الأزمة السياسية في باكستان تتفاقم، والصراع يشتد يوما بعد آخر بين الحكومة و”حركة الإنصاف” بزعامة رئيس الوزراء السابق عمران خان من جهة، وبين الحركة والمؤسسة العسكرية من جهة أخرى، فهل باتت طرق الحل مسدودة في إسلام أباد.

السبب الظاهر هو رفض الحكومة طلب خان إجراء انتخابات عامة مبكرة، والإصرار على أن يجري هذا الاستحقاق في موعده المحدد في آب/أغسطس من العام المقبل.

خلف الكواليس، السبب الرئيسي للأزمة السياسية، هو فشل المفاوضات الجارية بصمت بين حزب خان والمؤسسة العسكرية، وذلك لأن كل طرف منهما متمسك بموقفه.

رؤية خان والمؤسسة العسكرية

المؤسسة العسكرية الباكستانية، تريد أن تحتفظ باستقلاليتها في جميع قراراتها، بدءا بتحديد ميزانيتها مرورا برسم الخطوط العريضة للسياسة الخارجية، وتحديدا ما يدور في المنطقة، وأن يكون لها كلمة فيما يدور أيضا في الداخل الباكستاني.

خان من جهته، يرى أن لا دخل للمؤسسة العسكرية في السياسة، سواء كانت الداخلية أو الخارجية، وعلى المؤسسة العسكرية أن تقدّم حسابا واضحا للحكومة حول ميزانيتها.

تقرير لصحيفة “العربي الجديد”، قال إن اجتماعَين عُقدا بين عمران خان وقائد الجيش، الجنرال قمر جاويد باجوه، قبل أن تنطلق المسيرة الكبرى لحزب خان صوب العاصمة في 28 تشرين الأول/أكتوبر الماضي.

في الاجتماعَين، أصر كل طرف على موقفه، وبالتالي فشلت محاولات حل الأزمة، وبدأ خان المسيرة للضغط على الحكومة والمؤسسة العسكرية.

https://7al.net/2022/11/14/%d9%85%d8%a4%d8%aa%d9%85%d8%b1-%d8%a8%d8%ba%d8%af%d8%a7%d8%af-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b1%d8%af%d9%86/elkarmaly/news/

حاولت المؤسسة العسكرية أن تُثني خان، عن بعض مطالبه، لكنه رفض، ما دفعها إلى ترميم علاقاتها مع أحزاب سياسية أخرى، على رأسها “حزب الشعب” الباكستاني بزعامة أصف زرداري، و”حزب الرابطة” بزعامة نواز شريف.

جاء ذلك على الرغم من التاريخ الطويل من الصراع بين هذين الحزبين والعسكر، لا سيما حزب “الرابطة الإسلامية”، وهو جناح نواز شريف الذي كان ينتقد الجيش دائما، وجاء ذلك خصوصا من جانب رئيس الوزراء السابق نواز شريف، أما رئيس الوزراء الحالي شهباز شريف، شقيق نواز، فمعروف بعلاقاته الجيدة إلى حد ما مع المؤسسة العسكرية، وخاصة الاستخبارات.

بحسب مدير مركز إسلام آباد للدراسات السياسية، عبد الكريم شاه، فإنه حتى الآن لم تتم الاستجابة لمطالب عمران خان، لذا هو يواصل الضغط لتحقيق مطالبه، “وبما أن التظاهرات ما زالت مستمرة خلال هذه الفترة، فإن ذلك يعني أن الشارع السياسي معه”.

بالنسبة إلى مطلب الانتخابات المبكرة، يقول شاه وفق تقرير لموقع “سكاي نيوز عربية”، إن الحكومة غير مستعدة لتنفيذه، وذلك وفق ما أُعلن من نتائج المشاورات بين شهباز شريف وشقيقه في لندن، وهناك اتجاه لإجرائها في موعدها المحدد، وهو صيف العام المقبل.

تاريخ بدء المسيرات الاحتجاجية

عدم الاستجابة لمطلب عمران خان وأنصاره بإجراء الانتخابات المبكرة، سيزيد الاحتقان في الشارع السياسي، والمسيرة قد تصل إلى إسلام آباد خلال أسبوع، وقد يحدث ما لا يحمد عقباه، لأنه ستكون هناك مسيرات من جميع الأقاليم، وفق شاه.

ما يجدر ذكره، أن البرلمان الباكستاني عزل عمران خان من السلطة عبر التصويت على حجب الثقة عن حكومته، وبذلك، فإن إنهاء حكم خان لم يكن مثل سابقيه، حيث يُعد أول رئيس وزراء في باكستان يعزل من منصبه بحجب الثقة.

منذ عزله في نيسان/أبريل الماضي، يقود خان مسيرات احتجاجية ويحشد للضغط على الحكومة لتجري انتخابات مبكرة، بينما تريد الحكومة الاستمرار حتى موعد الانتخابات المقرر، لتأخذ فرصة إصلاح الاقتصاد.

الأزمة السياسية الراهنة، تأتي في وقت تمر باكستان بإحدى أكبر أزماتها الاقتصادية، نتيجة الفيضانات التي أغرقت ثلث المساحة الزراعية، ودمرت وعطلت الكثير من البنية التحتية، وأزهقت أرواح المئات، وكبدت البلاد خسائر بأكثر من 10 مليارات دولار.

لم يهتم خان بما تريده المؤسسة العسكرية، وكان يقول في العلن إن علاقات حكومته معها جيدة، لكن المؤسسة لم تكن راضية، وهكذا، جرى تقديم قرار سحب الثقة عن حكومة خان في البرلمان الباكستاني، من قبل “التحالف من أجل الديمقراطية”، الذي يقوده الزعيم الديني المولوي فضل الرحمن، وهو أحد المقربين من الجيش والاستخبارات.

بعد سقوط حكومة خان، خرجت الاتهامات من قبل أنصار وقادة “حركة الإنصاف” في صورة إيحاءات وإشارات باتجاه المؤسسة العسكرية، لكنها أصبحت أكثر علانية ووضوحا، بعد اعتقال شهباز غل، مساعد خان، من قبل الشرطة والاستخبارات، وتعرضه للتعذيب في آب/أغسطس الماضي، قبل الإفراج عنه بكفالة في أيلول/سبتمبر.

حكومة شهباز شريف الحالية، سجّلت دعاوى قضائية عدة ضد خان وقياديين في حزبه، كما عارضت المؤسسة العسكرية خان وسياساته

رئيس الاستخبارات الباكستانية الجنرال نديم أنجم، قال خلال مؤتمر صحفي مشترك مع المتحدث الرسمي باسم الجيش، الجنرال بابر إفتخار، في 27 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، إن عمران خان التقى سراً القائد العام للجيش قمر جاويد باجوا، لكي يطلب منه المساعدة في إعادته إلى السلطة، متهما خان بمواصلة الاستفزازات المستمرة ضد قائد الجيش، ومنتقدا محاولات زعيم “حركة الإنصاف” إقحام المؤسسة العسكرية في السياسة.

حرب أهلية؟

التطورات بالمجمل، تشير إلى أن الصراع الحقيقي في باكستان حاليا هو بين خان والمؤسسة العسكرية، فيما تحظى الحكومة بدعم واسع من العسكر ضد خان.

مع محاولة اغتياله في الثالث من شهر تشرين الثاني/نوفمبر الحالي، خلال مشاركته في المسيرة إلى العاصمة، عاد خان إلى نغمة اتهام أحد أبرز جنرالات الاستخبارات، الجنرال نصير فيصل، بالضلوع في المحاولة، وهو اتهام رفضه الجيش بشدة، طالبا من حكومة شهباز شريف ملاحقة خان قانونيا.

في خضم الاتهامات التي يوجهها خان إلى المؤسسة العسكرية، كانت الحكومة تتحرك ضدّ خان، تارة عبر الإطاحة بالحكومتين المحليتين المواليتين للأخير في إقليم خيبربختونخوا وإقليم البنجاب، واللتين يترأسهما حزب خان، وتارة من خلال تسجيل دعاوى قضائية ضد خان وقياديين في حزبه، أهمها، ازدراء القضاء والحصول على تمويل خارجي عبر حسابات سرّية وغيرها.

حكومة شريف فشلت في اعتقال خان لسببين، أولا لأن القضاء لم يصدر حكما بذلك، وثانيا لأن خان يتمتع بشعبية كبيرة، ما يجعل الحكومة تخشى إثارة أي بلبلة في البلاد إذا ما تم اعتقاله، وفق صحيفة “العربي الجديد”.

بعيدا عما يدور في الكواليس بين حزب خان والمؤسسة العسكرية، ثمّة مطالب رئيسية لخان من الحكومة، وهي إعلان تاريخ انتخابات مبكرة كحل وحيد لإخراج البلاد من مأزقها، وألا يتم تعيين قائد جديد للجيش حتى انتخاب حكومة جديدة.

رغم أن عمران خان يرى أن الجيش يعمل ضده، إلا أن تعيين قائد جديد للجيش خلال الشهر الحالي، يمكن أن يغير من المعادلة؛ لأن أي قائد جديد لن يرضى بهذا الوضع وسيكون حل الصراع السياسي أولوية بالنسبة له، بحسب تقرير لموقع “الجزيرة نت”.

خان ورغم شعبيته، إلا أنه لا يتمتع بالدعم المطلق وفقا لآخر الاستطلاعات، ولذلك فنجاحه يكمن في الحفاظ على وتيرة عالية من التصعيد وسيبذل قصارى جهده لاستمرار الحفاظ على زخمه، لكن من الصعب الاستمرار لفترة طويلة دون أي نجاح حقيقي.

أخيرا، لا حل للأزمة السياسية ما لم تتم المصالحة بين خان والمؤسسة العسكرية من خلال الحوار، وفي حال لم تنجح المصالحة، ولم تُعقد انتخابات مبكرة، أو تم تعطيل الانتقال السلمي للسلطة في البلاد بطريقة أو بأخرى، فإن باكستان قد تنزلق إلى حرب أهلية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.