أول عملية اغتيال في عهد الحكومة العراقية الجديدة برئاسة محمد شياع السوداني، بعد 12 يوما فقط من نيلها الثقة، واللافت أن الاغتيال طال مواطنا أميركيا في العاصمة بغداد، فما الرد المتوقع من واشنطن.

مساء أمس الاثنين، اغتال مسلّحون مجهولون، المواطن الأميركي ستيفن ترول، أثناء مرور عجلته بشارع الصناعة في منطقة الكرادة وسط العاصمة العراقية بغداد، بسلاح كاتم.

ترول يبلغ من العمر 45 عاما، ويعيش في العراق منذ عدة سنوات، وكانت زوجته وأطفاله بصحبته في العجلة إبّان استهدافه، في وقت لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن عملية الاغتيال، التي شغلت الرأي العام العراقي، ولم تنته تداعياتها بعد.

ترول أصيب في صدره بعدة طلقات نارية، وفارق الحياة قبل وصوله إلى مستشفى “الشيخ زايد”، وهو يعمل بوظيفة مدرس، إضافة إلى عمله عضوا بمنظمة إنمائية إغاثية أميركية تعمل لصالح “الوكالة الأميركية للتنمية الدولية” في العراق.

الأسئلة الأكثر تداولا في منصات “التواصل الاجتماعي” في العراق، تنحصر في كيفية الرد والتعامل الأميركي مع عملية الاغتيال، وما إذا كان الاغتيال تقف خلفه ميليشيات مسلّحة من عدمها.

تطور دراماتيكي

“الحل نت”، أجرى استطلاعا في منصة “فيسبوك”، وسأل رواد المنصة في العراق، عن تفسيرهم للعملية، وكانت نتيجة الاستطلاع، أن 95 بالمئة من المستطلعين يعتقدون أن الميليشيات العراقية الموالية لإيران، تقف وراء الاغتيال.

كيف ستكون ردة الفعل الأميركية، خاصة إذا ما عدنا إلى الوراء قليلا، تحديدا في نهاية 2019، عندما قُتل متعاقد أميركي في قاعدة “كاي وان” العسكرية بمحافظة كركوك شمالي العراق، وما نتج عنها من ردة فعل أميركية مزلزلة.

مقتل المتقاعد على يد ميليشيات إيران حينها، دفع بإدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، إلى الرد بعملية كبيرة، تمثلت بقتل قائد “فيلق القدس” التابع إلى “الحرس الثوري” الإيراني قاسم سليماني، ونائب رئيس هيئة “الحشد الشعبي” أبو مهدي المهندس، بضربة جوية عند مطار بغداد الدولي.

الأكاديمي والباحث السياسي هيثم نعمان الهيتي، يرى أن عملية الاغتيال التي طالت المواطن الأميركي ستيفن ترول، تمثل تطورا دراماتيكيا في الاستهدافات الأمنية بالداخل العراقي، عبر تغيير البوصلة من الطائرات المسيّرة إلى الاغتيالات الناعمة.

صحيح أن مثل هكذا عملية توثر على العقلية الأميركية، لكن الهيتي لا يعتقد أن واشنطن ستصعّد موقفها بشأن الرد مثل ردها بقتل سليماني والمهندس، على الأقل لحين نهاية فصل الشتاء، بحسب حديثه مع “الحل نت’.

عمليات اغتيال ناعمة

الهيتي يردف، أن واشنطن تغوص في صراعات كبيرة ومتعددة حاليا، منها الغزو الروسي لأوكرانيا وأزمة الطاقة في أوروبا التي تنذر بشتاء صعب، وبالتالي فإن الوقت غير مناسب للتصعيد من قبل أميركا حاليا، بل ستحاول الحفاظ على الاستقرار الهش في العراق، على حد تعبيره.

بعد هذه العملية، يتوقع الهيتي أن تكون هناك عمليات اغتيال أخرى ناعمة في العراق، ويربط ذلك بالوضع الراهن في إيران من تظاهرات شعبية تؤثر كثيرا على النظام، ما يدفعه لتحريك ميليشياته في العراق، بتنفيذ مثل تلك الاغتيالات، بحسبه.

اللافت أن عملية الاغتيال جاءت بعد أيام وجيزة، من تصريح السفيرة الأميركية لدى بغداد، آلينا رومانوسكي، بأن القوات الأميركية وقوات “التحالف الدولي” لن تنسحب من العراق.

رئيس الحكومة العراقية، محمد شياع السوداني، قال الأسبوع الماضي، إنه سيناقش مدى حاجة بغداد إلى وجود قوات “التحالف الدولي” بقيادة واشنطن في البلاد، وذلك في مؤتمر صحفي له.

هذه العملية تؤشر على أن الوضع الأمني لم تسيطر عليه الحكومة بشكل جيد، وتدلّل على وجود أطراف أخرى خارجة عن القانون، هي من تتحكم بالمشهد الأمني في البلاد، بحسب المحلل السياسي علي البيدر.

رسالة إيرانية؟

البيدر يرى في حديث مع “الحل نت”، أن عملية الاغتيال تدخل ضمن المواجهة الإقليمية الدولية في العراق، وأن الجهة التي تقف خلف العملية، تريد إرسال رسالة بأن المشهد العراقي حكرا عليها، في إشارة إلى إيران، خاصة وأن الحكومة الجديدة مقربة منها.

في الوقت ذاته، فإن الأطراف التي تقف خلف العملية وإن لم تعلن مسؤوليتها عنها، تريد إيصال رسالة إلى رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، بالحدود التي يجب عليه عدم تجاوزها، بحسب تعبير البيدر.

السوداني التقى السفيرة الأميركية رومانوسكي 3 مرات خلال أسبوعين، وأكد أن علاقة بغداد بواشنطن قوية، وأشاد بدور “التحالف الدولي” في دعم العراق أمنيا، وهو ما يمكن تفسيره بأنه تسبب بإزعاج طهران.

واشنطن لن تقف مكتوفة الأيدي، صحيح أنها لن ترد بحزم مثل عملية مقتل سليماني والمهندس، لكنها بحسب البيدر، سترد باستهداف الأطراف المدعومة من قِبل دولة إقليمية إما في العمق العراقي أو في الدول التي تتحكم بها تلك الدولة.

بالنتيجة، عملية اغتيال ستيفن ترول، تحمل رسائل عدة إلى واشنطن والسوداني من قبل طهران وأحزابها في العراق، وقد تتبعها عمليات اغتيال ناعمة، والرد الأميركي سيحصل باستهداف “الميليشيات الولائية”، مع عدم الرد بضربة مزلزلة، لتجنب الدخول في صراع جديد في الوقت الراهن.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.