تصاعد الابتزاز الإعلامي في العراق: هل بات الإعلام ميداناً لتصفية الحسابات بعد سنوات من “التحوّل الديمقراطي” في البلاد؟

تصاعد الابتزاز الإعلامي في العراق: هل بات الإعلام ميداناً لتصفية الحسابات بعد سنوات من “التحوّل الديمقراطي” في البلاد؟

يتهم عدد من المتابعين للشأن العام وسائل الإعلام العراقية بممارسة الابتزاز العلني، تحقيقاً لأجندات شخصية وسياسية، أو لكسب الأموال والمنافع المادية.

الصراع المستمر بين الإعلاميين والسياسيين، منذ سقوط النظام السابق عام 2003، تركّز حول قضايا الفساد المالي والفضائح الشخصية، وعلى الرغم من أهمية الملفات، التي تطرحها وسائل الإعلام العراقية المختلفة، إلا أن كثيرين يتهمونها بالسعي للحصول على قسم من الأموال المسروقة أو المختلسة من المشاريع والوزارات المختلفة، كما أن الميل لإثارة الفضائح  يزداد مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية، لابتزاز بعض الشخصيات السياسية، التي تسعى للحفاظ على سمعتها، قبيل مشاركتها بالانتخابات.

 

ابتزاز اعلامي بأساليب ملتوية

“تارة إسماعيل”، اسم مستعار لصحفية عراقية، تروي لـ«الحل نت» ما عايشته خلال عملها في إحدى المؤسسات الإعلامية: «عملت لمدة عامين في وسيلة إعلامية معروفة، وطيلة مدة عملي كانت إدارتها تحصل على الأموال من خلال الابتزاز، فبين الحين والآخر كان مديري يأمر بإجراء حملة إعلامية ضد شخصية سياسية ما، من أجل الضغط عليها لدفع مبلغ مالي معيّن، مقابل إيقاف الحملة».

وتبيّن “تارة” أن «أغلب العاملين بهذه المؤسسة الإعلامية لم يكونوا راضين عمّا يقوم به المدير، ولكن حاجتهم الماسة للعمل، جعلت منهم أدوات لتنفيذ سياسة الابتزاز، التي تقوم بها المؤسسة».

مصدر مقرّب من إدارة مؤسسة إعلامية أخرى، رفض الكشف عن اسمه خشية خسارة عمله، يقول لـ«الحل نت»: «اتبعت مؤسستنا سياسة إعلامية غير أخلاقية، فكان مديرنا يطلب منا تركيز الأخبار والتقارير والمداخلات الهاتفية ضد شخصية معينة، من أجل مساومتها على دفع مبلغ من المال».

ويتابع المصدر: «طلبت منه التوقف عن هذا الأسلوب، فأجابني: “كيف سأستطيع تأمين رواتبكم إذاً؟”. كان لا يخجل مما يفعله، وبحسب قوله فإن هذا المال، الذي يجنيه من الابتزاز، هو حق الشعب، ونحن من الشعب. لست راضياً عما يقوم به، ولكني لم أجد فرصة عمل بديلة حتى الآن».

 

مصالح مادية وأهواء طائفية

“د.كاظم عيدان”، أستاذ الإعلام في عدد من الجامعات العراقية، يقول لـ«الحل نت»: «حرية الإعلام لم تعد بريئة، أو بالأحرى لم ولن تكون بريئة في يوم من الأيام من عمليات التضليل والتعتيم والتحايل على الحقيقة، فلا يوجد إعلام محايد».

ويضيف: «تعمل كثير من المؤسسات الإعلامية على تحقيق أعلى مستويات الابتزاز، عبر أشكال متعددة من الضغط، فضلاً عن تلميع صورة بعض السياسيين، في سبيل الكسب المالي».

ويرى الأكاديمي العراقي أن «الإعلام العراقي توجهه الأهواء الأيديولوجية والطائفية حيناً، والرغبة في الكسب المادي أحياناً أخرى. وأصبح الصحفيون خاضعين لتوجهات المال السياسي، الذي يموّل العمل الإعلامي في البلاد».

من جهته يرى “موفق عبد الوهاب”، الإعلامي ومقدّم البرامج السابق، أن «مسار الإعلام العراقي انحرف بشدة مؤخراً، بسبب الظروف، التي مرّ بها العراق في العقد الأخير».

“عبد الوهاب” يؤكد لـ«الحل نت» أن «الإعلام مهنة أخلاقيات وأدبيات بالدرجة الأولى، ولكن الإعلام العراقي ينتهج اليوم أسلوباً بعيداً عن المهنية، ويخدم جهات سياسية ذات نفوذ».

ويتابع: «سعي كثير من الإعلاميين لأجل تحقيق مصالح شخصية أصبح مكشوفاً للجميع، ولكنّ هذا لايعني عدم وجود إعلام مهني في العراق، خاصة وسائل الإعلام التي توظّف عاملين من مختلف الأطياف والمكونات والقوميات».

 

معارك إلكترونية

«الإعلام الرصين هو من يكشف عمليات الابتزاز للجمهور، بدلاً من أن يصبح الجهة التي تقوم بالابتزاز»، بحسب الصحفي والكاتب “قصي حسن”.

ويبيّن “حسن” أن «بعض القائمين على المنابر الإعلامية يستغلّون الصحفيين المبتدئين، للقيام بحملات الابتزاز، كونهم أقل خبرة ومهنية، فضلاً عن حاجتهم الماسة للعمل»

ويكشف الصحفي العراقي لـ«الحل نت» عن نوع آخر من الابتزاز الإعلامي: «باتت مواقع التواصل الاجتماعي أرضاً خصبة لتصفية الحسابات، بين القوى والأحزاب السياسية النافذة بالعراق، إذ تتحول، في وقت الأزمات، إلى ساحات لنشر شتى أنواع الفضائح والأخبار غير الدقيقة، لذلك على الشخصيات الحكومية والسياسية التحقق من حساباتها على موقعي “فيس بوك” و”تويتر”، وتوثيقها، كما من المهم جداً متابعة عمليات الابتزاز السياسي الإلكتروني هذه، والحسابات الزائفة التي تنفذها، من قبل هيئة الاتصالات والأمن الوطني العراقي».

 

عقوبات قانونية معطّلة

وتعليقاً على هذا الموضوع يوضح الحقوقي “مصطفى الخفاجي” لموقع «الحل نت» رؤية القانون للجرائم الإلكترونية، وعلى رأسها التشهير والابتزاز:  «قانون الجرائم الإلكترونية ينصّ على عقوبات رادعة، تصل للسجن مدى الحياة، وغرامات تتراوح ما بين ستة عشر ألفاً  واثنين وثلاثين ألف دولار،  لكن تطبيق هذا القانون معطّل لأسباب عديدة».

ويضيف “الخفاجي” أن «الحسابات والصفحات المزيّفة على وسائل التواصل الاجتماعي تعتبر جرائم في قانون العقوبات العراقي»، مشيراً إلى أن «منصات التواصل الاجتماعي، مثل “فيس بوك” و”تويتر”، تخضع أيضاً، من الناحية النظرية، لقانون رادع في العراق».

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.