وسط احتدام المواجهات العسكرية بين الجيش الروسي والقوات الأوكرانية التي تحاول استعادة أراضيها المحتلة من قِبل الروس، يستعد الجانبان لخوض معركة، يصفها خبراء عسكريون، أنها الأبرز والتي ستحدد مصير الغزو الروسي لأوكرانيا، وهي معركة إقليم خيرسون.

أوكرانيا وقرار استعادة خيرسون

القيادة الأوكرانية يبدو أنها حسمت قرارها باستعادة مدينة خيرسون من قبضة الجيش الروسي، وذلك من خلال استعادة المبادرة وبدء هجمات عكسية ضد القوات الروسية، في محيط مدينة خيرسون التابعة للإقليم الذي يحمل نفس الأسم.

أوكرانيا أعلنت الإثنين، تسلمها أنظمة دفاع جوي جديدة من دول غربية لصد القصف الروسي الكثيف، الذي استهدف المدن والبنى التحتية الحيوية وتسبّب في انقطاع المياه والتيار الكهربائي مع اقتراب فصل الشتاء.

ووفق ما أكد وزير الدفاع الأوكراني، أوليكسي ريزنيكوف، في تغريدة، “فقد وصلت أنظمة الدفاع الجوي ناسامز وأسبيد، إلى أوكرانيا“.

وهذه الأسلحة، حسب قوله “ستعزز قدرات الجيش الأوكراني إلى حد كبير وستجعل مجالنا (الجوي) أكثر أماناً“. وأضاف: “سنواصل قتال الأعداء الذين يهاجموننا. شكرا لشركائنا النرويج وإسبانيا والولايات المتحدة“.

وما ينذر بوقوع معركة شرسة في خيرسون، إصرار الأوكران على استعادة مناطقهم من جهة، واتجاه روسيا إلى إجلاء المدنيين والسطو على منازلهم لاستخدامها في معركة ستكون فيها حرب الشوارع هي السمة الأبرز ربما لهذه المعركة.

الباحث في العلاقات الدولية الدكتور إياد المجالي، رأى أن حسم معركة خيرسون سيغير الكثير من معطيات المواجهة بين الجيش الأوكراني والقوات الروسية، وذلك لما تتمتع به هذه المدينة من أهمية جغرافية وسياسية.

ما أهمية خيرسون؟

المجالي قال في حديث خاص مع “الحل نت“، “مساعي الجيش الروسي حقيقة مستمرة منذ اليوم الأول/ للسيطرة على المنافذ البحرية والموانئ الحربية في أوكرانيا، وتحديدا تلك المطلة على البحر الأسود ونهر دنيبرو، وتُعد خيرسون من أهم الأقاليم التي تمتاز بموقعها الجغرافي والسياسي الحيوي، فهي ميناء ضخم لبناء وصناعة السفن وهي من أولى المدن وأكبرها التي خضعت لسيطرة الجيش الروسي خلال الأيام الأولى لبدء العمليات العسكرية في شباط/فبراير الماضي”

الأهمية الجيوسياسية لخيرسون كغيرها من الأقاليم الأربعة الأوكرانية التي ضمتها روسيا، فهي تُعد من منطقة دونباس الصناعية وتقع شمال شرق جزيرة القرم، كما أن أهمية المنطقة مرتبطة بشكل مباشر بحجم الموانئ التي تقع على سواحلها، كما أنها تصل إلى جزيرة القرم الواقعة كذلك تحت سيطرة الجيش الروسي.

المجالي يعتقد كذلك، أن استعادة الجيش الأوكراني لمدينة خيرسون، سيمكنه بالتأكيد من قطع خطوط الإمداد للجيش الروسي، مشيرا إلى أن الجيش الروسي أحدث إجراء استباقي بإجلاء المدنيين، تمهيدا لقصف المدينة في حال دخول الجيش الأوكراني إليها، “وهو إجراء تكتيكي تسعى إليه موسكو للحفاظ على قواتها بأمان خاصة مع احتدام العمليات العسكرية وتقدم الجيش الأوكراني باتجاه خيرسون“.

المستشار الرئاسي الأوكراني ميخايلو بودولياك، اتهم مجموعات الجيش الروسي بسرقة ونهب منازل المدنيين في خيرسون، وكتب عبر حسابه الشخصي في “تويتر“، “بينما يتم ترحيل سكان خيرسون قسراً من منازلهم، تحت اسم الإخلاء، ينهب رجال الجيش وجهاز الأمن الاتحادي الروس المنازل“.

المعارك تدور الآن في محيط مدينة خيرسون، وهي عاصمة الإقليم التي تحمل اسمه، والتي كان يسكنها قبل الحرب نحو 280 ألف نسمة، وهي أكبر مركز لا تزال روسيا تحتفظ به منذ الاستيلاء عليه في وقت مبكّر من غزو أوكرانيا قبل نحو ثمانية أشهر.

خيرسون، هو واحد من بين الأقاليم الأربعة التي أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ضمها، فيما يؤكد محللون أن خيرسون هو الأهم من الناحية الاستراتيجية، لا سيما وأنه يحوي الطريق البري إلى القرم، ومصب نهر دنيبرو الشاسع الذي يشطر أوكرانيا.

خسائر متتالية لروسيا

بعد انحسارها في العديد من القطاعات الأوكرانية، لجأت روسيا إلى استهداف البنية التحتية ومراكز الخدمات، للتغطية على خسارة مجموعات جيشها في العديد من المناطق، لا سيما في المناطق الأربعة التي أعلنت ضمّها قبل أسابيع.

الكاتب والمحلل السياسي الدكتور باسل معراوي، رأى أن الجيش الروسي، دخل في مأزق حقيقي خلال الفترة الماضية، وذلك بالنظر لهشاشة الدفاعات التي أنشأها في المناطق التي سيطر عليها، مشيرا إلى أن هناك مؤشرات عديدة على ضعف الدفاعات الروسية، خاصة مع استعادة أوكرانيا لزمام المبادرة وبدء الهجمات.

استمرار هزائم الجيش الروسي، تحت ضغط ضربات القوات الأوكرانية المدعوم من الغرب، سيزيد من احتمالية قصف الجيش الروسي لمحطات توليد أخرى ومؤسسات البنى التحتية، وفق رأي معراوي، لكن محطة خيرسون التي اتهمت أوكرانيا الجيش الروسي بتفخيخها، من المستبعد أن تلجأ روسيا لاستهدافها، وذلك لأنها المحطة الوحيدة التي تزود سكان القرم، بالمياه الصالحة للشرب، وقد كانت من أوائل أهداف الحملة الروسية، ويُعتبر تعطيلها ضربة ثالثة لجهود بوتين باستمرار الاحتفاظ بالقرم.

بالنظر إلى كثافة الهجمات الأوكرانية مؤخرا لاستعادة المناطق التي تقدمت إليها روسيا، يبدو أن القرار الرسمي والشعبي الأوكراني، هو إخراج القوات الروسية من بعض المناطق، مهما كان الثمن.

ضمن هذا المحور أوضح معراوي في حديث سابق مع “الحل نت“، “مهاجمة روسيا للأهداف الأوكرانية وبعض الصواريخ التي أُطلقت على كييف وغيرها، مصدرها من قواعد روسية ببحر قزوين، وهذا يدل على ضعف هائل روسي في تحقيق أي تقدم على الأرض بل حتى الدفاع عما تم احتلاله رغم تغيير قائد العملية عدة مرات ورفد الجبهات بقوى بشرية من الاحتياط“.

روسيا أخفقت منذ بدء غزوها لأوكرانيا في شباط/فبراير الماضي، عن طريق استخدام القبضة العسكرية الخشنة والمكثفة، في إملاء شروطها، فلم تنجح حسابات المعركة التي حسبها بوتين، على ما حصل في الميدان، لا سيما بعد أن باغت الأوكرانيون الجيش الروسي، وشنوا هجمات معاكسة خلال الأسابيع الماضية، ما عقد من حسابات القيادة الروسية.

مع احتدام المعارك في أوكرانيا بين القوات الروسية والجيش الأوكراني، كان للدعم الغربي دورا واضحا، في تفوق أوكرانيا برّيا ما ساهم في تراجع القوات الروسية في العديد من المناطق، إلا أن الهجمات الصاروخية الروسية الاخيرة، أظهرت ربما ضعف في منظومة الدفاع الجوية لأوكرانيا، فكيف ساهم الدعم الغربي في قلب موازين القوى على أرض المعركة.

يمكن القول، إن الهجمات الصاروخية الانتقامية التي نفّذتها روسيا مؤخرا على العديد من المناطق الأوكرانية بينها العاصمة كييف، رسمت معالم مرحلة جديدة من المواجهة العسكرية في أوكرانيا، إذ ربما تشكل هذه الهجمات ضغطا إضافيا على حلفاء أوكرانيا لتقديم الدعم العسكري اللازم لمواجهة هجمات مماثلة في المستقبل.

منذ بدء الدعم الغربي بكثافة للجيش الأوكراني، كان واضحا التفوق العسكري للقوات الأوكرانية في بعض المناطق، فكان للدعم الاستخباراتي دورا مهما في استهداف النقاط العسكرية الروسية، ما شلّ حركة الجنود الروس ومنع عنهم الإمدادات، ذلك ما اعترفت به القيادة الروسية نفسها.

كما ساهم هذا الدعم باستعادة أوكرانيا للعديد من المناطق التي استولت عليها روسيا، وتحول الجيش الأوكراني من حالة الدفاع إلى الهجوم، ووفقا لتقرير “معهد دراسة الحرب” ومقره واشنطن، فإن الجيش الأوكراني، استعاد منذ بدء الهجوم المضاد شرقي البلاد مطلع أيلول/سبتمبر الجاري، مناطق واسعة وهي أكثر مما استولى عليه الروس في جميع عملياتهم منذ نيسان/أبريل الماضي.

بالنظر إلى الوضع العسكري في خيرسون، يبدو أن الجانبَين يريدان بشدة السيطرة على الإقليم، لا سيما مع اقتراب الشتاء، وتبعاته على سير المعارك، في حين أن المعطيات تؤكد أن استعادة أوكرانيا لخيرسون، ستكون بمثابة انتكاسة لروسيا في مسار غزوها لأوكرانيا، وهو ما يدفعها لحشد المزيد من القوات لمواجهة الجيش الأوكراني المدعوم غربيا.

قد يهمك: التهديدات النووية في العالم.. ما احتمالات التصعيد؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.