مع تصاعُد الاحتجاجات في المدن الإيرانية، ولجوء السلطات إلى العنف المفرط في التعامل مع المحتجين، ظهرت تقارير إعلامية تشير إلى مشاركة عناصر من فصائل “الحشد الشعبي” العراقية، في قمع المحتجين. وبينما لم تؤخذ تلك التقارير بجدية كبيرة من المتابعين، فإنّها لفتت النظر إلى الإدراك المتنامي للعلاقة العضوية بين “الحرس الثوري” الإيراني وتلك الفصائل، وكيفية تفاعل الأخيرة مع الأوضاع في إيران.

من جهة أخرى يرى البعض أن الحديث عن دورٍ ما لعبته بعض فصائل “الحشد الشعبي” في دعم القوات الإيرانية لتقويض الحركة الاحتجاجية، مبالغ فيه. وجزء من هذا الحديث يبدو مرتبطا بالتنافس الداخلي الإيراني ما بين الإصلاحيين والمتشددين، حيث يسعى الطرف الاصلاحي إلى تعبئة الجمهور بشكل واسع ضد ممارسات “الحرس الثوري”، والأذرع العسكرية المرتبطة به في المنطقة، ومنها على وجه التحديد “الحشد الشعبي” في العراق.

تقارير متضاربة حول مشاركة “الحشد الشعبي” العراقي، تدفع للتساؤل حول حقيقة وجود هذا الدعم من عدمه، وتأثيره على تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، وموقف التيار الصدري، والعلاقة بين “الحشد الشعبي” و”الحرس الثوري” الإيراني.

إيران ليست بحاجة لـ”الحشد الشعبي” العراقي

موقع “إيران إنترناشيونال” المُعارِض، نشر تقريرا يشير إلى أن “الحرس الثوري” الإيراني استعان بمجموعة عناصر من فصائل “الحشد الشعبي”، قُّدر عددهم بـ 150 عنصر، نُقِلوا جوا من مطار بغداد إلى مدينة مشهد، التي كانت أحد المعاقل الاساسية للاحتجاجات. كما أشار تقرير آخر نُسب إلى الصحافة الإسرائيلية إلى أن “حزب الله” اللبناني، أسهم أيضا في إرسال مجموعة من مقاتليه لمساندة “الحرس الثوري” في تقويض الاحتجاجات. وقد تكرر استخدام مثل هذه التقارير بشكل موسع في بعض التغطيات الإعلامية لوسائل الإعلام العربية، وذلك على الرغم من عدم وجود أدلة حقيقية ومقنعة تُثبِت صحة هذه المعلومات.

الحشد الشعبي العراقي “وكالات”

في مقابل ذلك فإن المنصات الإعلامية المقربة من فصائل “الحشد الشعبي” اهتمت بتسليط الضوء على ما يجري من تطورات في المشهد الإيراني، حيث حاولت أن تصور ما يجري على أنه جزء من مؤامرة دولية تقودها أطراف خارجية تسعى إلى زعزعة الأمن والاقتصاد في إيران، من أجل إضعاف ما يسمى “جبهة محور المقاومة”، وتأكيد سردية النظام الإيراني حول وفاة الشابة مهسا أميني، نتيجةً لأزمة صحية وليس بفعل الإجراءات التعسفية التي مورست ضدها من قبل “شرطة الأخلاق” في إيران.

أيضا حاولت هذه المنصات الإعلامية، تصوير الدعوة إلى خلع الحجاب باعتبارها استهدافا للقيم الأساسية التي تشكّل في ظلها النظام السياسي في إيران، وتقديم الحركة الاحتجاجية في إيران إلى الجمهور العراقي، على أنها دعوة لإشاعة سلوكيات غير مقبولة اجتماعيا في ثقافة المنطقة.

الكاتب والمحلل السياسي العراقي، علي البيدر، مستشار “مؤسسة رؤى للدراسات الاستراتيجية”، يرى أنه بالنسبة لدعم قوات “الحشد الشعبي” العراقي للقوات الإيرانية، فرضية غير صحيحة، لأن السلطات الإيرانية لا تسمح لهكذا قوات أن تصل إلى هكذا مستويات، فهذا الدعم يمثل مكانة للجانب الإيراني، وهذه النقطة ترفضها إيران وإن حصل، فهي لن تمنح قوات “الحشد” أكثر من حضور معنوي رغم بعده عن الواقع.

أيضا فإن لدى إيران ما يكفي من القوة العسكرية والأمنية لتحصين ساحتها الداخلية، ومواجهة تحدياتها، لكن ربما هناك بعض الأطراف التي تحسب نفسها على “الحشد الشعبي”، تحاول الترويج لمثل هذه الفكرة لزيادة مكانتها وحضورها واحتلالها موقعا معينا، بحسب البيدر.

قد يهمك:“الحرس الثوري” يهاجم السعودية.. حرب من نوع جديدة؟

هل يمنع تشكيل الحكومة العراقية مشاركة “الحشد” في إيران؟

تقارير تشير إلى أن أغلب قيادات “الحشد الشعبي” العراقي، والفصائل الشيعية الرئيسة الموالية لإيران، حاولت النأي بنفسها عن التصريح بمواقفها من الحركة الاحتجاجية في إيران، لإدراكها بأن اتخاذ مواقف علنية قد يُسبب حرجا سياسيا لها ولحكومة محمد شياع السوداني المدعومة من هذه الفصائل.

كما أن تلك القيادات كانت في الأشهر والأسابيع الماضية منخرطة بشكل كبير في عملية تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، ولم ترغب في إعطاء انطباع بأنها متورطة بشكل رسمي في الدفاع عن النظام في إيران، خصوصا مع مسعاها تأمين القبول الدولي والإقليمي للحكومة الجديدة، وتجنبا لأي خطوة قد تؤدي إلى تفكك “الإطار التنسيقي”، الذي كان يسعى إلى إعطاء تطمينات للآخرين بأن الحكومة الجديدة التي يشكلها، لن تكون خاضعة لإملاءات “الحشد الشعبي”، وبأنها لن تتعاطى مع شؤون العلاقات الخارجية بطريقة “راديكالية”.

في هذا السياق، يوضح علي البيدر، أنه إذا حصل أي تدخل من “الحشد الشعبي” العراقي ضد الاحتجاجات في إيران، فإن ذلك يمكن أن يضع العراق في صراع الأقطاب، خاصة مع وجود حكومة جديدة تحتاج إلى دعم، وهذا الدعم من المفروض أن يكون دعما غربيا لأن الدول الشرقية لا تقدم الدعم الكافي للعراق الذي هو بحاجة كبيرة له.

لذلك وبحسب البيدر، فإن أي تدخل سيجعل العراق ضمن محاور الصراع الدولية، أو يجعله محسوبا على المحور الشرقي في الوقت الذي هو بحاجة ماسة ليعيد حضوره في الساحة الغربية كما أن المزاج العربي وبشكل خاص الخليجي يتجه نحو الغرب، وأيضا معظم التزامات العراق المالية وحتى النفطية هي التزامات غربية.

“التيار الصدري” بين “الحشد” وإيران

إيران نجحت في إبقاء إشكالية التعامل مع الاحتجاجات ضمن السياق الداخلي دون تحولها إلى متغير يؤثر في مسارات صناعة القرار والمصالح الإيرانية في العراق. كما أن مقتدى الصدر بقي مُصرا على تمسكه بخيار مقاطعة الحكومة وما يترتب عليها من توزيع المكاسب والمغانم الحزبية.

المنصات الإعلامية التابعة لـ”للحشد الشعبي”، حاولت أن تقدم نفسها بوصفها النموذج الذي يمكن أن يؤتمَن بشكل كبير في حماية ما تسميه النمط التقليدي للثقافة الإسلامية في العراق، والأيديولوجية الشيعية الثورية، في مقابل اتهامها لـ”للتيار الصدري” بأنه مُستعد لفعل أي شيء يمكن له أن يسهم في تحطيم هذا النموذج بغية وصوله إلى السلطة، بما في ذلك التعاون مع الجهات التي تُعادي الإسلام السياسي الشيعي ومنهج “المقاومة”.

أما المنصات التي تُحسَب عادة على “التيار الصدري”، استخدمت في تغطيتها لما يجري في إيران، أوصافا أسهمت في إثارة غضب فصائل “الحشد الشعبي”، كما أثارت حفيظة أطراف مهمة داخل نظام السلطة في إيران. فعلى سبيل المثال، انتقدت منصات صدرية مهمة مثل “قناة الحوزة الناطقة”، ومنصة الجدار (التي أُوقِفت لاحقا) الممارسات التعسفية لقوات الأمن ضد المحتجين، إذ وصفت قوات الباسيج بأنها “ميليشيا ترتكب مجزرة دموية بحق المتظاهرين العُزّل في إيران”، فضلا عن وصفها الاحتجاجات بأنها ثورة مجتمعية مُحقة في مطالباتها، وأنها تواجه نظاما قمعيا.

علي البيدر، يرى أن “التيار الصدري”، لا يريد أن يضع نفسه في موقع موالٍ لإيران، وهو إلى حد معين ستحافظ على علاقة الأطراف السياسية مع الجانب الإيراني، فالصدر يريد لتلك العلاقة أن تكون علاقة متزنة ومحترمة ومبنية على أساس حسن الجوار والمصالح المشتركة والاحترام المتبادل.

لكن إيران من جهتها لا تريد أن تصل في درجة تعاملها مع العراق لمنحه الصفة المعنوية الكاملة كدولة، بل تريد أن تجعل الساحة العراقية جزءا من المشهد الإيراني أو الساحة الإيرانية من أجل الحصول على مزيد من الامتيازات وجهل العراق ساحة لتصفية الحسابات، بحسب البيدر.

العلاقة بين “الحشد الشعبي” و”الحرس الثوري” الإيراني

منسوب السخط الجماهيري الإيراني، والنظرة ضد النظام وأجهزته الأمنية، وخاصة “الحرس الثوري” الذي يتهم بأنه يهدر موارد إيران في صراعاته الخارجية. بأنه ليس مُستبعدا أن يقوم بإشراك “الحشد الشعبي” العراقي في مواجهة الاحتجاجات، خاصة أن ذلك يشكل انعكاسا للتنافس بين المحافظين والإصلاحيين، ولمسعى بعض القوى الإصلاحية مواجهة هيمنة المرشد الأعلى وأدواته العسكرية، ومن بينها ما يسمى بالفصائل الولائية في “الحشد الشعبي” العراقي.

الحرس الثوري الإيراني “فرانس برس”

لكن بحسب علي البيدر، فإن لا يوجد علاقة حاضرة بين “الحشد الشعبي” العراقي و”الحرس الثوري” الإيراني، في مشهد الاحتجاجات، على الرغم من أنه هناك حالات أوعلاقات شخصية لأشخاص مقربين من “الحشد” لديهم التزامات أو ارتباطات مع “الحرس الثوري”، وهذه العلاقة تكون في إطارها الرسمي.

في نفس الوقت هناك بعض الجماعات المسلحة هي من تعلن عن وجود هذه العلاقة، لكنها علاقة غير حقيقية وإنما من أجل الحصول على مكاسب سياسية وأمنية في العراق إضافة للتفاخر بهذه العلاقة، أي أن بعض الأطراف في العراق تحاول التقرب من “الحرس الثوري” لزيادة إمكانياتها في المشهد العراقي وليس أكثر من ذلك.

من الواضح حتى الآن أن “الحشد الشعبي” العراقي، من حيث الموقف الرسمي لقادته، تجنب التعبير عن آراء صريحة بشأن الاحتجاجات في إيران بسبب انشغال تلك الأطراف بعملية تشكيل الحكومة الجديدة في العراق، وسعيهم إلى عدم إحراجها بمواقف من هذا النوع، ولكن في نفس الوقت تحاول منصات “الحشد” الإعلامية خلق رأي عام في أوساطها مؤيدة للخطاب الرسمي الإيراني فيما يتعلق بالاحتجاجات، إضافة للتضامن مع الجانب الرسمي الإيراني ربما يتحول لدعم مباشر إذا وصلت الاحتجاجات لمنحى خطير قد يذهب باتجاه سقوط النظام الإيراني.

إقرأ:واشنطن تستهدف “الحرس الثوري” الإيراني في دير الزور.. ما الرسائل؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة