قمة جديدة عُقدت في الحادي عشر من الشهر الجاري لدول “رابطة الآسيان”، في العاصمة الكمبودية “بنوم بنه”، واستمرت على مدار أربعة أيام وضمت الدول العشرة المكونة للرابطة، والرئيس الأميركي جو بايدن، ورئيس الوزراء الصيني لي كه تشيانغ، والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.

الشركاء المتنافسون

من أجل فهم العلاقة بين “الرابطة” وبقية الشركاء سواء في آسيا أو بقية دول العالم، لا بد من الاطلاع على قائمة شركاء الحوار مع رابطة أمم جنوب شرقي آسيا “الآسيان”، حيث يلاحظ وجود أحد عشر شريكا، وهم يختلفون عن شركاء الحوار القطاعي، وشركاء التنمية، وهي صيغ ثلاث تحكم علاقات الدول فرادى بـ”رابطة الآسيان” كتجمع إقليمي. القائمة الأولى موضع الاهتمام هنا تضم كلا من الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة وكندا واستراليا ونيوزيلندا والهند واليابان وكوريا الجنوبية والصين.

من قمة رابطة الآسيان مع الولايات المتحدة “وكالات”

واشنطن وبكين منخرطتان في إدارة تنافس هو أقرب إلى الصراع في جوانبه الاستراتيجية. فالولايات المتحدة لم تعد تخفي التخوف من الصعود الصيني المتواصل، والذي تراه مهددا للنظام الدولي القائم على القواعد. ومن جانبها، فإن الصين تتهم الولايات المتحدة بالسعي إلى استمرار الهيمنة وتتصرف بعقلية الحرب الباردة.

أيضا يدخل في هذا السياق الترتيبات الأمنية التي تقودها الولايات المتحدة في المنطقة سواء مع كل من الهند واليابان واستراليا “كواد”، أو مع كل من استراليا واليابان وبريطانيا “أوكوس”. وهنا يُلاحظ أن كل أطراف هذه الترتيبات من ضمن شركاء “الآسيان”. كما تسعى واشنطن إلى ترتيبات مشابهة في مجال التكنولوجيا وخاصة الرقائق الإلكترونية.

الخلافات الأميركية الصينية لا تقف عند ذلك الحد، وإنما هناك واحدة من القضايا المهمة في علاقات بكين بدول “الآسيان”، وهي المتعلقة بخلافات بحر الصين الجنوبي، وهي خلافات ترى بكين أن أطرافها يمكنهم تسويتها دون تدخل خارجي، وأن هذا التدخل يزيد من تعقيد الأمور. وليست الولايات المتحدة وحدها التي باتت تبدي مواقف لا تروق للصين في هذا السياق، وإنما تضاف إليها كل من اليابان واستراليا وبريطانيا وإلى حدّ ما الاتحاد الأوروبي.

كما أن ما يجري بين روسيا والغرب منذ سنوات ليس خافيا، والذي ازداد حدة مع اشتعال الحرب في أوكرانيا أوائل العام 2022. وتقريبا فإن روسيا في جهة وكل شركاء “الآسيان” الآخرين في جهة مضادة باستثناء كل من الصين والهند. والخلافات بين كل من الصين وكوريا الجنوبية من ناحية واليابان من ناحية أخرى مستمرة ومتواصلة، وإن اختلفت في بعض جوانبها.

لا يعني هذا أن كل العلاقات بين شركاء “الآسيان” يغلب عليها الخلافات. فحتى الدول المختلفة بينها علاقات تعاون، وترتيبات تحكم هذا التعاون ليس فقط على الصعيد الثنائي وإنما على الصعيد الجماعي في بعض الأحيان.

في هذا السياق مثلا، صيغة التعاون في شمال شرقي آسيا والتي تضم كلا من الصين واليابان وكوريا الجنوبية. وهذه الدول الثلاث تجمعها صيغة تعاون جماعية مع رابطة “الآسيان” إلى جانب الصيغ الثنائية تتمثل في صيغة “الآسيان + 3″، وتجمع “بريكس” الذي يضم كلا من الصين والهند وروسيا إضافة إلى البرازيل وجنوب إفريقيا. وهناك صيغة أخرى للتنسيق بين كل من روسيا والصين والهند. يحدث ذلك رغم الخلافات الكبيرة بين الصين والهند.

على الرغم من كل هذه التباينات بين شركاء “الآسيان”، إلا أن الرابطة استطاعت الاحتفاظ بعلاقات جيدة معها كلها، ولم تقع في فخ الاستقطاب كتجمع. وإن كانت توجد بعض التباينات في مواقف بعض أعضائها من آن إلى آخر وفي بعض القضايا، بما في ذلك القضايا الخلافية مع الصين.

“رابطة الآسيان” باتت موضع جذب لكل تلك القوى. وما كان ذلك ليكون لولا أنها قد قطعت أشواطا كبيرة في تجربتها التكاملية التي وصل عمرها إلى الخامسة والخمسين. وباتت مركزا للإقليمية التقليدية وغير التقليدية في المنطقة. كما أنها إلى جانب ذلك تقدمت كثيرا بالنسبة لمؤشرات التنمية، وبات سوقها الضخم البالغ حوالي 700 مليون نسمة مهما. ومع ذلك فإن أمامها الكثير في التجربة التكاملية وفي التجارب التنموية. ومن ذلك الفجوات في التنمية سواء بين أعضائها أو داخل بعض دولها. بالإضافة إلى قضايا شائكة في واحدة من أعضائها يستعصي التعامل معها حتى من قبل باقي الأعضاء. والمقصود هنا تحديدا ميانمار.

إقرأ:ثروات مليارديرات الصين تتراجع.. تباطؤ الاقتصاد أم سياسة الحزب؟

الصين في مقدمة شركاء “الآسيان”

ثلاثة عناصر رئيسية تجعل الصين تأتي في مقدمة شركاء “الآسيان”، الجوار الجغرافي، ومواصلة الصعود الصيني، والدرجة العالية من الاعتماد المتبادل. فالصين تجاور بعض دول الآسيان بريا وتربطها تدفقات مياه الأنهار، ومن ثم توجد طرق برية، ونقاط حدودية تسمح بتدفق السلع والأفراد.

أيضا هناك ترتيبات خاصة بين الصين والدول التي يمر بها نهر الميكونج من أعضاء “الرابطة”، أضافة إلى التجاور المائي عبر مياه بحر الصين الجنوبي. والذي تثار حوله الخلافات. وقد حرص الجانبان على إصدار إعلان للسلوك بخصوص التعامل مع هذه الخلافات في العام 2002. ورغم مرور عشرين سنة على هذا الإعلان، إلا أن الكثير لم يتحقق. ورغم تصاعد الخلافات حتى بين دول “الرابطة” فيما يتعلق بجدوى هذه القواعد المتضمنة في ذلك الإعلان، إلا أنه استمر.

كما صدر بيان في القمة التي جرت مؤخرا بين دول “الآسيان” والصين، والذي تضمن التأكيد على حل الخلافات بالطرق السلمية، وعدم التهديد باستخدام القوة أو استخدامها، مع التأكيد على الالتزام بسلامة وحرية الملاحة البحرية والجوية، والالتزام بتنفيذ الإعلان بشكل كامل وفعال، وعدم القيام بأفعال من شأنها تعقيد الوضع. كل ذلك في إطار الالتزام بقواعد القانون الدولي بما في ذلك اتفاقية الأمم المتحدة للبحار.

أما فيما يتعلق باستمرار الصعود الصيني، فإن المؤشرات هي التي تتحدث سواء من حيث الناتج المحلي الإجمالي، أو نسبة المساهمة في التجارة العالمية، أو شبكة العلاقات الصينية مع مختلف مناطق العالم، أو المبادرات والترتيبات الصينية. ومنها على سبيل المثال، مبادرة “الحزام والطريق” و”البنك الآسيوي للاستثمار في البنية الأساسية”، ورؤوس الأموال والشركات الصينية في العالم، والتي دخلت في مجالات بالغة التطور.

هذه المؤشرات ليست بعيدة عن إدراكات صانعي القرار في دول “الآسيان”، كما أنها قد انعكست على تطور العلاقات بين الجانبين في شتى المجالات تقريبا، وقد انعكس هذا بطبيعة الحال على العنصر الثالث المتمثل في التزايد الحاصل في درجة الاعتماد المتبادل بين الصين ودول “الآسيان”.

في هذا السياق، لا بد من الإشارة إلى عنصري التجارة البينية والاستثمار، حيث أن الصين باتت منذ عام 2009 الشريك التجاري الأول لدول “الآسيان”، وقد بلغ حجم التجارة بين الجانبين في عام 2021 طبقا لإحصاءات “رابطة الآسيان” حوالي 670 مليار دولار. بينما بلغ حجم تجارة دول “الآسيان” مع الولايات المتحدة 364 مليار دولار في نفس العام. أي أن حجم التجارة مع الولايات المتحدة تقريبا نصف حجم التجارة مع الصين. لكن يبقى أن حجم الاستثمارات الأميركية في دول “الآسيان” يفوق بكثير الاستثمارات الصينية، حيث تأتي الولايات المتحدة في المقدمة بقيمة 40 مليار دولار في عام 2021، بينما وصلت الاستثمارات الصينية إلى حوالي 14 مليار دولار فقط في نفس العام. بينما بلغ حجم تجارة “الآسيان” مع اليابان في نفس العام حوالي 240 مليار دولار، في حين بلغت الاستثمارات اليابانية حوالي 12 مليار. وبالنسبة لكوريا الجنوبية فقد بلغ حجم التجارة حوالي 170 مليار دولار، بينما بلغت الاستثمارات الكورية في دول “الآسيان” حوالي 7 مليار دولار. وعلى الرغم من الفارق الواسع بين الاستثمارات الأميركية والصينية في دول “الآسيان”، إلا أن الصين تخطت دولا كانت تسبقها في هذا المضمار من بينها اليابان، وباتت الصين في المرتبة الثانية من حيث مصادر الاستثمار الأجنبي في دول الآسيان.

ترقية للتجارة والأمن الغذائي

في قمة “رابطة الآسيان” وشركائها الأخيرة، اتفق الأطراف على إطلاق مفاوضات جديدة لترقية اتفاقية التجارة الحرة بينهما، وهي الاتفاقية الأقدم بين دول “الآسيان” وشركائها. وفي مجال التنمية المستدامة، اتفق الأطراف على زيادة التعاون في مجال تطوير البنية الأساسية وزيادة تسهيلات التجارة والسفر بما يدفع بالتفاعلات الشعبية أكثر وأكثر، كما حضرت الجوانب التكنولوجية والبيئية، والتعاون الصحي، والذي حاز أبعاداً مهمة في ظل جائحة كورونا، وتعزيز دور المرأة والاقتصاد الدائري وغيرها من القضايا التي تتضمن مبادرات بين الأطراف.

بالنسبة للأمن الغذائي، فإن البيان المشترك قد انطلق من اعتباره حقا من حقوق الإنسان الأساسية، ومن قواعد الأمن القومي المهمة، ومن الضمانات الاستراتيجية للسلام والتنمية العالميين. بالإضافة إلى الإقرار بأن التغير المناخي وجائحة “كورونا” والصراعات الجيوسياسية وما أصاب سلاسل التوريد من اضطرابات قد فرضت تحديات كبيرة فيما يتعلق بالأمن الغذائي. ومن ثم فقد اتفق الأطراف على مجموعة من إجراءات التعاون تطال عمليات إنتاج، وإنتاجية، وجودة، وسلامة الغذاء، وتوزيعه، فضلا عن الاحتفاظ باحتياطيات منه لحالات الطوارئ، وما يترتب على ذلك من تسهيلات في تجارة الأغذية، والاستثمار في مجالات الإنتاج الغذائي. ويدخل ضمن ذلك التعاون قضايا مهمة كثيرة من قبيل الزراعة والتغيرات المناخية، ومحاربة الفقر في البيئات الزراعية، وتقليل نسب الهدر.

ما هي “رابطة الآسيان”؟

رابطة دول جنوب شرق آسيا “الآسيان”، منظمة سياسية اقتصادية، تُعد سابع أكبر اقتصاد في العالم، تشكلت عام 1967 في بانكوك بهدف تعاون الدول الأعضاء في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتقنية والتعليمية، ولتعزيز السلام والاستقرار الإقليميين في المنطقة، وتشكلت الرابطة أولا من 5 دول، هي، إندونيسيا وماليزيا والفلبين وسنغافورة وتايلند، ثم انضمت لاحقا جمهورية لاوس الديمقراطية الشعبية وكمبوديا وبروناي دار السلام وميانمار وفيتنام، وتهدف إلى تسريع نمو الدول الأعضاء، وتجنب النزاعات المسلحة، وإقامة منطقة تجارية حرة.

اجتماع قمة دول رابطة الآسيان “وكالات”

الرابطة عند تأسيسها حددت مجموعة من الاعتبارات الأمنية، حل النزاعات بالطرق السلمية، عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء، احترام الاستقلال والسلامة الإقليمية، عدم الاستنجاد بالقوى الخارجية للتدخل في صراعات المنطقة.

أما أهداف الرابطة فتمثلت بالأمور التالية، تسريع النمو الاقتصادي والتقدم الاجتماعي والتنمية الثقافية لأعضاء الرابطة، تعزيز السلام والاستقرار الإقليميين عبر الالتزام باحترام العدالة وسيادة القانون في العلاقة بين بلدان المنطقة والتقيد بمبادئ ميثاق الأمم المتحدة، تعزيز التعاون النشط والمساعدة المتبادلة بشأن المسائل ذات الاهتمام المشترك في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتقنية والعلمية والإدارية، تقديم المساعدة للدول الأعضاء في ما بينها في مجال التعليم والأبحاث والتقنية والمهن، التعاون في تشجيع النمو في قطاعات الزراعة والصناعة والتجارة، لرفع مستويات معيشة شعوب الرابطة، الحفاظ على تعاون وثيق ومفيد مع المنظمات الدولية والإقليمية ذات الأهداف والأغراض المشابهة، واستكشاف جميع السبل الممكنة لتعاون أوثق معها.

أبرز محطات “الرابطة”

في مطلع تسعينيات القرن الماضي قررت “الرابطة” تعزيز التعاون مع الاقتصادات الكبرى في آسيا، وعرفت بـ”آسيان 3″، وضمت الصين واليابان وكوريا الجنوبية، كما أخذت الرابطة تنحو منحى قانونيا ملزما وأنشأت عدة معاهدات؛ منها معاهدة الصداقة والتعاون في جنوب شرق آسيا لعام 1976، ومعاهدة عام 1995 بشأن إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في جنوب شرق آسيا.

أول قمة لـ “الرابطة” عُقدت في مدينة بالي بإندونيسيا في 23 و24 شباط/فبراير 1976، ووقّع الأعضاء وقتها على معاهدة “آسيان”، وتم إنشاء الأمانة العامة في مدينة جاكرتا بإندونيسيا عام 1976، وشُكّلت اللجان الخاصة في المجالات الصناعية والتعدين والطاقة عام 1977.

لاحقا انضمت بروناي دار السلام في السابع من كانون الثاني/يناير 1984، وفيتنام في 28 تموز/يوليو 1995، وجمهورية لاو الديمقراطية الشعبية ودولة ميانمار في 23 تموز/يوليو 1997، وكمبوديا في 30 نيسان/أبريل 1999.

في 15 كانون الأول/ديسمبر 2008، دخل ميثاق رابطة جنوب شرق آسيا حيز التنفيذ، وبدأت الرابطة تعمل بإطار قانوني جديد، وكانت سنغافورة أول من صدقت على الميثاق لدى الأمين العام للرابطة في السابع من كانون الثاني/يناير 2008؛ وكانت تايلند الأخيرة في 15 تشرين الثاني /نوفمبر 2008.

من الواضح أن شبكة العلاقات بين دول “رابطة الآسيان” والصين واسعة جدا ومتشعبة. ومن الواضح أنها تفوق في جوانب كثيرة علاقات أي من شركاء الحوار مع دول “الرابطة”. لكن هذه العلاقات تتضمن خلافا متعدد الأبعاد. وحتى الآن لم يتخطى الأمر مسألة القواعد العامة التي على أساسها يتم التعامل مع تلك الخلافات. أي أنه لم يتم الدخول في مفاوضات حول تفاصيل هذه الخلافات. مثل هذا التأجيل تتخوف منه بعض دول “الآسيان”، كما أنه يسمح لبعض القوى الخارجية بإثارة المسألة حتى ولو من قبيل المناكفة في ظل التنافس الاستراتيجي الأوسع.

قد يهمك:الصين عالقة في فخ من صنعها.. ما أثر ارتفع إجمالي حالات “كوفيد” اليومية عالميا؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.