في أعقاب توسع إيران في المنطقة وتنفيذها عدة أعمال وهجمات تخريبية من شأنها أن تقوض أمن المنطقة، بالإضافة إلى إعلانها تخصيب اليورانيوم بدرجة نقاء 60 بالمئة، هناك تقارير تتحدث عن مباحثات أميركية-إسرائيلية تفيد بإجراء مناورات عسكرية مشتركة تُحاكي هجوما على وكلاء إيران وأذرعها في المنطقة، وهنا يجدر التساؤل عن فرص تنفيذ خطط عسكرية ضد الميليشيات الإيرانية، وما إذا كان لهذا التنسيق الأميركي الإسرائيلي علاقة بإعلان إيران عن تخصيب اليورانيوم، أم أنها إستراتيجية بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي المنتخب حديثا، حول تقليص الوجود الإيراني في الشرق الأوسط، إلى جانب عواقب التنسيق العسكري على النفوذ إيران والمنطقة ككل إذا حدث بالفعل.

فرص العمل العسكري

في الإطار، التقى مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، في واشنطن، يوم الإثنين الفائت، رئيس هيئة الأركان في الجيش الإسرائيلي، أفيف كوخافي، حيث تبادلا وجهات النظر حول مجموعة واسعة من قضايا الأمن الإقليمي ذات الاهتمام المشترك.

المسؤولان أكدا عزم بلادهما المشترك على معالجة التحديات الأمنية التي تؤثر على الشرق الأوسط، بما في ذلك التهديدات التي تشكلها إيران ووكلائها. وأشار سوليفان إلى التزام الرئيس الأميركي، جو بايدن، بضمان عدم امتلاك إيران لسلاح نووي.

رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي يسار ومستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان يلتقيان في واشنطن، 2021 (” تايمز أوف إسرائيل”

في سياق متّصل، أفادت قناة “فوكس نيوز” الأميركية، اليوم الأربعاء، أن الولايات المتحدة الأميركية بحثت مع إسرائيل إجراء مناورات عسكرية مشتركة تُحاكي هجوما على إيران ووكلائها في المنطقة.

بحسب القناة الأميركية، فإن رئيسّ الأركان الإسرائيلي أفيف كوخافي، والأميركي مارك ميلي، يدرسان إجراء مناورات مشتركة للقوات الجوية خلال الأسابيع القادمة، وسيتم خلالها تدريب العسكريين على العمل في ظروف نزاع محتمل بين إسرائيل من جهة، وبين إيران أو وكلاء إيران في المنطقة من الجهة الأخرى.

صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” أفادت يوم أمس الثلاثاء، أن كوخافي أبلغ مسؤولين عسكريين أميركيين بضرورة تسريع جيشي البلدين لما وصفها بأنها “خطط العمليات الهجومية” ضد إيران، موضحة أن كوخافي، الذي وصل إلى الولايات المتحدة يوم الأحد الماضي، التقى رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية مارك ميلي، ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان، ومدير المخابرات المركزية وليام بيرنز.

كوخافي، ذكر في تصريحات نقلتها الصحيفة العبرية عن الجيش الإسرائيلي، أنه جرى خلال المناقشات “الاتفاق على أننا في لحظة حرجة تتطلب تسريع الخطط العملياتية والتعاون في مواجهة إيران ووكلائها” في المنطقة، مشيرا بالقول “بينما تخضع إيران من ناحية لكثير من الضغوط الاقتصادية والعسكرية والداخلية، فإنها تواصل من ناحية أخرى تعزيز برنامجها النووي”.

ضمن هذا السياق، يرى الباحث في الشأن الإسرائيلي، عادل ياسين، أن الحديث عن إجراء تدريبات مشتركة لسلاحي الجو الإسرائيلي والأميركي تأتي في إطار محاولات إسرائيل ترميم قوة ردعها بالاعتماد على قوة الولايات المتحدة؛ لكنها تدريبات اعتيادية “لن يكون لها تأثير عملي على أرض الواقع”.

ياسين أشار في حديث لموقع “الحل نت”، إلى أن الولايات المتحدة “غير مستعدة لخوض حرب أمام إيران ولا تزال تتمسك بالطرق الدبلوماسية، أما إسرائيل فهي غير مؤهلة وغير جاهزة لخوض أي حرب علنية أمام إيران، بل حتى أمام حزب الله وغزة وما حدث من اتفاق حول ترسيم الحدود مع لبنان مؤخرا هو خير دليل”.

بالعودة إلى الصحيفة العبرية، فإنها تشير إلى أن إسرائيل لا تتفق مع الولايات المتحدة بشأن إيران، حيث تعارض إسرائيل محاولات إدارة بايدن لإحياء الاتفاقية النووية بين طهران والقوى العالمية التي عرضت تخفيف العقوبات مقابل كبح البرنامج النووي الإيراني. لكن تراجعت أهمية هذا الخلاف مؤخرا، حيث تعثرت المحادثات النووية، والولايات المتحدة تفضل التركيز على الاحتجاجات المدنية المستمرة ضد السلطة الحاكمة في إيران.

قد يهمك: عسكرة الملاحة الدولية.. إستراتيجية إيران لابتزاز الغرب؟

إسرائيل تعرقل الاتفاق النووي؟

في المقابل، تضغط إسرائيل على الولايات المتحدة لإعداد خطط طوارئ عسكرية من أجل منع إيران من الحصول على سلاح نووي. وقال الرئيس الأميركي جو بايدن في وقت سابق، أنه مستعد لاستخدام القوة العسكرية إذا لزم الأمر، لكنه لا يزال يفضل استنفاد الطريق الدبلوماسي أولا.

هيئة الأركان المشتركة الأميركية مارك ميلي، يمنح وسام الاستحقاق لرئيس أركان الجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي، 21 تشرين الثاني/نوفمبر 2022  “تايمز أوف إسرائيل”

بالنسبة للتنسيق الأميركي الإسرائيلي وعلاقته برفع نسبة تخصيب اليورانيوم، فإن التنسيق بين الولايات المتحدة وإسرائيل لم يتوقف بعد فهناك محاولات حثيثة من قبل إسرائيل لعرقلة “أي اتفاق مع إيران ودفع العالم للقيام بعمل عسكري ضد إيران أو تشديد العقوبات ضدها”، على حدّ تعبير الباحث المتخصص بالشأن الإسرائيلي.

بحسب ياسين، “نتنياهو لم يستلم مقاليد الحكم حتى اللحظة لكن إستراتيجية إسرائيل في التعامل مع إيران لم تتغير منذ سنوات فهي تحاول استغلال التهديد الإيراني كوسيلة لإقامة علاقات وتحالفات مع دول أخرى، وفي المقابل تتعامل مع التهديد الإيراني بحذر بالاعتماد على نظرية المعركة بين الحروب التي تتمثل بتنفيذ اغتيالات وعمليات أخرى دون الاعتراف بالمسئولية عنها”.

في مغزى ختام حديث ياسين، فإن أقصى ما تسعى إليه إسرائيل في هذه المرحلة هي محاولة لإقناع الولايات المتحدة والدول الأوروبية للتلويح باستخدام القوة العسكرية ضد إيران لكنها حتى اللحظة لم تنجح في ذلك ولن تنجح حتى في المرحلة القادمة.

في حديث سابق للباحث في العلاقات الدولية، محمود علوش، لموقع “الحل نت”، أشار إلى أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، لا تزال تولي أهمية للعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران والحد من التصعيد. ويعتقد علوش أن التحركات العسكرية الأميركية هي للضغط على طهران وليست تحضيرا لهجوم محتمل عليها. ولن تسعى واشنطن للانخراط في حرب جديدة في المنطقة بينما تعمل على تخفيف ارتباطها الأمني بها والتركيز على تحديات أخرى متمثلة في روسيا والصين.

محصلة ما يراه علوش، هو أنه في ظل العامين المتبقين للرئيس بايدن، لا يُمكن بأي حال من الأحوال توقع حدوث مواجهة عسكرية مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران.

لكن في الوقت نفسه تُدرك الإدارة الأميركية أن عدم إظهار القوة بعض الشيء يُشجع إيران على التشدد في شروطها ضمن المفاوضات ويُقلل من شهيتها لإعادة إصلاح العلاقات مع الغرب.

قد يهمك: السلوك العسكري الروسي في إفريقيا.. هل يعزز انتشار الإرهاب؟

ابتزاز إيران للغرب

عقِب قرار “الوكالة الدولية للطاقة الذرية” بأمر إيران بالتعاون بشكل عاجل مع تحقيق “الوكالة” في آثار اليورانيوم التي تم العثور عليها في ثلاثة مواقع غير معلنة، أعلنت إيران تخصب اليورانيوم بنسبة 60 بالمئة في موقع “فوردو” النووي باستخدام أجهزة الطرد المركزي “آي.آر6″، وهو ما يقل كثيرا عن نسبة 90 بالمئة اللازمة لصنع الأسلحة النووية ولكن أعلى بكثير من نسبة 20 بالمئة التي كانت قد وصلت إليها طهران قبل اتفاقية 2015 مع القوى الكبرى التي نصت على عدم تجاوز نسبة التخصيب 3.67 بالمئة.

كانت وكالة “إرنا” الإيرانية قالت في وقت سابق من يوم أمس الثلاثاء، إن إيران زادت إنتاجها من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 بالمئة، في حين نسبت “هيئة البث الإسرائيلية” للجيش، أنه سيجري مع نظيره الأميركي تدريبات وشيكة تحاكي ضربات موجهة لإيران ومن وصفهم بأنهم “وكلاؤها”.

هذا ويبدو أن طهران تواصل أنشطتها المتشددة بهدف الضغط على القوى الخارجية أو بالأحرى ابتزازها، إذ إن الملف النووي الإيراني الذي لم تعد هناك أي شبهة بشأن أهدافه العسكرية غير السلمية وكذا الملف الصاروخي الباليستي، ناهيك عن الطائرات المسيّرة، يؤكد أن طهران تستغل كل ملفاتها المحلية والإقليمية للحصول على مكتسبات وتحقيق أهدافها الجيوستراتيجية.

كما أن وجود وكلاء إيران في العراق أو اليمن أو لبنان إنما يعزز الفرضية ذاتها حيث إن “الحرس الثوري” الإيراني عندما يشعر بخوف وتراجع في منسوب الحوار وتأزم الأوضاع مع الولايات المتحدة فيما يخص الاتفاق النووي ومفاوضات فيينا، فإنه يواجه ذلك بعسكرة الإقليم بالإضافة الى عمليات القرصنة البحرية وزرع الألغام وتهديد الملاحة الدولية لبعث رسائل تحذيرية للاتحاد الأوروبي وتحريك مخاوفهم نحو مسألة تأمين وصول الطاقة.

قد يهمك: إيران تعلن مجددا تخصيب اليورانيوم.. عقبة جديدة أمام المفاوضات النووية؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة