تزايد التهديدات الصينية في منطقة المحيط الهندي والمحيط الهادي وبحر الصين الجنوبي، تدفع العديد من الدول في المنطقة وأبرزها كندا، إلى اتباع استراتيجيات من شأنها مواجهة المخاطر المحتملة القادمة من الحزب “الشيوعي” الصيني.

التعديلات الأخيرة التي أجرتها الصين في القيادات العسكرية، والتوترات العسكرية والاقتصادية مع كندا، دفع الأخيرة إلى إقرار استراتيجية ترتكز بشكل أساسي على مواجهة النفوذ الصيني، ومحاولات الحزب “الشيوعي” الصيني التدخل في شؤون كندا ودول المحيطين الهندي والهادي، فما علاقة سياسة الصين الخارجية بهذه الاستراتيجية.

استراتيجية كندية

الإعلان عن الاستراتيجية الكندية، جاء عبر وزيرة الخارجية الكندية ميلاني جولي، التي أصدرتها الأحد الفائت، وتتضمن إقرار ميزانية بحجم 1.7 مليار دولار أميركي، لاستخدامها في مزيد من الدوريات البحرية، وتحسين إجراءات الاستخبارات والأمن السيبراني، وزيادة التعاون مع الشركاء الإقليميين في بحر الصين الشرقي والجنوبي.

الوثيقة المكونة من 26 صفحة، تتضمن بحسب ما نقلت صحيفة “بلومبيرغ” الأميركية، جزء واسعا للحديث عن الحزب “الشيوعي” الصيني ودوره في زعزعة الاستقرار بشكل متزايد، وسبل مواجهة التهديدات العسكرية والأمنية والاقتصادية، لكنها أشارت في الوقت نفسه إلى إمكانية التعامل مع بكين في قضايا مثل التغير المناخي والصحة العالمية وغيرها من القضايا الدولية.

الباحث في العلاقات الدولية الدكتور عبد اللطيف مشرف، أوضح أن أبرز التهديدات الصينية التي تسعى كندا لمواجهتها عبر الاستراتيجية الجديدة، تتمثل بالتحركات الصينية في بحر الصين الجنوبي، فضلا عن ملفات التجارة والاقتصاد في منطقة المحيط الهندي والهادي.

مشرف قال في حديث خاص مع “الحل نت“، “بعد زيارة وفد كندي إلى تايوان، اعتبرت الصين هذا الأمر تحديا لها، وبالتالي أصبحت هناك تهديدات لكندا من قِبل الصين، الملف الآخر هو التجارة والاقتصاد، كان هناك اتفاقية تجارة حرة بين الصين وكندا في 2017، إلا أنه تم وقف هذه الاتفاقية عام 2020، وما يدل على ذلك هو ما قاله وزير الخارجية الكندي السابق، إن الصين 2020 غير الصين 2016 وهذا يدل على تزايد نفوذ الصين في منطقة المحيط الهادي أو الهندي“.

كندا تعمل كذلك على إبعاد ومنع التدخلات الصينية في شؤونها الداخلية، لا سيما بعد أن كانت هناك محاولات للتوغل الصيني في القرار السياسي الكندي، حيث برز ذلك عام 2019، وأكد مسؤولون كنديون أن الحزب “الشيوعي” الصيني، يعمل على تمويل بعض الناخبين في كندا.

قد يهمك: اشتعال التوترات بين إيران وأذربيجان.. ما علاقة المكاسب الجيوسياسية الأذربيجانية والتركية؟

التدخلات الصينية

حول ذلك أضاف مشرف، “الصين عملت على دخول المعترك السياسي في كندا لضرب الديمقراطية عبر المال السياسي، وهذا مثّل تهديدا آخر لكندا، فأخذت الأخيرة استراتيجية جديدة، تم ذكر الصين فيها أكثر من 50 مرة ووصفها بالدولة المزعجة، وتنص على ضرورة أخذ إجراءات صارمة لمواجهة التهديدات“.

مشرف رأى أن الخلافات السياسية بين الجانبين متجهة نحو التصاعد، لكن هناك العديد من المصالح الاقتصادية التي أخذتها الاستراتيجية بعين الاعتبار، وزاد بالقول “كندا تريد تنفيذ فكرة المؤاماة السياسية بأن تجعل لها أكثر من حليف ومكان للتسوق الاقتصادي، تريد أن تتغول في الأسواق الآسيوية. عملت كندا على أخذ بعض الإجراءات المشددة بأن أغلقت ثلاث شركات صينية، رغم حجم التجارة بين الجانبين، كما أغلقت ملف شركة هواوي وعدم التعاقد معها، بدعوة دعم هواوي لإيران“.

لا شك أن شراكة كندا مع بعض الدول الغربية، فضلا عن التهديدات في المحيطين الهادي والهندي، تجعل من الصين خصما لها، لكن قد تكون هناك بعض المصالح الاقتصادية، وهو ما أشار له الباحث الدولي.

حيث أفاد “من الممكن أن تكون هناك علاقات من الجانب الاقتصادي لكن من الجانب السياسي، كندا مرتبطة ما زالت بالولايات المتحدة، ولعل في هذه الاستراتيجية أكّدت إنها تعمل على تأمين وحفظ حقوق شركائها الغربيين. هناك توتر في العلاقة بين الطرفين بسبب اللغة الخشنة التي يستخدمها الجانبان في التصريحات المتبادلة لا سيما من قِبل الصين ضد كندا“.

استراتيجية كندا الجديدة كانت واضحة بشأن مواجهة تهديدات الصين، حيث سلطت الضوء على “التدخل الأجنبي والمعاملة القهرية المتزايدة لدول أخرى” من جانب الحزب الشيوعي الحاكم، وذكرت أن “نهج كندا يتشكل من خلال تقييم واقعي وواضح للصين اليوم. وفي مجالات الخلاف العميق، ستتحدى الصين“.

تاريخ التوتر

التوترات بين الحزب الشيوعي وكندا تصاعدت في أواخر عام 2018 بعد أن احتجزت الشرطة الكندية رئيسا تنفيذيا بشركة هواوي تكنولوجيز، بتهمة انتهاك العقوبات الأميركيّة المفروضة على إيران، وعقب اعتقال بكين في وقت لاحق اثنين من الكنديين بتهمة التجسس. وجرى إطلاق سراح الثلاثة العام الماضي لكن العلاقات لا تزال متوترة.

مؤخرا أثار فيديو من قمة العشرين غضبا واسعا في كندا، بعد أن وجه الرئيس الصيني شي جين بينغ، كلمات لم تقبلها الأوساط الكندية إلى رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، أمام عدسات الكاميرات، في سجال علني بين الجانبين.

هذه الأحداث اعتبرها أشرف، أنها قد تكون سببا في تصاعد التوترات بين الجانبين خلال الفترة المقبلة، تزامنا مع سباق التسلح الذي يجري في العالم حاليا، ما يفسر توجه كندا إلى اتجاهها للإنفاق العسكري كجزء من استراتيجيتها لمواجهة التهديدات الصينية.

الحزب “الشيوعي” الصيني عمل مؤخرا على زيادة قوته العسكرية، لإطلاق تهديداته باتجاه الدول المحيطة، وذلك على غرار التهديدات التي أطلقها باتجاه تايوان، وفشل في أن يعلن الحرب، بعد أن رأى ما حصل لروسيا عندما قرر مواجهة الغرب.

الجيش الصيني، يعاني بعض أوجه القصور، والتي يتمثل أولها في التشابه بين المشاكل التي تواجه موسكو في غزوها لأوكرانيا، وبين نقاط الضعف المحتملة في جيش “التحرير الشعبي” الصيني. ويتمثل ثانيها في الإلحاح الذي تمثله مسألة ضم تايوان إلى الصين بالنسبة للرئيس شي جين بينغ، حيث يذهب البعض إلى أنه في حين أن القدرة على الاستيلاء على تايوان كانت منذ فترة طويلة محركا لاهتمام الرئيس الصيني بتحديث جيش “التحرير الشعبي” الصيني، فإن ثمة صعوبات بشأن إمكانية القيام بذلك في ضوء غزو روسيا لجارتها. إذ يتطلب ذلك ضرورة عبور القوات الصينية لمضيق تايوان للوصول إلى الجزيرة، وهو ما يتطلب مئات الآلاف من الجنود.

إن جميع الوحدات المكونة للجيش الصيني تسير في الاتجاه نفسه. فوفقا لبعض المحللين، لا تزال الصين في المراحل الأولى لإنشاء هياكل قيادة موحدة تعمل فيها الوحدات البرية والجوية والبحرية بتناغم وسلاسة لتنفيذ خطة معركة منسقة.

على الرغم مما وصلت إليه عملية تطوير وتحديث الجيش الصيني من تقدم، فإنه مازال يعاني وجود عدة فجوات تؤثر على محاولته اللحاق بالولايات المتحدة في مكانتها العسكرية العالمية، ومن هذه الفجوات، حاجة الجيش الصيني إلى تكثيف التدريب العسكري، وكذلك التحرك بشكل أسرع لتحديث الأنظمة اللوجستية للجيش والسعي إلى بناء نظام مبتكر لإدارة الأسلحة والمعدات، بجانب مواصلة إصلاح الدفاع الوطني وتكثيف الابتكارات في علوم وتكنولوجيا الدفاع.

العوامل السابقة يُضاف إليها، ضعف الخبرة القتالية لدى أفراد الخدمة في الجيش الصيني مقارنة بنظرائهم في القوات الأميركية، حيث لم يقم الجيش الصيني بخوض أي حرب فعلية منذ ما يزيد على أربعة عقود، وتحديدا منذ الحرب التي خاضها ضد فيتنام في عام 1979، فضلا عن وجود فجوة واضحة بين بكين وواشنطن في القوات البحرية.

إذا فالسياسات التخريبية والعدائية للصين، كانت الدافع الأبرز لإقرار الاستراتيجية الكندية، التي من شأنها احتواء أي تهديد محتمل من قِبل الحزب “الشيوعي” الصيني في المستقبل، وبالأخص في منطقة المحيطين الهادي والهندي.

اقرأ أيضا: باتريوت ألمانية في أوكرانيا.. هل تحل نقطة الضعف العسكرية لكييف أمام روسيا؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.