لا تزال تفاعلات سرقة عقارات محافظة الأنبار الذي فجرته هيئة النزاهة في الأيام القليلة الماضية مستمرة حتى الآن، حيث خاطب عضو “مجلس النواب” العراقي علاء الركابي، أمس الأحد، جهاز الادعاء العام للتحقيق في عمليات تزوير وتلاعب بأربعين ألف عقار في الأنبار.

الركابي لفت في بلاغه إلى الادعاء العام، والذي حصل موقع “الحل نت”، على نسخة منه، إلى وجود شبهات فساد بتورط جهات حكومية متنفذة بعمليات التزوير، مطالبا، إحالة الموضوع إلى المحاكم المختصة للتحقيق في البلاغ عن الإجراءات القانونية.

في تفاصيل القضية، أعلنت هيئة النزاهة، الأسبوع الماضي، تنفيذ عملية كبرى واستثنائية بمديرية التسجيل العقاري في الأنبار، فيما أشارت إلى القبض على مدير عقاري الأنبار و5 من المسؤولين فيها.

تفاصيل السرقة

دائرة التحقيقات في الهيئة أكدت في بيان، أن العملية أسفرت عن إلقاء القبض على مدير التسجيل العقاري في الأنبار وعدد من المسؤولين والموظفين فيها، فضلا عن ضبط مئات الهويات المزورة العائدة لإحدى النقابات، والتحرز على عشرات الآلاف من أضابير العقارات التي تم تمليكها خلافا للقانون.

 فيما تم الكشف عن وجود تضخم في أموال المتهمين الذين تم إلقاء القبض عليهم، مبيّنة في معرض حديثها عن تفاصيل العملية، بأنها تمت بناء على مذكرة قضائية، وذلك بعد تلقي مديريـة تحقيق الهيئة في بغداد معلومات تفيد بأن كلّا من مدير مديرية التسجيل العقاري في الأنبار وبعض المسؤولين فيها وعدد من الموظفين أقدموا على تمليك أراض من ناحية الوفاء.

اقرأ/ي أيضا: موسم الكوميديا الرمضاني في العراق.. وفرة إنتاجية ومحتوى فارغ؟

يضاف إلى ذلك، بحسب دائرة التحقيقات، إفراز آلاف العقارات بشكل غير أصولي، وإنجاز معاملات التسجيل العقاري من قبل الموظفين في محال سكناهم، فضلا عن تحويل العقارات وتثبيت التواقيع بمختومات وليست تواقيع حية، وطباعة معاملات التسجيل والاستمرار بالتسجيل، بالرغم من إيقافه حسب كتاب مديرية بلدية الأنبار.

بناء على ذلك، أجرت مديرية تحقيق الهيئة في بغداد، عمليات التقصي والتحري عن المعلومات، ومن ثم استحصال الأوامر القضائية من قاضي تحقيق محكمة جنايات مكافحة الفساد المركزية، ليتم تأليف بعد ذلك سبعة فرق ميدانية أسفرت عن إلقاء القبض على مدير مديرية التسجيل العقاري في الأنبار، وخمسة من المسؤولين والموظفين فيها، وفق ما ورد في بيان دائرة التحقيقات.

علاوة على ذلك، أسفرت العملية عن ضبط ما يقارب أربعمائة هوية مزورة تعود إلى إحدى النقابات، وقرابة 1,500,000 مليون وخمسمائة ألف دولار، و600,000,000 ستمائة مليون دينار عراقي، فضلا عن أختام وحواسيب وأجهزة لوحية، وأجهزة استنساخٍ تستخدم؛ لغرض تزوير أضابير العقارات، ومخشلات ذهبية ثمينة.

معلومات النزاهة الأولية حول موقع السرقة، تشير إلى أن ناحية الوفاء تقع في المنطقة ذاتها التي من المزمع إقامة “مطار الأنبار” الدولي فيها، حيث قامت مديرية البلدية منذ العام 2019 بعمل مرتسمات إفراز واستحصال موافقة محافظة الأنبار ومديرية التخطيط العمراني فيها على المخططات بواقع من 900 إلى 1000 قطعة سكنية لكل إفراز.

ذلك جاء، من أجل الاستفادة من الموقع الاستراتيجي المستقبلي للأراضي التابعة للناحية، وفقا للهيئة التي أشارت إلى أن ذلك العمل استمر تباعا لغاية تنفيذ عملية الضبط، إذ خصصت تلك القطع السكنية المفرزة لتوزيعها بين شرائح محددة من المجتمع، موضحة أن ذلك تم بناء على محاضر تخصيص الأراضي السكنية بكتب مديرية ناحية الوفاء الموجّهة لمديرية التسجيل العقاري في الرمادي.

هذا وتم سياقة المتهمين رفقة المحاضر الأصولية والاضابير والمبالغ المالية والمخشلات الذهبية وبقية المبرزات والمضبوطات، على السيد قاضي التحقيق المختص، الذي قرر توقيفهم على ذمة التحقيق، استنادا إلى أحكام المادة 298/289 من قانون العقوبات، والتحيز على ما يقارب سبعين ألف إضبارة عقار تم تمليكها بصورة مخالفة للقانون، مضيفة إن الإجراءات التحقيقية ستنتهي إلى متهمين مهمين شركاء في الجريمة.

السرقة أوسع من الوفاء

غير أن، مصادر في محافظة الأنبار، أفادت بأن سرقة الأراضي لا تقتصر فقط على ناحية الوفاء، مبيّنة أن هناك ملفات مشابهة في أقضية “عنه” و”الخالدية” وغيرها، وأن ملفات سرقة الأراضي في المحافظة شملت أراض تعود ملكيتها لوزارة الدفاع، وأوضحت أن ملف سرقة الأراضي فيه تواطئ من الحكومة العراقية السابقة، مع الجهات السياسية في الأنبار.

مديرة تسيل عقارات محافطة الأنبار/ إنرنت + وكالات

نتيجة لذلك، عادت هيئة النزاهة الاتحادية لتعلن يوم الإثنين، صدور أمر استقدام بحق محافظ الأنبار الحالي؛ على خلفية تهمة الإضرار بالمال العام، وفي معرض حديثها عن القضية التي حقّقت فيها وأحالتها إلى القضاء، أفادت في بيانها الذي تلقّى موقع “الحل نت” نسخة منه، بإصدار محكمة جنايات مكافحة الفساد المركزيـة أمرا باستقدام محافظ الأنبار الحالي، في قضيَة المخالفات والخروقات المرتكبة في مديرية التسجيل العقاري بالأنبار.

أمر الاستقدام صدر بحق المتهم؛ استنادا إلى أحكام المادة 340 من قانون العقوبات العراقي؛ جراء الإضرار عمدا بأموال ومصالح محافظة الأنبار، بتوزيع قطع أراض سكنية في المناطق المحيطة بـ “مطار الأنبار” المزمع إنشاؤه، وذلك بالاتفاق مع عدد من المتنفذين في المحافظة.

اقرأ/ي أيضا: حوار مرتقب بين الحكومة المغربية والنقابات.. خطوة لتهدئة الغضب الجماهيري؟

حول خفايا القضية، قال الناشط محمد الفهداوي إنه، تم بيع الآلاف من قطع الأراضي قرب مطار الأنبار وفي منطقة 35 وفي ناحية الوفاء، وتم التلاعب بملكيتها من قبل دائرة التسجيل العقاري، مضيفا أن دائرة التسجيل العقاري عائدة لحزب “تقدم”، وهنالك نسبة مئوية من كل عملية فساد تخرج إلى الحزب، ولا توجد أرقام دقيقة عن عدد قطع الأراضي التي تم بيعها، لأنه تم إخفاء جميع الملفات.

الفهداوي بيّن إن، قطعة الأرض الواحدة تم بيعها بأكثر من 15 مليون دينار ما يعادل 10000 دولار، بالرغم من أنها في منطقة نائية ولا تساوي أكثر من مليوني دينار، وهذه هي من أكبر عمليات الفساد وسرقة أموال المواطنين، في حين حذر شيوخ ووجهاء عشيرة “البوچليب” من خروج أبناء العشيرة عن السيطرة وحصول ما لا يحمد عقباه، متهمين مديرية بلدية ألرمادي بسرقة الأراضي الزراعية وبيعها للمواطنين.

شيوخ ووجهاء العشيرة اتهموا في بيان، مديرية بلدية ألرمادي بسرقة الأراضي الزراعية وبيعها للمواطنين عن طريق “سماسرة” و”معقبين” في ناحية الوفاء التابعة لقضاء الرمادي، مؤكدين أن من صلاحية خطة توسيع أي قضاء هي 5 كيلومترات فقط، حسب قانون وزارة التخطيط، كما تساءلوا؛ كيف وصل التوسع إلى 35 كيلومترا، مبيّنين أن عدد الأراضي المسروقة من الدولة والتي بيعت رسميا للسماسرة والمواطنين هي 150 ألف قطعة أرض، بحسب البيان.

إلى ذلك نشر الصحفي والكاتب سلام عادل، مقالا حول قضية عقارات الأنبار، وأكد أن التحقيقات بدأت من خلال بلاغ نيابي من عضو “مجلس النواب” حسين مؤنس وتحت إشراف رئيس الوزراء محمد شياع السوداني وبتنفيذ جهاز أبو علي البصري.

عادل ذكر في مقاله، أنه لا شك من أن الإعلام حين يدخل على خط التحقيقات البوليسية يكون دوره سلبي في بعض الأحيان، وهو ما يجعلنا نتحفّظ هذه المرة على الكشف عن تفاصيل “صفقة فساد القرن 2″، التي هي محل نظر الأجهزة المختصة حالياً، ووسط متابعة مباشرة من رئيس الوزراء المهندس محمد شياع السوداني.

جذور السرقة 

لكن هذا التّحفظ لن يدوم طويلا قدر تعلق الأمر بمصلحة التحقيقات التي يبدو أنها تسير بوتيرة لم تكن معهودة في السابق، فعلى الرغم من أن الخطوة الأولى لكشف الجريمة انطلقت من النائب حسين مؤنس رئيس “حركة حقوق” على شكل بلاغ مسنود بأدلة ووثائق، وليس من طرف حكومي، إلا أن تفاعل رئيس الوزراء وسرعة العمل على فتح تحقيق واتخاذ إجراءات عملية بإشراف قضائي يُعد مؤشرا على تطور في العمل يستحق الإشادة.

مع أن الصفقة ومضامينها المفزعة تثير فضول الصحافيين والمدونين، وهو شيء طبيعي، بحسب عادل، لكن التعاطي مع قضايا من هذا النوع على نحو متسرّع ومن دون إطلاع، يجعل هؤلاء الصحافيين والمدونين في محل صناع القيل والقال لا أكثر ولا أقل، وهو ما فرض واقعا غير مهني على الإطلاق لاحظنا سقوط البعض فيه.

عادل، تابع في مقالة؛ لعل منصة إعلامية واحدة، وهي “منصة صابرين نيوز”، كانت تبدو الأكثر فهما ودراية بخفايا ما يجري، مع كونها من المنصات التي تعتمد أسلوبا خاصا في النشر، حيث كانت ومنذ اليوم الأول لإعداد الوثائق تنشر رؤوس أقلام عن القضية، بما فيها تلميحات عن اليوم التالي حين تم تقديم البلاغ لرئيس الوزراء، ووصولا إلى لحظة اعتقال المتهم الأول.

“صابرين نيوز” كانت قد كشفت في منشوراتها ليوم 30 آذار/مارس الماضي عن وجود وثائق تدين أحد الرئاسات الثلاثة، ثم أعقبتها بمنشور على اليوم التالي عن قيام “نائب” بإيصال هذه الوثائق التي ستدين شخص يدعى “طناش” لرئيس الوزراء، ثم ختمت سلسلة تغريداتها بمنشور في 4 نيسان/أبريل يؤكد على أن “طناش” بات في قبضة العدالة، وفق ما ورد في مقال الكاتب والصحفي.

مع صحة وصواب كل ما نشرته “صابرين نيوز” من عناوين خبرية، تبقى التفسيرات التي يجري تداولها في مواقع التواصل الاجتماعية تنطوي على جنبة سياسية ليست دقيقة، خصوصا ما يتعلق منها بنوايا كتلة “الإطار التنسيقي” الإطاحة برئيس “البرلمان” محمد الحلبوسي، وذلك لكون محركات التحريض ضد الحلبوسي التي تصاعدت وتيرتها في الآونة الأخيرة تتغذى بالدرجة الأساس من الصراع “السني – السني”، ومن داخل الأنبار تحديدا.

بيد أن عادل لفت إلى أنه، لا يمكن أن تمرّ هذه القضية دون تسليط الضوء على الأذرع الرئيسية التي استخدمها الحلبوسي وحزبه لتمرير هذه الصفقة، حيث يوجد ثلاثة أشخاص تظهر أسماؤهم بارزة في كل ملف فساد في محافظة الأنبار، وهم؛ منتصر الجميلي، مدير مكتب محافظ الانبار السابق، ويعد “صندوق أسرار” الحلبوسي، ظهر اسمه لأول مرة في عام 2020 بصفقة فساد في وزارة التجارة والصناعة بعد اعترافات خطيرة أدلى بها مدير عام تصنيع الحبوب غازي سامي، وطالت رئيس “مجلس النواب” محمد الحلبوسي، ووزير التجارة ومدير مكتبه آنذاك منتصر الجميلي ومدير عام الرقابة المالية علي زهير وموظفين في شركة الحبوب منهم حبيب الساعدي، وكذلك شملت الاعترافات النائب يونس شغاتي وآخرين.

عن أساس ذلك، كان رئيس “حركة حقوق” وعضو “مجلس النواب” حسين مؤنس، قد كشف عن أن ملف مجزرة الأراضي في الأنبار غير سياسي وليس خاضعا للمساومات والابتزاز والتسويات السياسية، موجها الشكر إلى الذين كانوا معه كفريق واحد لمدة 3 أشهر، والذين عرضت عليهم من المساومات وواجهوا تحديات كبيرة إلى أن جمعوا الملف والذي يتضمن وثيقة رسمية ومعها الوثيقة المزورة ونبذة تعريفية عن تفاصيل هذا الملف.

مؤنس الذي ينحدر من ميليشيا كتائب “حزب الله” العراقية، والتي تمسك قاطعا أمنيا كبيرا في الأنبار، بيّن أنه عرض الملف على رئيس الوزراء، والذي بادر في الوقت ذاته بمداهمة الأماكن المشبوهة واعتقال المتهمين، مؤكدا حصوله على مجموعة جديدة من الملفات التي سيوصلها مطلع هذا الأسبوع إلى القضاء العراقي، ليقول كلمته الفصل بهذا الموضوع، لافتا إلى أن قيمة هذا الملف تعادل 10 بالمئة من عجز الموازنة لعام 2023.

يشار إلى أن، منصة “صابرين نيوز”، هي وسيلة إعلامية تعمل على برنامج “التليغرام” وكانت قد نشطت في الأعوام الثلاثة الأخيرة، وتعمل على نقل أنشطة الميليشيات، والعمليات التي تستهدف المصالح الأجنبية. 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
5 1 صوت
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات