مع استمرار الغزو الروسي لأوكرانيا، وما تخلله من انتهاكات قد ترقى لأن تكون جرائم حرب، هددت رئيسة “المفوضية الأوروبية”، أورزولا فون دير لاين، موسكو، يوم أمس الأربعاء، بأنها ستعاقب على جرائمها في أوكرانيا من خلال محكمة دولية خاصة، فيما طالبت باستخدام الأموال المجمدة الروسية، التي قدرتها بأكثر من 300 مليار دولار، كتعويضات عن الدمار الذي لحق بالاقتصاد الأوكراني جراء الاجتياح الروسي، مشيرة إلى أن حجم الأضرار في أوكرانيا يُقدر بـ 600 مليار يورو، أي ما يزيد عن 610 مليار دولار.

الجمهورية التشيكية التي تتولى الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، كانت قد أيدت في أيلول/سبتمبر الماضي، إنشاء محكمة خاصة بعد العثور على مئات الجثث المدفونة قرب مدينة إزيوم في شرق أوكرانيا بعد استعادتها من الروس، كذلك طالبت دول البلطيق في أيلول/سبتمبر الماضي بتشكيل محكمة كهذه.

هذه المطالبات الأوروبية تدفع للتساؤل حول طبيعة المحكمة المزمع إنشاؤها، وآليات عملها، وعلاقتها بالمحكمة الجنائية الدولية، واحتمالات نجاحها.

طبيعة المحكمة وآليات عملها

أورزولا فون دير لاين، طالبت بتشكيل محكمة أممية خاصة للتحقيق مع روسيا ومحاكمتها على خلفية ما يتردد عن ارتكابها جرائم في أوكرانيا، وأضافت قائلة، “جرائم روسيا المروعة لن تمرّ من دون عقاب”، معلنة عن هذه الخطوة من جانب “المفوضية”، كما ذكرت الأعمال الوحشية التي تم اكتشافها في ضاحية بوتشا في كييف.

مدينة بوتشا التي جرت فيها مجزرة روسية

فون دير لاين أوضحت أيضا، أن “المفوضية” تعمل على إيجاد دعم دولي لإقامة المحكمة الخاصة، بالإضافة إلى دعم تحقيقات “المحكمة الجنائية الدولية” بشأن روسيا.

المعتصم الكيلاني، المتخصص بالقانون الجنائي الدولي ومدير التقاضي الاستراتيجي في “المجلس العربي”، يوضح خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن المحكمة التي تطالب بها “المفوضية الأوروبية”، هي محكمة خاصة بالانتهاكات التي ارتكبتها القوات الروسية والميليشيات والشركات الأمنية الخاصة “المرتزقة” التي تقاتل معها ولصالحها.

الكيلاني يضيف أن المحكمة تحتاج من أجل إنشائها إلى شكلَين، الأول أن يكون هناك قرارا بذلك من “مجلس الأمن” الدولي، وبالتأكيد سيكون هناك استخدام لحق النقض “الفيتو” من قبل روسيا، أما الشكل الثاني، فهو من خلال “الجمعية العمومية” للأمم المتحدة واستخدام “الاتحاد من أجل السلام” لإقرار ذلك.

إقرأ:أحداث بوتشا الدموية في أوكرانيا.. الغرب يتوعد وروسيا تتهرب

أما آليات عملها، فهي مماثلة لاختصاص وآليات عمل المحكمة الجنائية الدولية، سواء طرق تحريك الدعوى الجنائية أمامها، أو إجراءات المحاكمة، بحسب الكيلاني.

هناك أيضا آليات تنفيذية تمتلكها هذه المحكمة والمحاكم المماثلة، تتمثل بإجراء التحقيق والتقصي وجمع الأدلة، وإجراء تحقيق هيكلي وطلب الشهود والضحايا عبر إحضارهم، وهو أحد الآليات التنفيذية التي تستطيع المحاكم الخاصة تنفيذها على الأرض.

شرعية المحكمة وعلاقتها بـ”الجنائية الدولية”

المحكمة الخاصة المزمع تشكيلها، ستقوم بالتحقيق في جريمة العدوان الروسية على أوكرانيا، وهو تعريف تم اعتماده في “نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية” الذي وضِع عام 2010، بينما استُخدم مفهوم “جريمة ضد السلام” في محاكمات نورمبرغ وطوكيو بعد الحرب العالمية الثانية.

أيضا فإن “المحكمة الجنائية الدولية” التي تنظر في أخطر الجرائم منذ 20 عاما، تحقق أصلا في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية في أوكرانيا، لكنها لا تستطيع النظر في الاتهامات بالعدوان لأن لا أوكرانيا ولا روسيا صادقتا على “نظام روما الأساسي”، ومن هنا تبرز فكرة شرعية محكمة خاصة.

المعتصم الكيلاني، يؤكد أن هذه المحكمة تكتسب شرعيتها القانونية من الجهة المشرعة وهي الأمم المتحدة، كما تستمد شرعيتها التنفيذية لأوامر تطبيق قراراتها من خلال الفصل السابع في ميثاق الأمم المتحدة الذي أجاز اتخاذ العديد من الإجراءات في حال تهديد السلم والإخلال به، ووقوع عدوان وهو ما نص عليه صراحة “استخدام الخطط اللازمة لاستخدام القوة المسلحة يضعها مجلس الأمن بمساعدة لجنة أركان الحرب لتنفيذ قرارات مجلس الأمن”.

أيضا وبحكم أن “المحكمة الجنائية الدولية”، غير قادرة على النظر في جريمة العدوان، فلا يمكن المحاكمة على الانتهاكات في أوكرانيا بآليتين دوليتين وبالتالي ستكون هذه المحكمة بديلا عن “المحكمة الجنائية الدولية” بحسب الكيلاني.

احتمالات نجاح المحكمة ومآلاتها

فون دير لاين، قالت أيضا يوم أمس، “مستعدون للشروع في العمل مع الأسرة الدولية لجمع أكبر تأييد دولي ممكن لهذه المحكمة”، وأشارت إلى أن روسيا في حاجة لتعويض أوكرانيا عن الأضرار التي تسببت فيها، وتحمّل تكاليف إعادة بناء البلاد، مشيرة إلى أصول روسيا المجمدة بسبب العقوبات الغربية، كمصدر محتمل للتمويل.

الدمار نتيجة القصف الروسي

أيضا بحسب فون دير لاين، فإنه تم تجميد أصول تبلغ 300 مليار يورو (310 مليارات دولار) من احتياطيات “البنك المركزي الروسي”، بالإضافة إلى 19 مليار يورو من أموال أفراد الطبقة “الأوليغارشية” الروسية. وتريد فون دير لاين استثمار الأموال بالتنسيق مع الشركاء الدوليين.

الكيلاني يشير إلى أن، الإذن من “المجلس الأوروبي” بتبني قواعد استثنائية تسمح لـ”الوكالة الأوروبية” للتعاون في مجال العدالة الجنائية بجمع أدلة على جرائم الحرب في أوكرانيا.

كما أنشأت “المفوضية الأوروبية” بالفعل قواعد خاصة لجمع الأدلة على الانتهاكات التي ارتكبتها القوات الروسية في أوكرانيا، وسيسمح اعتماد هذه القواعد بمعالجة وتحليل الأدلة بالتعاون الوثيق مع وكالة الاتحاد الأوروبي للتعاون في مجال إنفاذ القانون “يوروبول”، والتي يمكنها بدورها مشاركة الأدلة مع القضاء والتحقيق الوطني والدولي، بحسب الكيلاني.

كل هذا يعطي مؤشرات جيدة على أن هناك جدية بمحاكمة روسيا على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها في أوكرانيا، وقد يكون ذلك بوابة لفتح تحقيقات هيكلية مماثلة لانتهاكات ارتُكبت خارج الأراضي الأوكرانية كسوريا وليبيا من قِبل القوات الروسية، بحسب الكيلاني.

لماذا توجد عقبات أمام “الجنائية الدولية” لمحاسبة روسيا؟

بحسب خبراء قانونيين، فإن محاكمة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أو غيره من القادة الروس بارتكاب جرائم حرب ستواجه عقبات كبيرة، وقد تستغرق سنوات، فهذه الانتهاكات لابد من أن تشمل استهداف المدنيين عمدا وحدوث خسائر “جسيمة” بينهم.

“المحكمة الجنائية الدولية” في لاهاي، تعرّف جرائم الحرب بأنها “انتهاكات جسيمة” لاتفاقيات جنيف التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، وتُحدد اتفاقيات جنيف القوانين الإنسانية الدولية الواجب اتباعها في زمن الحرب.

إقرأ أيضا:بعد غزو أوكرانيا.. تأثير العقوبات يضرب الاقتصاد الروسي

الاتحاد السوفيتي سابقا كان قد صادق على “اتفاقية جنيف” عام 1954 وعام 2019، إلا أن روسيا ألغت اعترافها بأحد بروتوكولات الاتفاقية، لكنها ظلت من الدول الموقّعة على بقية الاتفاقيات.

في وقت سابق من العام الحالي، أكد المدعي العام لـ”المحكمة الجنائية الدولية” كريم خان، أنه فتح تحقيقا في جرائم حرب محتملة في أوكرانيا، ولكن من أكبر العقبات أمام “الجنائية الدولية” بهذا الشأن، أن أوكرانيا وروسيا ليستا عضوين في المحكمة، إلا أن أوكرانيا كانت قد منحت المحكمة موافقتها على فحص الفظائع المزعومة على أراضيها بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014.

التحقيق في “الجنائية الدولية”، قد يركز على الجنود والقادة ورؤساء الدول، شريطة أن يتمكن المدعي العام من تقديم أدلة على أن بوتين أو زعيم دولة أخرى، ارتكب جريمة حرب من خلال الأمر المباشر بهجوم غير قانوني أو علم بارتكاب جرائم وفشل في منعها.

لكن يكاد يكون من المؤكد أن موسكو سترفض الامتثال لأوامر الاعتقال، وسيتعين على “الجنائية الدولية” تعقب المتهمين المحتملين لمعرفة ما إذا كانوا يسافرون إلى دول يمكن اعتقالهم فيها، ونتيجة لهذه العقبات والتعقيدات، أثار خبراء قانونيون إمكانية إنشاء محكمة منفصلة لفحص جرائم الحرب المحتملة في أوكرانيا من خلال الأمم المتحدة.

إنشاء محكمة خاصة لمحاسبة روسيا على الانتهاكات التي ارتكبتها قواتها في أوكرانيا أمر مهم للغاية، إذ يمكن أن يضع حدا لما تقوم به روسيا كما أن اعتماد آليات التحقيقات الموسعة ضد الجرائم الروسية قد يساعد في تقصي جرائمها في دول أخرى وهذا ما يساهم بتعزيز العدالة والسلم والأمن في العالم.

قد يهمك:ما خيارات كييف بعد ضم روسيا لـ 4 مناطق أوكرانية؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.