ملامح الاضطرابات الأمنية لا تزال ملازمة لساحة الأخبار العراقية، ضحيتها هذه المرة مواطن أميركي، يدعى ستيفن ترول، ويعمل مدرسا للغة الإنجليزية في منظمة “ميلينيوم” لخدمات الإغاثة والتنمية، والتي تنشط غالبا داخل مناطق العاصمة بغداد، والمناطق المنكوبة.

بحسب المعطيات الحالية، أقدم مسلحون على استهداف سيارة ترول، مساء يوم الاثنين، 7 تشرين الثاني/نوفمبر الحالي، في منطقة الكرادة وسط بغداد، حيث يقطن مع عائلته.

قد يهمك: اغتيال مواطن أميركي في بغداد.. ما الرد المتوقع؟

وزير الداخلية الجديد عبد الأمير الشمري، سارع الى تشكيل لجنة للتحقيق في خلفيات الحادث، بإيعاز من رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، الأخير صرح لوسائل إعلامية عقب اجتماعه بعدد من الوزراء، بأن الأمن العراقي هو خط أحمر، واستغرب من توقيت هذا الاستهداف.

السوداني ليس الوحيد في استغرابه، فعملية اغتيال ترول تأتي بعد أيام قليلة من تشكيل الحكومة الجديدة، ولكن الاستغراب لا يقتصر على توقيت العملية فحسب، ولكن يشمل أيضا، السؤال عن هوية المتورطين، خاصة وأن الأطراف الرئيسية المعروفة بهذا النوع من النشاطات، لم تسارع كعادتها سابقا في تبني العملية، إضافة إلى احتمالات خضوعها لإرادات خارجية، أو خلافات سياسية مرتبطة بالكيفية التي وزعت عبرها مناصب الحكومة الجديدة.

هل للخلافات السياسية دور في عملية الاغتيال

لم يمض سوى أسبوعين منذ أن منح البرلمان موافقته على تشكيل حكومة محمد شياع السوداني، وهو مرشح “الإطار التنسيقي” الشيعي، الذي يضم العديد من الفصائل المسلحة المقربة من الحكومة الإيرانية، ووزعت مناصبها الرئيسية بين الكتل البرلمانية، وتبلغ حصيلة “الإطار التنسيقي” منها 12 وزارة من أصل 22، ضمن استحقاقه النيابي، كالكتلة الأكبر بعد انسحاب “التيار الصدري” من البرلمان.

بعض الوزارات الموزعة كانت من نصيب الفصائل المسلحة، وبحسب تصريحات عدة، فإن هذه المناصب كانت كفيلة بتعهد هذه الفصائل بتخفيف وتيرة عملياتها العسكرية ضد القوات الأجنبية، والتزام التهدئة، من أجل الحفاظ على مكتسباتها السياسية داخل الحكومة الوليدة، هي تدرك أن عودتها إلى هذه العمليات قد يهدد وجودها السياسي الجديد.

لكن طريقة تقاسم المناصب، لم تعجب فصائل مسلحة أخرى، خاصة تلك التي أقصيت بعيدا عن المناصب الرئيسية والأمنية، وهو ما يبرر بعض جوانب الأجواء السائدة داخل “الإطار التنسيقي”، وبحسب حديث مصدر سياسي (فضل عدم ذكر اسمه) مقرب من الإطار لـ “الحل نت”، فإن “هناك خلافات حادة بين قادة الكتل السياسية والفصائل التي أقصيت، ويحوم صراعهم غالبا في فلك المناصب الأمنية المتبقية، والتي ترغب هذه الفصائل بالسيطرة عليها. هي ترى أن هذا الأمر هو تعويض عن حمايتها لقادة الإطار ودفاعها المستمر عنهم”.

الفصائل المعترضة، هددت باللجوء إلى العنف، دون تحديد كيفيته وموعده، في حال عدم استجابة الكتل السياسية لمطالبها، وهي ترغب من خلال ذلك إضعاف موقف الدولة داخليا وخارجيا أيضا، بحسب كلام المصدر.

الفصائل المسلحة سبق وأن أضعفت موقف الحكومة أمام القوى الدولية، أبان رئاسة مصطفى الكاظمي للوزراء، وشنت العديد من العمليات المسلحة ضد القواعد العسكرية والدبلوماسية الأجنبية، كما شنت هجومها على مقر سكن الكاظمي نفسه، وهو ما أظهر الحكومة بموقف عاجز عن حماية نفسها من نفوذ وقوة الجماعات المسلحة في الساحة المحلية.

مثل هذه المعطيات تدفع البعض للاعتقاد بأن عملية اغتيال المواطن الأميركي لم تكن سوى الرسالة الأولى، من قبل الفصائل المعترضة، وأن عدم تهدئتهم سيعني بلا شك عمليات أخرى مشابهة أو أعنف.

الفصائل المقربة من طهران

عملية اغتيال ترول، تأتي بعد أسبوع واحد من لقاء رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، بالسفيرة الأميركية في بغداد، آلينا رومانوسكي، وقائد قوات التحالف الدولي في العراق، ماثيو مكفارلن، في 25 تشرين الأول/أكتوبر الماضي. المكتب الإعلامي لرئاسة الوزراء، أعلن إن “الاجتماع ناقش سبل مكافحة الإرهاب في البلاد، وسبل تنمية قدرات القوات الأمنية العراقية”.

هذه اللقاءات لم تعجب بعض الفصائل المسلحة على ما يبدو، لاسيما وأنها تجاوزت المطالبة بتسريع عملية خروج القوات الأجنبية في البلاد، بحسب حديث الباحث السياسي غانم العابد، لـ “الحل نت” حيث ينوه الى إمكانية قراءة اغتيال المواطن الأميركي ضمن هذا المفهوم، واعتبارها رسالة الفصائل المسلحة الأولى إلى الحكومة.

من خلالها تؤكد “بأنها ورغم تسلم حلفائها في قوى “الإطار التنسيقي” والمعسكر الإيراني لزمام الحكومة الحالية، فإن ذلك لا يمنعها من الحفاظ على استقلاليتها في التعامل مع الأحداث الداخلية أو صراعها ضد الولايات المتحدة” وفق تعبيره.

هذا الاستهداف يمكن أن يكون رسالة من إيران الى الولايات المتحدة أيضا، فكثرة لقاءات السفيرة الأميركية مع رئيس الوزراء والشخصيات السياسية العراقية، يفيد بزيادة نفوذ الأخيرة داخل الحكومة الحالية، وهو ما لا يرضي طهران، خاصة وأنه يعني عزلها عن مناطق نفوذها.

لكن الجانب الأخير، لن يكون حرب مباشرة بين الطرفين، في ظل الأوضاع الحالية، وقد يتجه الى اعتماد مبدأ الحرب الغير مباشرة بين الطرفين، خاصة وأن إيران لم تعلن دعمها لهذه العملية والتزمت الصمت.

اغتيالات غير مباشرة

أن يكون هناك توافق بين الطرفين راح ضحيته المواطن الأميركي، أمر مستبعد ولكنه لا ينفي وجود فهم متبادل بين الخصمين، فالولايات المتحدة تركز حاليا على كيفية الوصول إلى اتفاقيات مع الجانب العراقي فيما يخص الإمدادات النفطية لها، ولا ترغب بتعكير هذه المفاوضات في الوقت الحالي، بقضية مقتل المواطن الأميركي، ويمكن تبرير هذا الجانب بتأخر إعلان موقفها من عملية الاغتيال، واكتفت سفيرتها في بغداد، بتقديم تعازيها إلى عائلة القتيل، عبر صفحتها وختمت بيانها بعبارة، “ليس لدينا تعليق آخر”.

إيران من جانب آخر، تبدي رفضها للتوافق الحالي بين الحكومتين الأميركية والعراقية، ولكنها ترغب بحماية مكتسباتها السياسية في العراق، هي بوصف أدق، لا ترغب بفتح صفحة خلافات جديدة مع الولايات المتحدة، ويعزز هذا الرأي وجوده، بالموافقة التي أبداها “حزب الله” اللبناني إزاء الوساطة الأميركية بين الحكومة اللبنانية والإسرائيلية وأسفرت عن هدنة، أنهت استنفار الحزب المستمر منذ عام 2006.

مصدر أمني (فضل عدم كشف اسمه)، يؤكد خلال حديثه لـ “الحل نت” وجود حساسية شديدة بين طهران وواشنطن في الوقت الحالي، ولكنهما وبسبب عدم رغبتهما بالتصعيد يلجئان الى مبدأ الخصومة الغير مباشرة، بما يمكنهما من تبرئة ساحتهما.

 هناك علامات عن وجود توجيه إيراني لاستهداف المواطنين الأجانب في العراق، ولكنها تنفي علاقتها بهذه الجماعات، فيما أوعزت الأخيرة إلى إسرائيل من أجل استهداف الناقلات النفطية في بلدة البو كمال السورية المحاذية للحدود العراقية، والتي يعتقد بأنها محملة بأسلحة ووقود من طهران إلى الفصائل الإيرانية والعراقية النشطة داخل الأراضي السورية، وفق المصدر.

هذا الرأي قد يعززه التصريح الأخير لمسؤول المكتب الأمني لكتائب “حزب الله”، المقربة من “الحرس الثوري” الإيراني، أبو علي العسكري، والذي استنكر فيه عملية اغتيال ستيفن ترول، ودعا الحكومة إلى الإسراع بالقبض على الجناة.

فصيل “أهل الكهف”

رغم كل هذه الإشكالات، فإن أصابع الاتهام لا تزال موجهة نحو الفصائل المقربة من الحكومة الإيرانية، بشكل أو بآخر، فالفصائل تعجز عن تجاوز أوامر طهران، خاصة وأنها تعلن ولائها لولاية الفقيه.

موقع “دويتشه فيله” الألماني، نشر ادعاءات بتبني فصيل “أهل الكهف” لعملية اغتيال ترول، وأن دوافعها انتقاما على مقتل الجنرال الإيراني وقائد فيلق القدس “قاسم سليماني” ونائب رئيس هيئة “الحشد الشعبي” أبو مهدي المهندس، اللذان قتلا في طلعة جوية نفذتها مسيرة أميركية على سيارتهما قرب مطار بغداد الدولي، في 3 كانون الثاني/يناير عام 2020.

كان الفصيل قد نشر في 30 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، منشور على صفحته في التلغرام، دعا فيه الاستخبارات السويدية والبلجيكية وغيرها إلى وقف أنشطتهم في العراق أو استهدافهم، وتلاه منشور آخر هدد فيه كل من أيد أو له علاقة بالقوات الأميركية في البلاد.

بحسب معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، فإن الفصيل ينشط في العراق منذ عام 2019، ويتبنى مسؤولية العديد من الهجمات المسلحة، على القوافل الأجنبية، كما تبنى استهداف السفارة الأميركية في 17 تشرين الثاني/نوفمبر عام 2020، إضافة الى الهجوم الصاروخي على قاعدة تركية في شمال العراق في 15 شباط/فبراير 2021.

حرب النيابة واغتيال الأجانب قد تكون الصفحة الجديدة من الخلافات الإقليمية والدولية في العراق وسوريا في آن واحد، وربما تنذر عملية اغتيال المدرس الأميركي بانشقاقات جديدة داخل الفصائل المسلحة، وبغض النظر عن شكلها فأنها ستسبب بلا شك، إحراج للحكومة الجديدة، ليس من حيث إظهار عجزها عن حفظ الأمن، ولكن بإبعاد الاستثمارات الأجنبية، التي ترغب بها بشدة، إضافة إلى عودة العراق إلى مربع الدول الغير صالحة للاستثمار، أو عمل المنظمات الإغاثية، في وقت يحتاج العراق فيه إلى نشاط مثل هذه المنظمات الإغاثية خاصة في مناطقه المنكوبة.

اقرأ أيضا: أجواء حذرة في العراق.. عودة جديدة للاغتيالات؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.