يوم الخميس الماضي، أعلن ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، عن إطلاق شركة “سير”، لتكون أول علامة تجارية سعودية لصناعة السيارات الكهربائية في المملكة، وذكرت وكالة الأنباء السعودية، أن إطلاق الشركة الجديدة يأتي تماشيا مع استراتيجية صندوق الاستثمارات العامة التي تركز على إطلاق وتمكين القطاعات الواعدة لتنويع مصادر الاقتصاد السعودي وفقا لأهداف رؤية 2030، وبما يتسق مع أهداف المملكة في تخفيض انبعاثات الكربون والمحافظة على البيئة تعزيزا للتنمية المستدامة.

محمد بن سلمان، قال إن، “إطلاق شركة سير لا يهدف إلى بناء علامة تجارية للسيارات في المملكة فحسب؛ بل يدعم تمكين قطاعات استراتيجية متعددة تدعم تطوير المنظومة الصناعية الوطنية، وتسهم في جذب الاستثمارات المحلية والدولية”.

تنويع في الاقتصاد وحفاظ على المناخ

السعودية ومن خلال هذا المشروع تسعى إلى التنويع الاقتصادي، وذلك باعتباره آلية للحد من التبعية للقطاع النفطي في الدول التي تعتمد على مصدر واحد في اقتصادها القومي، كما يعتبر التنوع الاقتصادي بديلا عن الاعتماد على إيرادات النفط كمورد أحادي للاقتصاد الوطني.

العلامة التجارية لشركة سير السعودية لصناعة السيارات الكهربائية “وكالات”

بحسب مختصين، فإن التنوع الاقتصادي كذلك يشكل حماية للاقتصاد الوطني من أن يصبح رهينة تقلبات أسعار النفط في الأسواق العالمية، لذلك تلجأ العديد من الدول، من بينها الدول النفطية، إلى التوجه نحو تنويع الهياكل الاقتصادية ومن بينها المملكة العربية السعودية في تبني استراتيجية التنوع الاقتصادي.

أيضا على المستوى الكلي، يساعد التنويع الاقتصادي في إدارة التقلبات الاقتصادية، ويوفر مسارا أكثر استقرارا لتحقيق النمو والتطور الاقتصادي، وبالتالي زيادة تحقيق الرفاه الاقتصادي والاجتماعي للمواطنين، حيث إنه كلما تقدمت سلسلة التنوع الاقتصادي تزيد من أرباح الشركات الوطنية، وبالتالي خلق مزيد من فرص الوظائف وبالتالي تخفيض معدلات البطالة.

في هذا السياق، يرى مختصون أن السعودية تتطلع إلى دفع التحول الاقتصادي السعودي بنشاطات استثمارية وصناعية فعالة ومتنوعة ومؤثرة عالميا، من خلال عدد من القطاعات الحيوية، التي من بينها قطاع السيارات، بما في ذلك السيارات الكهربائية، وذلك عن طريق التعاون مع عدد من الشركات العالمية ذات المستقبل الواعد.

المختصون أضافوا أن المتابع لهذا القطاع، يجد أن سوق السيارات الكهربائية عالميا حققت نموا خلال 2021 بمعدل 16.5 بالمئة على أساس سنوي لتبلغ 287 مليار دولار، وهو ما يشكل 10 بالمئة من حجم سوق السيارات الإجمالي، ومن المتوقع أن تصل السوق إلى 1.3 تريليون دولار خلال خمسة أعوام، وأن تصبح 26 بالمئة من مبيعات السيارات الجديدة كهربائية بحلول 2030.

هذه الأرقام تدل على التحول الكبير والمتتالي لهذه الصناعة والمستقبل الواعد الذي ينتظرها في ظل الدعم الذي تتلقاه من الحكومات من خلال الحوافز والإعفاءات الضريبية، حيث يتوقع المركز الوطني السعودي للتنمية الصناعية، أن تنمو مبيعات السيارات في السعودية بحلول 2025 بمعدل نمو سنوي مركب 24 بالمئة، وأن تستحوذ السيارات الكهربائية على ما بين 5 إلى 7 بالمئة من النمو بإجمالي 32 ألف سيارة.

خبراء اقتصاديون يرون أن دخول السعودية في صناعة السيارات الكهربائية هو جزء من مشاريع متعددة لتنويع الاقتصاد السعودي، ومن المتوقع أن هذه الصناعة ستساهم في توفير 30 ألف وظيفة مباشرة وغير مباشرة بالسعودية، وتستقطب استثمارات مباشرة بقيمة 150 مليون دولار.

فالحكومة السعودية تطمح إلى إنتاج وبيع أول سيارة كهربائية بحدود عام 2025 على الأكثر، ولذلك تم توقيع اتفاقيتين مع شركتي “بي أم دبل يوم” و”فولكس فاغن”، للاستفادة من خبرتيهما في صناعة السيارات، ومن المتوقع أن تعزز تلك الصناعة الناتج المحلي الإجمالي للمملكة بحوالي 30 مليار ريال، كما أن صناعة السيارات الكهربائية ستخلق صناعات معاونة كثيرة، وبالتالي تساهم في التشغيل وتقليل نسب البطالة فضلا عن تنويع الاقتصاد بشكل كبير.

من جهة ثانية، يرى خبراء بيئيون أن صناعة السيارات الكهربائية ستزيح من منظومة النقل في السعودية السيارات التي تعمل بالبنزين والديزل، حيث أن كل سيارة تعمل بالكهرباء تدخل السوق السعودي ستخرج مقابلها سيارة تعمل بالبنزين أو الديزل، مما يؤدي لتقليل انبعاثات الكربون وتحقيق الأهداف المناخية للمملكة السعودية بما يتوافق مع الأهداف المناخية العالمية، مشيرا إلى أن الإعلان عن تأسيس شركة “سير” يتزامن مع انعقاد مؤتمر قمة المناخ الأممية في شرم الشيخ بمصر.

قد يهمك:ما موقف أميركا من السعودية بعد قرار “أوبك بلس”؟

  جذب للاستثمارات

وكالة الأنباء السعودية الرسمية “واس”، أوضحت أن شركة “سير” تُعد مشروعا مشتركا بين صندوق الاستثمارات العامة وشركة “فوكسكون”، التي ستُطوّر النظام الكهربائي للسيارات، مشيرة إلى أن “سير” ستعمل على، “تصميم وتصنيع وبيع السيارات الكهربائية المزودة بأنظمة تقنية متقدمة، كخاصية القيادة الذاتية، في المملكة ومنطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك سيارات السيدان وسيارات الدفع الرباعي”، لافتة إلى أن الشركة ستوفر “30 ألف وظيفة بشكل مباشر وغير مباشر بحلول عام 2034”.

بحسب “واس”، فإن “سير” ستجذب استثمارات أجنبية مباشرة تصل لـ 562 مليون ريال سعودي (149 مليون دولار) لدعم الاقتصاد وستوفر 30 ألف وظيفة، ومن المتوقع أن تصل مساهمة “سير” في الناتج المحلي الإجمالي إلى 30 مليار ريال سعودي (نحو 8 مليارات دولار) بحلول عام 2034.

صندوق الاستثمارات العامة أشار في بيانه أن “شركة فوكسكون ستطور النظام الكهربائي للسيارات وستخضع السيارات لفحص الجودة وفق أعلى المقاييس العالمية، ومن المقرر أن تكون سيارات شركة “سير” متاحة للبيع خلال عام 2025″.

بحسب وكالة “بلومبيرغ”، فإن هذا المشروع يشكل دفعة يمكن أن تساعد في تسريع جهود المملكة المعتمدة على النفط لتنويع اقتصادها، وتشير إلى أنه كانت لدى السعودية طموحات لسنوات لتطوير صناعة محلية للسيارات، للتنويع بعيدا عن النفط. وحاولت المملكة مؤخرا اتباع تكتيك مختلف، حيث يستثمر الصندوق في هذه الصناعة.

أيضا تلفت “بلومبيرغ”، إلى أن الصندوق استحوذ على حصة أغلبية في شركة “لوسيد” الأميركية لصناعة السيارات الكهربائية، وهناك خطة للشركة لبناء مصنع في مدينة الملك عبد الله الاقتصادية، قرب ميناء تجاري رئيسي على البحر الأحمر.

من جانبها ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، أن شركة “فوكسكون” التايوانية، المعروفة رسميا باسم شركة “هون هاي بريسيجن إندستري”، ستطور “الإلكترونيات في المركبات، التي تشمل نظام الترفيه والاتصال والقيادة الذاتية”.

الصحيفة تشير إلى أن “الحكومة السعودية قالت سابقا إنها تأمل في أن تجذب لوسيد شركات صناعية أخرى لإنشاء سلسلة إمداد محلية. لذا فإن الصفقة مع فوكسكون تأتي في إطار محاولات جذب الشركات الأجنبية للعمل في البلاد، رغم أنه ليس من الواضح ما إذا كانت الشركة التايوانية تخطط لاستثمار رأسمالها في المشروع المشترك”.

“لوسيد” سيارة مصنعها في السعودية

في شهر أيار/مايو الماضي، أعلنت وزارة الاستثمار السعودية الأربعاء بدء شركة “لوسيد” للسيارات الكهربائية أعمال بناء مصنع متقدم لها في المملكة، وذلك بطاقة إنتاجية تبلغ 155 ألف سيارة سنويا وباستثمارات تزيد على 3.2 مليار دولار أميركي.

وكالة الأنباء السعودية “واس”، أوضحت حينها أن البدء بتطوير صناعة السيارات الكهربائية في المملكة يعكس التزام المملكة القوي بجذب استثمارات نوعية تسهم في تنويع الاقتصاد ونقل التقنية وتطوير المهارات لدى الشباب السعودي، كما تعكس التزام المملكة العالمي بتعزيز الاقتصاد الأخضر وتخفيف الانبعاثات الكربونية.

نمو في الاقتصاد السعودي

التقديرات السريعة للهيئة العامة للإحصاء السعودية، أظهرت اليوم الاثنين، استمرار الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في السعودية بالارتفاع، مسجلا نموا 8.6 بالمئة خلال الربع الثالث من 2022، مقارنة بالربع المماثل من 2021.

الهيئة العامة للإحصاء ذكرت في تقرير لها، أن النمو الإيجابي للاقتصاد السعودي في الربع الثالث من العام الحالي، يعود إلى الارتفاع المسجل في الأنشطة النفطية بنسبة 14.5بالمئة على أساس سنوي، بالإضافة إلى الارتفاع المحقق في الأنشطة غير النفطية بنسبة 5.6 بالمئة، كما ارتفعت أنشطة الخدمات الحكومية بنسبة 2.4 بالمئة.

الهيئة، أضافت أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي المعدل موسمياً ارتفع بنسبة 2.6 بالمئة في الربع الثالث من 2022، مقارنة بالربع السابق من 2022، وحققت الأنشطة النفطية نموا بنسبة 5.8 بالمئة، بالإضافة إلى نمو الخدمات الحكومية بنسبة 1.1 بالمئة، كما حققت الأنشطة غير النطفية نموا بلغ 0.2 بالمئة على أساس ربعي.

كما كان الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للسعودية نما بنسبة 11.8 بالمئة في الربع الثاني من 2022، مقارنة بالربع المماثل من العام 2021، وبحسب مختصين فإن معدل نمو الاقتصاد السعودي هو الأسرع بين دول الـ”جي 20″، التي تشمل “اقتصاد مجموعة العشرين واقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية”.

في وقت سابق، قال رئيس بعثة صندوق النقد الدولي إلى السعودية، أمين ماطي، إن صندوق النقد الدولي يتوقع نمو الاقتصاد السعودي بـ 7.6 بالمئة في العام 2022، مضيفا أنه قد يتم رفع هذه التوقعات، وأشار إلى أن النصف الأول من هذا العام شهد نموا قويا لإيرادات القطاع غير النفطي في المملكة، متوقعا استمرار هذا الاتجاه بقية هذا العام.

ارتفاع في الأصول الاحتياطية الأجنبية

الأصول الاحتياطية الأجنبية للبنك المركزي السعودي ارتفعت بنسبة 2.4 بالمئة على أساس شهري، حتى أيلول/سبتمبر الماضي، إلى 1756.2 مليار ريال (468.3 مليار دولار)، مرتفعة 10.9 مليارات دولار، وحسب تقرير صدر عن البنك المركزي السعودي، الأسبوع الماضي، فإن الأصول الاحتياطية الأجنبية للمركزي السعودي في أيلول/سبتمبر الماضي تعد الأعلى منذ آذار/مارس 2020.

سيارة لوسيد “وكالات”

إيرادات السعودية التي تعتمد على النفط بوصفه مصدرا رئيسيا للدخل، تضررت جراء انخفاض الأسعار والطلب على الخام نتيجة تفشي كورونا؛ مما دفع احتياطها لأدنى مستوى في 10 سنوات في أيار/مايو 2021، وفقدت السعودية 50 مليار دولار من احتياطها الأجنبي خلال شهري آذار/مارس ونيسان/أبريل 2020، منها 40 مليار دولار تم تحويلها لصندوق الدولة السيادي (صندوق الاستثمارات العامة) ليستغل الفرص في الأسواق العالمية مع تداعيات كورونا.

في هذا السياق، فإن السعودية لا تفصح عن توزيع أصولها الاحتياطية الأجنبية جغرافيا أو حتى طبيعة الأصول، لكن وزارة الخزانة الأميركية تعلن شهريا استثمارات الدول في أذون وسندات الخزانة لديها، وبينها السعودية التي بلغت استثماراتها 122.1 مليار دولار حتى آب/أغسطس الماضي.

إقرأ:مشاكل تهدد العلاقات الأميركية السعودية؟

من الواضح أن السعودية باتت تدرك أن النفط لوحده لا يمكن أن يكون هو المورد الاقتصادي الوحيد، وأنه أصبح مطلوبا أن يكون هناك تنويع في الاقتصاد والاستثمارات خاصة من خلال الدخول من بوابات الصناعات الحديثة، علاوة على ذلك فإن الانفتاح الاقتصادي الذي شهدته المملكة خلال الأعوام الأخيرة ساهم بدعم الاقتصاد وزيادة معدل النمو الاقتصادي، وتعويض جزء كبير من الخسائر جراء أزمة جائحة كورونا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة