارة التي كانت سائدة قبل الثورة الصناعية، يمكن أن يؤدي إلى انخفاض إجمالي الناتج المحلي بحوالي 4 بالمئة – 5 بالمئة بالنسبة لأفريقيا وجنوب آسيا، مقارنة بـ1 بالمئة في الدول المتقدمة.

 تغير المناخ له آثار اقتصادية كبيرة على الاقتصاد خاصة انه مرتبط بالكوارث الطبيعية التي تصل كلفتها إلى المليارات، إضافة إلى تأثيره على إنتاج الغذاء والأمن الغذائي، بحسب حديث المحلل الاقتصادي، الدكتور قاسم الحموري، لـ “الحل نت”.

وفقا لأطلس المنظمة العالمية للأرصاد الجوية “دبليو أم آو” للوفيات والخسائر الاقتصادية الناجمة عن ظواهر الطقس والمناخ والظواهر المناخية المتطرف2019-1970، حدثت زيادة كبيرة في الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الكوارث الجوية خلال السنوات الـ 50 الماضية. وقد أثرت أكثر الكوارث تكلفة على الولايات المتحدة والصين.

إعصار واحد قد يؤدي إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي السنوي لدولة ما بنسبة قد تصل إلى 800 في المئة كما لوحظ في دول الكاريبي وفي أفريقيا، أدت أحداث الجفاف أو الفيضانات إلى تخفيضات سنوية في الناتج المحلي الإجمالي تصل إلى 20 في المئة. لكن بفضل خدمات الإنذار المبكر المحسنة، انخفض عدد الخسائر البشرية.

“الاحتباس الحراري” يؤثر أيضا على كلف الطاقة، إذ أصبحت بعض المناطق بحاجة إلى أدوات تبريد “مكيفات” نتيجة ارتفاع درجات الحرارة، وفق الحموري، الذي أكد بدوره على أهمية التقليل من الوقود الأحفوري والتوجه إلى الطاقة البديلة.

تغير المناخ يمكن أن يخفض غلة المحاصيل، وخاصة في أكثر مناطق العالم معاناة من انعدام الأمن الغذائي. وفي الوقت نفسه، تتسبب أساليب الزراعة والحراجة وتغيير استخدام الأراضي في نحو 25 بالمئة من انبعاثات غازات الدفيئة؛ يلعب قطاع الزراعة دورا أساسيا في التصدي للتحدي المناخي، وفق بحث للبنك الدولي.

الدول لا تلتزم

المؤتمر الـ 27 للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ “كوب 27” سيعتمد على نتائج الدورة السادسة والعشرين لمؤتمر الأطراف “كوب 26” لاتخاذ إجراءات بشأن مجموعة من القضايا الحاسمة لمعالجة حالة الطوارئ المناخية، انطلاقا من الحد بشكل عاجل من انبعاثات غازات “الاحتباس الحراري” وبناء القدرة على الصمود والتكيف مع الآثار الحتمية لتغير المناخ، وصولا إلى الوفاء بالتزامات تمويل العمل المناخي في البلدان النامية. 

الدول والأطراف لا تلتزم عادة بالمخرجات، وفق هلا مراد، التي أشارت إلى إقرار دفع ما يقارب 100 مليار دولار للدول الأضعف من أجل التصدي والتكيف والتخفيف من أثر المناخ في حلول 2020 بعد اتفاقية باريس وهذا لم يحدث إلى اليوم.

 دائما يحدث أن تتوقف المفاوضات عند حدود معينة، وترجع أعمالها إلى القمة التي تليها، وهذا للأسف الشديد يعطل الكثير من الحلول التي هي معروفة للجميع، ولا تحتاج إلى الكثير من الاجتهاد لنعرف كيف لنا أن نتصدى لهذه الظاهرة، بحسب مراد.

جدية الدول خاصة المعنية بالوقود الأحفوري، هو مرتبط بشكل أساسي في أجندتها الاقتصادية ونموها الاقتصادي، وبالتالي لا يمكن لها التنازل عن المكتسبات العالية التي قد تحققها نتيجة استخدامها له.

“نحن أمام إشكاليات قد تقودنا إلى عودة غير محمودة”، وفق مراد، لكثير من الممارسات التي نعتبر أننا تخطينا جزء منها في كثير من مؤتمرات الأطراف، وفي كثير من التقدم في مجال هذا الملف بعد الحرب الروسية الأوكرانية، التي أدت إلى قلة تدفقات الغاز إلى أوروبا، الأمر الذي دفع بأوروبا إلى استخدام الفحم وهو الوقود الأكثر تلوثا، وبالتالي هناك عودة إلى الخلف لأسباب اقتصادية وسياسية، وفق تعبيرها.

اقرأ أيضا: التغيرات المناخية القادمة من أنقرة.. خطر يتهدد سوريا والعراق؟

“علينا بشكل أو بآخر أن نكون متوازنين في طرح الحلول، هناك مواجهة لأنه بتنا على مقربة كبيرة من الآثار إن كان على مستوى الجفاف والتصحر في منطقتنا، ولذلك لابد أن نتعامل معه بشيء من الجدية القائمة ع المواجهة”، تقول مراد.

تقييم جديد متشائم صادر عن الأمم المتحدة من عدم وجود “طريق موثوق” لإبقاء الارتفاع في درجات الحرارة العالمية تحت عتبة 1.5 درجة مئوية، ويقول تقرير الأمم المتحدة إن خطط الحكومات لتقليص الانبعاثات الكربونية منذ مؤتمر المناخ “كوب 26” العام الماضي، كانت “غير كافية بشكل محزن”.

الأزمة ليست وليدة اليوم

منذ أكثر من 30 سنة ولدت أزمة المناخ في العالم، حيث كان أول انتباه لها سنة 1988، وكانت أول اتفاقية عام 1992، من أجل الحد من التغيرات المناخية التي نشهدها اليوم، وفق حديث الخبيرة البيئية هلا مراد لـ “الحل نت”.

في ذلك الوقت كان ما زال مجال العمل أوسع وأكبر، ولكن اليوم بات الموضوع أعقد لأن الظواهر والآثار بدأت تظهر بشكل كبير، بحسب مراد، وهي رئيسة جمعية “دبين” للتنمية البيئية في الأردن.

تغير المناخ هو عبارة عن زيادة مستوى الغازات التي تسمى الغازات الدفيئة (ثاني أكسيد الكربون والميتان وغازات أخرى) في طبقات الجو العليا وبالتالي زيادة معدلات دخول أشعة الشمس اي الحرارة إلى سطح الأرض وعدم خروجها بشكل طبيعي مما يؤدي إلى ما تسمى ظاهرة الاحتباس الحراري وبالتالي تؤدي إلى آثار نعتبرها آثار مناخية

أسباب تغير المناخ، وفق مراد، ليست فقط تلوث الغازات، ولكن له أسباب وعمق تاريخي تعود إلى أن كوكب الأرض هو متغير بطبيعته وقربه من أشعة الشمس باستمرار وبأجزاء صغيرة جدا تؤدي إلى تغيرات على سطح الأرض، إضافة إلى أسباب جيولوجية مثل البراكين وعدد من التحملات التي تحدث في الكوكب، لكن اليوم باتت القضية بشكلها الأساسي هي قضية تلوث وانبعاثات كثيرة تأتي نتيجة التلوث الصناعي بعد عام 1990، أي بعد الثورة الصناعية الثالثة.

الرهان يبقى على التزام الدول بمخرجات مؤتمر المناخ “كوب 27” والبحث في حلول حقيقية جذرية، تجنب العالم المزيد من الكوارث والخسائر الاقتصادية بعيدة المدى.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.