بيانات سوق الأسهم البريطانية أظهرت أنه فقد مكانته كأفضل سوق في أوروبا، مع احتلال فرنسا المركز الأول، وهذه هي المرة الأولى التي تتفوق فيها باريس على لندن منذ أن بدأت الأرقام القياسية في عام 2003، ويُعتقد أن ضعف الجنيه الإسترليني والمخاوف من الركود في المملكة المتحدة وزيادة المبيعات في شركات صناعة السلع الفاخرة الفرنسية وراء هذا التحول، وفقا لبيانات من “بلومبرغ”.

بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، برزت باريس كمركز تجاري مالي مفضل لدول الاتحاد الأوروبي، حيث حولت بعض أكبر البنوك ومديري الأصول في العالم بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عملياتهم في الاتحاد الأوروبي بعيدا عن لندن إلى العاصمة الفرنسية باريس.

طبقا لما أظهرته تقديرات “بلومبرغ”، أمس الإثنين، فإن القيمة الإجمالية للأسهم البريطانية تبلغ الآن حوالي 2.821 تريليون دولار (2.3 تريليون جنيه إسترليني)، في حين تبلغ القيمة الإجمالية للأسهم الفرنسية حوالي 2.823 تريليون دولار، فما أسباب هذا التحول الكبير، وما علاقة الركود به.

خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي السبب؟

كانت هناك العديد من التحذيرات الكبيرة حول تأثير خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على الاقتصاد البريطاني، بما في ذلك أنه سيدمر صناعة التصدير الأكثر نجاحا في المملكة المتحدة، والخدمات المالية، وأبرز هذه التحذيرات التي لم تأخذ بالحسبان، هو ما قاله الرئيس السابق لبورصة لندن أن أكثر من 230 ألف وظيفة في تلك الصناعة البريطانية قد تختفي.

الخبير في السوق الأوروبية والاقتصاد الإداري، بول شور، أوضح لـ”الحل نت”، أن ترك الاتحاد الأوروبي يعني أن البنوك التي تتخذ من المملكة المتحدة مقرا لها والشركات المالية الأخرى فقدت وصولها غير المقيد إلى سوق الاتحاد الأوروبي، والتي شكلت في عام 2019 حوالي 40 بالمئة من المبيعات الخارجية للمنتجات والخدمات المالية البريطانية.

كان خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وفقا لشور، يعني أيضا أن التداول في معظم الأسهم المقومة باليورو قد اقتصر على بورصات الاتحاد الأوروبي، ونتيجة لذلك، فقدت لندن خلال معظم العام الماضي مركز تداول الأسهم الأوروبية الأكبر أمام أمستردام.

التقديرات والتنبؤات حول فقدان لندن للمركز المالي بعد الخروج من الاتحاد، عدّها خبراء الاقتصاد آنذاك أنها ربما كانت مبالغا فيها، لأن الأرقام الرسمية للربع الأول من عام 2021، وهي الأشهر الثلاثة الأولى بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أظهرت حينها زيادة طفيفة في الصادرات المالية البريطانية إلى الاتحاد الأوروبي، على الرغم من الحواجز التي أقامتها بروكسل.

خسارة لندن للسوق المالية الأوروبية اليوم، بحسب شور،  يأتي في الوقت الذي من المتوقع أن تقع فيه المملكة المتحدة في حالة ركود هذا العام، على الرغم من أن الاقتصاد الفرنسي يتعرض أيضا لضغوط، إلا أن الشركات البريطانية تضررت من انخفاض الجنيه الإسترليني منذ ميزانية رئيسة الوزراء السابقة، ليز تروس، المصغرة مما جعل استيراد السلع والمواد الخام أكثر تكلفة، كما أن انخفاض اليورو مقابل الدولار كان بشكل أقل حدة من الجنيه، في حين أنه تم تعزيز سوق الأسهم الفرنسية من قِبل صانعي السلع الفاخرة، الذين شهدوا انتعاشا في الطلب من الصين.

باريس مركز للتجارة في أوروبا

خلال الصيف 2018، سرّع بنك “أوف أميركا” استعداداته لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من خلال الإعلان عن تفاصيل قاعة تداول جديدة في باريس تتسع لـ 1000 موظف. قال المصرفيون حينها، إن منافس “وول ستريت جي بي مورجان تشيس” ينجذب بشكل متزايد إلى باريس، على الرغم من أنه لم تعلن رسميا بَعد عن حجم العملية التجارية التي ستنفذها في المدينة.

آنذاك، قال دانييل بينتو، رئيس بنك “جيه بي مورجان” الاستثماري، لصحيفة “فاينانشيال تايمز”، “بمرور الوقت، واعتمادا على ما إذا كان المكان سيصبح المركز المالي الجديد في أوروبا، قد نفعل ما فعلناه في لندن قبل 20 عاما، ونقوم بالتوحيد”.

التنافس الحديث كان بين باريس ولندن على مركزية أسواق المال الأوروبية منذ منتصف القرن التاسع عشر، إلا أن باريس خسرت هذا في عام 1848، واليوم بحسب شور، إذا سألت معظم الأشخاص في الصناعة، فإن الخيار الأول هو باريس، حيث تدرك البنوك ومديرو الأصول مزايا إنشاء مركز مهيمن لتركيز سيولة السوق والخبرة لتداول الأوراق المالية.

مؤشر ” إفف تي إس إي” انخفض في لندن والذي يتكون من شركات متوسطة الحجم تركز على المملكة المتحدة، بنسبة 17 بالمئة تقريبا في الأشهر الـ 12 الماضية، أيضا كانت سلسلة “ميتشلز وبتلرز” واحدة من أكبر الشركات التي شهدت انخفاضا، حيث خسرت أكثر من 37 بالمئة من قيمة حصتها في العام الماضي. وشركة “888” تراجعت بنسبة 70 بالمئة، وتراجعت شركة التجزئة “ماركس آند سبنسر” بنسبة 40 بالمئة.

وفقا لبيانات “بلومبرغ”، فقد ارتفعت أسهم شركة “إل في إم إتش” المالكة لماركة الأزياء “لويس فيتون”، بنسبة 22 بالمئة في الأشهر الستة الماضية، بينما ارتفعت أسهم “هيرميس” بنسبة 37 بالمئة، حيث شكل المتسوقون الصينيون حوالي 35 بالمئة من الطلب العالمي على السلع الفاخرة قبل الوباء.

روس مولد أحد مستثمري “إيه جيه بيل”، وصف أمس الإثنين، خسارة لندن للمركز الأول من خلال تقييم سوق الأسهم لباريس بأنه “سينظر إليه على أنه ضربة لمكانة المدينة”، خصوصا وأنه في العام الماضي، أطاحت أمستردام بلندن كأكبر مركز تداول مالي في أوروبا، على الرغم من أن هذا كان يعتمد على القيمة الإجمالية للأسهم المتداولة بدلا من الشركات.

الاتحاد الأوروبي ضد لندن؟

في أعقاب التوسع الباريسي عام 2018، قال حاكم لندن إن بريطانيا ستفعل “كل ما يلزم” للدفاع عن مكانة المدينة كمركز مالي عالمي، مبيّنا أن الأرقام التي تم نقلها من لندن محدودة حتى الآن، وأنها تتعارض تماما مع “الخطاب المنمق” الذي يتحدث به القادة الأوروبيين، ” تعالوا إلى باريس “.

من وجهة نظر شور، فإن عامل كبير آخر كان في اختيار البنوك لباريس، هو تطور المنظمين الفرنسيين، الذين أشرفوا منذ فترة طويلة على العمليات التجارية المعقدة، حيث بدا التحول يجذب أنظار المستثمرين، والذي أثّر على 6 مليارات يورو من التداول في الأسهم الأوروبية، والضربة التي أحدثها خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أضرت بعودة مركز مدينة لندن كعاصمة مالية مهيمنة في أوروبا، وكانت نذير بخسارة أعمال لندن وفرص جديدة لمراكز منافسة مثل فرانكفورت وباريس وأمستردام.

جهود الاتحاد الأوروبي لتقليل اعتماده على المملكة المتحدة وبناء قطاع مالي ظلت تتناسب مع اقتصاده بشكل بطيئ وغير حاسم، ويرجع ذلك جزئيا طبقا لحديث شور، إلى الافتقار للتركيز السياسي والمالي في العواصم الكبيرة. في غضون ذلك، أبلغت العواصم المالية في الاتحاد الأوروبي عن زيادة في النشاط حيث تجبر لوائح الاتحاد الشركات على نقل أعمالها من مدينة لندن. لذلك أعلنت 24 شركة خدمات مالية كبيرة عن خطط لنقل أصول بقيمة 1.3 تريليون جنيه إسترليني من المملكة المتحدة.

باريس كانت أحد المستفيدين، حيث تسعى العاصمة الفرنسية إلى جذب المصرفيين والشركات المالية بإعفاءات ضريبية وحوافز أخرى. وقد اجتذبت 2800 موظف بريطاني منذ أن صوتت بريطانيا على مغادرة الاتحاد الأوروبي في عام 2016، كما اختار عدد من البنوك الأميركية باريس كواحدة من قواعدها في الاتحاد الأوروبي، من بينها بنك “جي بي مورغان”، والذي زاد عدد موظفيه من 250 إلى 800 شخص في فرنسا هذا العام.

بيانات حكومة المملكة المتحدة تظهر أن لندن توظف أكثر من 418 ألف شخص في الخدمات المالية، ولا تزال المركز المهيمن لتداول العملات والمشتقات، والمقاصة، والتأمين وصناديق الأسهم الخاصة. ولا تزال لندن المكان الرئيسي لزيادة الأسهم في أوروبا وقد تمتعت عام 2021 بأقوى عام لها منذ عام 2007.

لكن هذا وفق ما يعتقد شور، لا يعني أن بروكسل وباريس راضيتان عن ترك الأمور على ما هي عليه، إذ يشرع الاتحاد في مشروع لتعزيز اعتماده على الذات عبر مجموعة من الصناعات تتراوح من أشباه الموصلات إلى الهيدروجين والأدوية والبطاريات المتطورة. وستكتسب هذه الأجندة جمهورا أكبر في الأشهر المقبلة حيث تتولى فرنسا الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي وتسعى إلى بناء مبادرة “الحكم الذاتي الاستراتيجي”.

بنظر الخبراء، فإن الضغط على الإنفاق الاستهلاكي الذي زاد من المشكلات القائمة في الاقتصاد البريطاني، بما في ذلك ضعف التجارة منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، باتت المملكة المتحدة هي الدولة الوحيدة في مجموعة السبع التي لا يزال اقتصادها أصغر مما كان عليه قبل الوباء، فبين بين تموز/يوليو وأيلول سبتمبر 2022، انكمش الاقتصاد بنسبة 0.2 بالمئة، وحذر بنك “إنجلترا” من أن البلاد تواجه أطول ركود منذ 33 عاما.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.