من المتوقع أن يسرّع اعتراف تركيا بإحراز تقدم في مسألة انضمام السويد وفنلندا إلى “حلف شمال الأطلسي” (الناتو)، ترتيبات الانتهاء من المصادقة النهائية على انضمام البلدين للحلف، في تتويج لمسار بدأ في أيار/مايو الماضي، عندما قررت ستوكهولم وهلسنكي التخلي عن خيار الحياد “الاستراتيجي” على خلفية غزو روسيا لأوكرانيا، بالانضمام للحلف، خشية رد فعل من روسيا الجارة.

الاعتراف التركي الذي أُعلن عنه قبل أيام، جاء بعد محادثات طويلة جرت، وبعد الوفاء من السويد وفنلندا ببنود المذكرة الثلاثية التي جرى التوقيع عليها مع تركيا في العاصمة الإسبانية مدريد، في حزيران/يونيو، بشأن عضوية البلدين الواقعَين في شمال أوروبا في “الناتو”.

تباين المواقف

تحت اتهامات من جانب تركيا للسويد وفنلندا بالتساهل مع حزب “العمال” الكردستاني وحلفائه، عارضت أنقرة انضمام البلدين إلى “الناتو”، قبل أن يتم التوقيع على مذكرة ثلاثية منتصف العام الجاري 2022.

رئيس الوزراء السويدي أولف كريسترسون، تعهد خلال زيارته أنقرة مطلع تشرين الثاني/نوفمبر الفائت، بمعالجة مخاوف أعربت عنها تركيا في إطار مكافحة الإرهاب من أجل إزالة أي عقبات أمام عضوية السويد في “الأطلسي”.

قبل ذلك بأيام، كان البرلمان السويدي أقر تعديلا على الدستور يسمح للسويد بتشديد حربها ضد الإرهاب، على أن يدخل حيز التنفيذ في كانون الثاني/يناير 2023.

أما رئيسة الوزراء الفنلندية سانا مارين، فأعربت عن أملها بموافقة تركيا على انضمام بلادها إلى “الناتو” في أقرب وقت، مؤكدة في مطلع تشرين الأول/أكتوبر الماضي، أنها بحثت مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خلال لقائهما في براغ على هامش قمة المجتمع السياسي الأوروبي، ملف انضمام فنلندا إلى “الناتو”.

مارين أكدت أن بلادها اتبعت سياسة متزنة دائما عندما يتعلق الأمر بتركيا، وأنها بحثت مسألة انضمامها إلى “الناتو” قُبيل قمة مدريد لزعماء “الناتو”، مؤكدة أن بلادها تؤدي مسؤولياتها المنصوص عليها في مذكرة التفاهم المبرمة مع تركيا، معربة عن أملها بموافقة أنقرة على انضمام بلدها بأقرب وقت.

قد يهمك: انضمام السويد وفنلندا إلى “الناتو”

مع ذلك، لم يُصادق البرلمان التركي، حتى الآن على بروتوكول انضمام السويد وفنلندا للحلف، ليكون بذلك من بين جميع أعضاء “حلف شمال الأطلسي” لم يبق سوى المجر وتركيا للمصادقة على طلبي ستوكهولم وهلسنكي.

المجر أكدت قبل أيام، على لسان رئيس الوزراء فيكتور أوربان أنها ستصادق على انضمام السويد وفنلندا إلى “الناتو” العام المقبل، مبيّنة أن موضوع المصادقة سيكون مدرجا ضمن جدول أعمال أول جلسة للبرلمان العام المقبل.

عرقلة تركيا

من الجانب التركي، يبدو أن أنقرة ما زالت تبحث عن المزيد من الضمانات، ويقول المحلل السياسي التركي وعضو حزب “العدالة والتنمية” الدكتور يوسف كاتب أوغلو، في حديثه لـ”الحل نت” إن “تركيا تريد تنفيذ كامل المطالب من الدولتين”.

تركيا لم تتسلم المطلوبين لها من السويد وفنلندا، علما أن البلدين تعهدا بذلك في وقت سابق، وفق أوغلو. كما أن قسما كبيرا من الوعود التي تلقتها تركيا من السويد وفنلندا لم تُنفذ بعد.

بذلك، يضع أوغلو الكرة في ملعب السويد وفنلندا، ويقول إن “تركيا تصر على تحقيق كل مطالبها، وعلى رأسها تسليم المطلوبين، والتعهد بعدم دعم المنظمات التي تصنفها تركيا إرهابية مثل حركة “الخدمة” التابعة لفتح الله غولن، وحزب “العمال” الكردستاني. تركيا لن توافق على انضمام السويد وفنلندا إلى “الناتو” ما لم تحصل على ما تريد، أي تنفيذ كل ما تم الاتفاق عليه، على حدّ قوله.

يبدو أن أنقرة تريد مقابل الموافقة على ضم السويد وفنلندا إلى “الناتو” إثارة موضوع انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، حيث اتهمت تركيا في 10 تشرين الثاني/نوفمبر اليونان، بعرقلة انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، ووضع العقبات في طريق المفاوضات الرامية إلى ذلك.

وزير الخارجية التركي فاروق كايماكجي، أكد أن هناك عقبات تعرقل مفاوضات انضمام بلاده إلى الاتحاد الأوروبي، وأن هذه العقبات مصدرها اليونان، مضيفا أن مفاوضات انضمام بلاده إلى الاتحاد لا تسير بالسرعة المطلوبة، وأن اليونان تتعمد عرقلتها، بسبب الخلافات القائمة بشأن جزيرة قبرص وشرق البحر المتوسط، مشددا على رغبة تركيا في إتمام مفاوضات الانضمام، والحصول على العضوية الكاملة للاتحاد الأوروبي.

الباحثة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، أصلي آيدن تاش باش، أكدت في مقال لها في أيار/مايو الماضي وترجمه موقع “سي أن أن” بالعربية، أن هذه ليست المرة الأولى التي تعترض فيها تركيا على أعضاء جدد في “الناتو”، مضيفة أنه “من غير المرجح أن يكون لدى أردوغان هدف استراتيجي واحد محدد، لكنه يتوقع بلا شك أن يتم تملقه وإقناعه ومكافأته في النهاية على تعاونه، كما في الماضي”.

اقرأ أيضا: ما تأثير انضمام السويد وفنلندا لـ“الناتو“.. قوة إضافية ضد روسيا؟

الأمر قد لا يكون كله متعلقا بالسويد وفنلندا، وفق تاش باش، والتي أضافت “يكاد الرئيس أردوغان أن يكون متأكدا من أن هذه لحظة مناسبة للتعبير عن شكواه بشأن أعضاء الناتو الحاليين، خاصة مع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، التي أبقت الزعيم التركي على مسافة منها، والقضية الرئيسة قد تكون خيبة أمل الرئيس التركي لعدم قدرته على إقامة علاقة عمل مع بايدن كما فعل مع أسلافه”.

ضغوط روسية وراء “الفيتو” التركي

ثمة حسابات أخرى تدفع بأنقرة إلى إرجاء المصادقة على انضمام السويد وفنلندا لـ”الناتو”، بحسب حديث المحلل السياسي المراقب للشأن الأوروبي أسامة بشير لـ”الحل نت”، موضحا أن “تركيا أخّرت وعرقلت انضمام البلدين، بسبب علاقتها القوية مع روسيا”.

بشير يرى أن الرئيس التركي، يعمل بمبدأ مسك العصا من المنتصف، فمن جهة هو لا يريد إغضاب حليفه، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ومن جهة ثانية لديه حسابات متعلقة بمصالح بلاده مع الاتحاد الأوروبي، ولذلك نرى هذا التمهل من جانب تركيا.

رغم ذلك، يعتقد بشير أن مسألة انضمام الدولتين إلى “الناتو” باتت مسألة وقت، لأن انضمامها يقوي الحلف.

قناة “العربية” تحدثت في تقرير نشرته في أيار/مايو الماضي، عن القوة العسكرية لكل من فنلندا والسويد، لافتة إلى أن فنلندا تمتلك مخزونا ضخما من الأسلحة المتطورة، وأن السويد تُعد إحدى أهم البلدان لصنع وتصدير الأسلحة المتطورة من المقاتلات المتقدمة إلى السفن الحربية والأسلحة المضادة للدبابات الحديثة والمضادات الجوية.

السويد تتميز في الصناعات العسكرية المحلية التي يُصنف بعضها من بين الأفضل في العالم، من قَبيل مقاتلة “جاز غريبن” من صناعة شركة “ساب”، وأول فرقاطة شبحية “فيبسي”، والغواصة “سودرمنلاند”، والصاروخ المضاد للدروع “أي تي 4” الذي حقق نجاحا هائلا في المبيعات ويستخدم في جيوش فرنسا والولايات المتحدة واليونان.

غير أن المواقف التركية الأخيرة لا زالت تشير إلى مُضي أنقرة في نهج عرقلة انضمام السويد وفنلندا إلى “الناتو”، وهو ما يمكن تلمّسه من خلال تصريحات وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو الأخيرة، عندما قال إن “السويد وفنلندا أحرزتا تقدما باتجاه الحصول على موافقة أنقرة لانضمامهما للحلف، لكن يتعين عليهما بذل المزيد”.

جاويش أوغلو أضاف في تصريحات لوكالة “بلومبرغ” الأميركية، قبل لقاء نظيريه السويدي والفنلندي على هامش اجتماع وزراء خارجية الحلف في العاصمة الرومانية بوخارست أنه “لا تزال هناك بعض القضايا، أحرزت الدولتان تقدما، واتخذتا بعض الخطوات، لكنها ليست كافية في الوقت الراهن”.

الرد السويدي جاء على لسان وزير الخارجية توبياس بيلستروم، عندما قال “نعتقد أننا نسير بخطى ثابتة نحو تحقيق جميع الشروط المنصوص عليها في المذكرة، أود أن أؤكد أنه رغم ذلك، هناك أشياء في هذه المذكرة مهمة للسويد أيضا، وعلى سبيل المثال، التعاون في مجال البيانات بين سلطات مكافحة الجريمة، هذا مهم لأننا نرى الأشخاص الذين ارتكبوا جرائم في السويد يذهبون إلى تركيا، ونريد استعادتهم لتحقيق العدالة”.

كما هو واضح من حديث وزير الخارجية السويدي، وتحديدا إشارته إلى إمكانية استعادة بلاده لمرتكبي الجرائم في السويد من تركيا، أن بلاده وافقت على تسليم المطلوبين لديها لأنقرة، ما يعني أن الإعلان رسميا عن توسعة “الناتو” بضم السويد وفنلندا بات قريبا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة