بعد أن استعادت القوات الأوكرانية السيطرة على مدينة خيرسون جنوبي البلاد، انتقلت المعارك المحتدمة إلى منطقة دونيتسك شرقي البلاد، حيث تشهد المنطقة معارك غير مسبوقة، فيما يبدو أنه إصرار أوكراني على استعادة المناطق التي غزاها الجيش الروسي على مدار الأشهر الماضية.

معارك “كالجحيم”

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وصف المعارك الجارية في دونيتسك الشرقية بأنها “كالجحيم“، حيث تحاول القوات الروسية التوسع في السيطرة، بعد أن انسحب الجيش الروسي من خيرسون تحت ضربات القوات الأوكرانية قبل أيام.

كان لاستعادة الجيش الأوكراني مدينة خيرسون، أثرا واضحا على سير عمليات الغزو الروسي لأوكرانيا، حيث وصف محللون إخراج الجيش الروسي من المدينة، بـ“الخسارة الاستراتيجية الكبرى“، لما أظهرته المعركة من ضعف الدفاعات الروسية وانهيار في أساسيات العقيدة الروسية.

زيلينسكي قال في تصريحات نقلتها صحيفة “الشرق الأوسط” الأحد، إن القوات الروسية دمّرت البنية التحتية الرئيسية في مدينة خيرسون جنوب أوكرانيا قبل “الفرار منها“، مشيرا إلى أن القوات الأوكرانية تعاملت مع ما يقرب من ألفي لغم وشراك وقذائف لم تنفجر خلّفها الروس المغادرون، وذلك في إطار مساعيها لتحقيق الاستقرار في المنطقة، حسب قوله.

خسارة استراتيجية

الكاتب والمحلل السياسي الدكتور باسل معراوي، رأى أن الخسارة الاستراتيجية لروسيا في خيرسون، ستترك آثارها على مسار المواجهة بأكملها بين روسيا وأوكرانيا، إذ تعتبر الهزيمة في خيرسون تجسيدا كاملا لفشل الجيش الروسي بالهجوم والدفاع، بعدما فشل في الحفاظ على سيطرته في المنطقة.

معراوي قال في حديث خاص مع “الحل نت“، “يمكن اعتبار استعادة أوكرانيا لخيرسون، انعطافة مهمة، حيث مثّل ذلك سقوط كامل للعقيدة العسكرية الشرقية التي تتبناها موسكو وتدرّسها بمدارسها، وأكاديمياتها العسكرية، وهي أنه لتحقيق هدف القائد العام لا يهم مقدار الخسائر البشرية اللازمة لذلك“.

معراوي يعتقد أن أمر الانسحاب من خيرسون، جاء من القيادة السياسية في موسكو، وليس عبر القيادة الميدانية في أرض المعركة، الأمر الذي يمكن اعتباره انسحاب كامل من الحرب في المنطقة الجنوبية، وليس انسحاب من معركة واحدة.

انسحاب الجيش الروسي من القتال في المناطق الجنوبية الأوكرانية، سيؤدي بطبيعة الحال إلى تبدد آمال الروسي بمتابعة التقدمة إلى منطقة موكوليف، والسيطرة على كامل الشاطئ الأوكراني على البحر الأسود، والذي كان أحد أهداف الجيش الروسي من فتح معارك الجنوب.

برأي معراوي فإن خسارة خيرسون، ستكون لها أثر واضح على الصعيد السياسي، وحول ذلك أضاف، “هذا الأمر له دلالاته الكارثية على هيبة الرئيس الروسي ونظامه السياسي، حيث لخسارة خيرسون، دلالات غير فشل الهجوم على كييف أو استعادة محيط خاركيف، فاستعادة هذه المنطقة يعني انتهاء الاستفتاء المسرحي بضم المناطق الأربعة لأراضي الدولة الروسية“.

الجيش الأوكراني، يبدو أنه سيسعى لاستغلال الارتباك السياسي والعسكري في الأوساط الروسية، لمواصلة التقدم واستعادة الأراضي التي غزتها موسكو منذ شباط/فبراير الماضي، وحول ذلك أوضح معراوي، أن “المخطّطينَ من الجنرالات الروس خططوا للنجاح، لكنهم لم يضعوا خططا للفشل بمعنى توقف الهجوم والانتقال للدفاع، فلم يتم بناء أي خطوط دفاعية“.

معراوي رأى كذلك أن القوات الروسية ستواصل التقدم العسكري، لا سيما باتجاه الأقاليم الأربعة التي أعلنت روسيا ضمها مؤخرا، وزاد قائلا “زابوريجيا هو الإقليم الثاني الذي ضمه الرئيس الروسي لأراضي الاتحاد الروسي بغزوه الأخير، وهو لا يحوي خطوط دفاعية ويضم المحطة النووية التي تولد 40 بالمئة من الكهرباء التي تحتاجها أوكرانيا، وهي هدف استراتيجي لاستعادتها بعد تدمير القوات الروسية لأكثر من نصف المحطات المولدة للكهرباء في قصفها الوحشي ردا على استهداف جسر كيرتش“.

الجيش الروسي سعى خلال غزوه الأراضي الأوكرانية، إلى السيطرة على المنافذ البحرية والموانئ الحربية في أوكرانيا، وتحديدا تلك المطلة على البحر الأسود ونهر دنيبرو، وتُعد خيرسون من أهم الأقاليم التي تمتاز بموقعها الجغرافي والسياسي الحيوي، فهي ميناء ضخم لبناء وصناعة السفن، وهي من أولى المدن وأكبرها التي خضعت لسيطرة الجيش الروسي خلال الأيام الأولى لبدء العمليات العسكرية في شباط/فبراير الماضي”

الأهمية الجيوسياسية لخيرسون كغيرها من الأقاليم الأربعة الأوكرانية التي ضمتها روسيا، فهي تُعد من منطقة دونباس الصناعية وتقع شمال شرق جزيرة القرم، كما أن أهمية المنطقة مرتبطة بشكل مباشر بحجم الموانئ التي تقع على سواحلها، كما أنها تصل إلى جزيرة القرم الواقعة كذلك تحت سيطرة الجيش الروسي.

الباحث السياسي إياد المجالي أشار في حديث سابق مع “الحل نت“، أن استعادة الجيش الأوكراني لمدينة خيرسون، سيمكّنه بالتأكيد من قطع خطوط الإمداد للجيش الروسي، مشيرا إلى أن الجيش الروسي أحدث إجراء استباقي بإجلاء المدنيين، تمهيدا لقصف المدينة في حال دخول الجيش الأوكراني إليها، “وهو إجراء تكتيكي تسعى إليه موسكو للحفاظ على قواتها بأمان خاصة مع احتدام العمليات العسكرية وتقدم الجيش الأوكراني باتجاه خيرسون.

خيرسون، هو واحد من بين الأقاليم الأربعة التي أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ضمها، فيما يؤكد محللون أن خيرسون هو الأهم من الناحية الاستراتيجية، لا سيما وأنه يحوي الطريق البري إلى القرم، ومصب نهر دنيبرو الشاسع الذي يشطر أوكرانيا.

خسائر متتالية لروسيا

بعد انحسارها في العديد من القطاعات الأوكرانية، لجأت روسيا إلى استهداف البنية التحتية ومراكز الخدمات، للتغطية على خسارة مجموعات جيشها في العديد من المناطق، لا سيما في المناطق الأربعة التي أعلنت ضمّها قبل أسابيع.

بالنظر إلى كثافة الهجمات الأوكرانية مؤخرا لاستعادة المناطق التي تقدمت إليها روسيا، يبدو أن القرار الرسمي والشعبي الأوكراني، هو إخراج القوات الروسية من بعض المناطق، مهما كان الثمن.

روسيا أخفقت منذ بدء غزوها لأوكرانيا في شباط/فبراير الماضي، عن طريق استخدام القبضة العسكرية الخشنة والمكثفة، في إملاء شروطها، فلم تنجح حسابات المعركة التي حسبها بوتين، على ما حصل في الميدان، لا سيما بعد أن باغت الأوكرانيون الجيش الروسي، وشنوا هجمات معاكسة خلال الأسابيع الماضية، ما عقّد من حسابات القيادة الروسية.

مع احتدام المعارك في أوكرانيا بين القوات الروسية والجيش الأوكراني، كان للدعم الغربي دورا واضحا، في تفوق أوكرانيا برّيا ما ساهم في تراجع القوات الروسية في العديد من المناطق، إلا أن الهجمات الصاروخية الروسية الاخيرة، أظهرت ربما ضعف في منظومة الدفاع الجوية لأوكرانيا، فكيف ساهم الدعم الغربي في قلب موازين القوى على أرض المعركة.

يمكن القول، إن الهجمات الصاروخية الانتقامية التي نفّذتها روسيا مؤخرا على العديد من المناطق الأوكرانية بينها العاصمة كييف، رسمت معالم مرحلة جديدة من المواجهة العسكرية في أوكرانيا، إذ ربما تشكل هذه الهجمات ضغطا إضافيا على حلفاء أوكرانيا لتقديم الدعم العسكري اللازم لمواجهة هجمات مماثلة في المستقبل.

منذ بدء الدعم الغربي بكثافة للجيش الأوكراني، كان واضحا التفوق العسكري للقوات الأوكرانية في بعض المناطق، فكان للدعم الاستخباراتي دورا مهما في استهداف النقاط العسكرية الروسية، ما شلّ حركة الجنود الروس ومنع عنهم الإمدادات، ذلك ما اعترفت به القيادة الروسية نفسها.

كما ساهم هذا الدعم باستعادة أوكرانيا للعديد من المناطق التي استولت عليها روسيا، وتحول الجيش الأوكراني من حالة الدفاع إلى الهجوم، ووفقا لتقرير “معهد دراسة الحرب” ومقره واشنطن، فإن الجيش الأوكراني، استعاد منذ بدء الهجوم المضاد شرقي البلاد مطلع أيلول/سبتمبر الجاري، مناطق واسعة وهي أكثر مما استولى عليه الروس في جميع عملياتهم منذ نيسان/أبريل الماضي.

يمكن القول، إن استعادة أوكرانيا لمدينة خيرسون، كانت بمثابة انتكاسة للجيش الروسي، فيما تجري حاليا معارك في مناطق أخرى، وهو مؤشر واضح على نيّة أوكرانيا استعادة بعض المناطق قبل بداية فصل الشتاء، وبدء تأثير الانخفاض الكبير في درجات الحرارة على سير المعارك وفعالية الآليات العسكرية والموارد البشرية في أرض المعركة.

قد يهمك: التهديدات النووية في العالم.. ما احتمالات التصعيد؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة